ينظر شباب اليوم باحتقار ودونية للحرف اليدوية العريقة، حتى إن الكثير منها يوشك على الانقراض بسبب غياب الخلف، كما هو الشأن بالنسبة لحرفة الحدادة التي لها في مدينة فاس العتيقة فضاء خاص منذ قرون ما زال قائما إلى اليوم، يعرف بزنقة الحدادين.

بهذا الفضاء، الذي أصبح يحتضن عددا محدودا من حرفيي الحدادة يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة، كان نور الدين فيلالي رزوقي منهمكا في شحذ سكين متوسط الحجم من صنع يديه، وذلك باستعمال حجر الطحن الدائري الذي يحركه بواسطة دواسة معدنية. سكين ذو مقبض مصنوع من قرن الخروف ونصل عريض، يتم استعماله من طرف الخرازين في تقطيع الجلود.

نور الدين الحاصل على شهادة جامعية في الحقوق من جامعة فاس، تخصص إدارة داخلية، سنة 2000، اختار ألّا ينتظر وظيفة حكومية قد تأتي أو لا تأتي، فاحترف الحدادة لمواجهة البطالة والإبقاء على حرفة والده على قيد الحياة.

نور الدين قال إنه لم يتمكن من الحصول على وظيفة رغم اجتيازه لعدة مباريات، مبرزا أنه يئس من إمكانية نيل فرصة عمل تستجيب لمؤهلاته الأكاديمية في القطاع العام بعد أن أصبح يناهز من العمر 50 سنة.

وأضاف الحداد ذاته، في حديث لهسبريس، أنه بعد حصوله على شهادة الإجازة، لم يبق مكتوف اليدين في انتظار وظيفة، بل شمر على ساعديه ليخلف والده في هذه الحرفة، ويأخذ مكانه داخل ورشته بزنقة الحدادين بمدينة فاس العتيقة.

“تعلمت هذه الحرفة من والدي، حيث كنت أزوره في ورشته في العطل المدرسية منذ أن كان عمري 8 سنوات”، يورد الحداد نور الدين، مشيرا إلى أنه بفضل هذه الحرفة يعيل أسرته المتكونة من زوجته و4 أطفال.

وأوضح المتحدث أنه تعلم تقنيات هذه الحرفة أيضا على يد “مْعلْمين” آخرين، منهم عبدو وابا محمد وعز الدين الفيلالي، مؤكدا أنه لم يكن له من خيار سوى امتهان حرفة والده التي تعلمها منذ الصغر، بعد تعذر حصوله على وظيفة يحقق بها ذاته.

وتوقف نور الدين، في حديثة لهسبريس، عند الأخطار التي يواجهها حرفيو الحدادة بمدينة فاس، ومنها عدم استفادتهم من التأمين الحرفي والتغطية الصحية، مبرزا أن مستقبل هذه الحرفة، التي تتطلب خبرة ومجهودا عضليا كبيرا، يبقى مجهولا بسبب الركود الذي أصبحت تعاني منه الحرف اليدوية العريقة خصوصا، وقطاع الصناعة التقليدية عموما.

وأشار نور الدين إلى أن حرفيي الحدادة بمدينة فاس العتيقة، الذين أبقوا هذه الحرفة التي ورثوها عن آبائهم وأجداهم حية إلى اليوم، أصبحوا يعرضون في محلاتهم بعض المنتوجات الحديدية الأخرى، كالمقاص والسكاكين الجاهزة، وذلك قصد تحسين دخلهم ومواجهة الأزمة التي تحاصر مصدر رزقهم.

hespress.com