ثمة شبه إجماع إلى أن الاقتصاد غير المهيكل يكبد خزينة الدولــة خسائر سنوية بملايير الدراهم، بحكم انفلات أنشطته من تسديد الضرائب الرسوم. وبحكم عدم إدماج مستخدميه في مسالك الحماية الاجتماعية وتسديد واجبات التأمين، وعدم الانضباط إلى قوانين الشغل، يغدو القطاع غير المهيكل، مستفيدا من الوضع القائم ويتخفف من تكبد بعض تبعات وكلفة الإنتاج، وهو ما ينعكس في شكل تخفيضات في أثمنة البضائع والخدمات التي يعرضها.

مما يلحق الضرر بمنطق التنافسية الذي يتعين أن يسود داخل عالم السوق، تتضرر بموجبه المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تشتغل بشكل نظامي، حيث تغدو هذه الأخيرة أمام عالم الفراشة الذين يدورون في فلكها وفي جنباتها كما لو أنها قاصر لا تفهــم ميكانيزمات السوق، فيضطرها الرضوخ للأمر الواقع إلى تحويل هياكلها إما ” جزئيا أو كليا ” إلى هذا العالم في محاولة منها للاستفادة من الوضع القائم.

صحيح أنه بموجب التخفيض الذي يمارسه القطاع غير المهيكل على الأثمنة، بالإضافة في بعض الأحيان إلى جودة المنتجات التي يعرضها ويقدمها، بفعل عوامل الاستيراد والتهريب، أن يتم في المحصلة تشجيع الطلب، وعلى الرغم من كون خزينة الدولة لا تكون مستفيدة، إلا أنه يتم تشجيع دوران العجلة الاقتصادية، كما يسهم في التخفيف من آفة البطالة بفعل امتصاصه للعاطلين عن العمل، كما يكون ملجأ وملاذا للهاربين من القطاع النظامي، يحفظ لهم جزء من كرامتهم ويؤمنون به لقمة العيش في دروب حياتهم اليومية.

ربما هاته الأدوار الإيجابية لهذا القطاع، هو ما يتعين مواكبتها ورعايتها، لضمان نوع من الاندماج التدريجي لهذا القطاع في الاقتصاد المهيكل، كورونا كان لها ما لها من التأثير على الاقتصاد الوطني، إذ بفعل انكماش الاقتصاد الوطني، وضعف وتيرة النمو وتفاقم عجز الخزينة والميزان التجاري، تأثر القطاع المهيكل بشكل كبير، وانعكس ذلك في شكل إغلاقات للعديد من المقاولات الصغرى والمتوسطة، وانعكس ذلك في شكل تسريحات للعديد من العمال الذين لم يجدوا إلا القطاع غير المهيكل–كعجلة سوكور- بقيت منتصبة وأسعفتهم على الأقل لتأمين لقمة العيش، لهم ولأبنائهم، وإلا فأسوأ السيناريوهات هو ما كان ينتظرهم في مثل هاته اللحظات العصيبة.

وحسنا فعلت الدولة، بالتزامن مع فترة الحجر الصحي، حين لجأت إلى التخفيف من بعض معاناة هذه الشريحة من العمال والعاملات من خلال صرف الدعم، وهي بهكذا سلوك قد استطاعت نسبيا أن تخترق هذا العالم وهو في وضعية استسلام وهشاشة، وتمكنت من تشكيل قاعدة معطيات رقمية ستسعف الدولة لا محالة في تشكيل ما سمي ب » السجل الاجتماعي الموحد « الذي سوف يفيد في التعرف عن قرب على الإحصائيات الدقيقة بهذه الفئة وعن حاجاتها واحتياجاتها فيما يخص التغطية الصحية والاجتماعية وأيضا في إعداد المخططات اللازمة لسبل مواكبة هذا القطاع في أفق الانتقال به تدريجيا نحو أروقة القطاع المهيكل.

من جهة أخرى يبدو أن البعد الثقافي لازال يرخي بظلاله هو الآخر على هذا القطاع، ولا يسعفه في تسريع منحنى التطور والتحول، فالخوف من الاقتراب من الإدارة ومن دواليبها ومن عوالم الضرائب والرسوم، كلها أمور تدفع الشخص الذاتي أو الوحدة الإنتاجية غير المهيكلة للبقاء في وضعيتها رغم الإكراهات الجمة التي تتعرض لها، على الرغم من كونها في بعض الأحيان تمتلك كل شروط ومواصفات التحول والانتقال.

والحالة هاته، من شبه المؤكد أن الدولة يتعين أن تتعامل مع هذه الوحدات بمنطق –رابح،رابح- فالكل سيخرج رابحا من وراء الإدماج، المقاولة ستخرج من نفق الظل وتكتسب هوية اقتصادية، وستستفيد من الحماية الاجتماعية والصحية لمستخدميها، ومن الإمكانيات التي تتيحها المنظومة المصرفية، إن كانت ترغب في الإقدام على استثمارات مستقبلية، نفس الأمر سينطبق على الدولة التي سوف تحسن من إحصاءاتها، ومؤشراتها ومن ربح نقاط في مجال مناخ الأعمال، وسوف تدعم ميزانية الخزينة جراء الضرائب التي في الغالب تسعف الدولة للقيام بأعبائها في شكل نفقات تسيير أو يتم تعبئة الأموال في مشاريع استثمارية تتم بموجبه تحريك العجلة الاقتصادية وخلق الثروة.

ربما المقاربة الزجرية بدورها قد تكون مفيدة في التعامل مع بعض المقاولات التي تلعب برجل هنا ورجل هناك، في تحايل خفي على القوانين، تستفيد من خدمات الدولة باليد اليمنى فيما تتلاعب بالفواتير وفي السلع وتستغل خدمات بعض العمال والمستخدمين الذين لاحول لهم ولا قوة للزيادة في الإنتاجية على حساب حقوقهم ومستحقاتهم.

نفس الأمر ينطبق على صنف القطاع غير المهيكل الذي اختار الاشتغال في عالم الربح السريع وفي عالم المحرمات، في الحشيش، في الدعارة، في الهجرة السرية، في السلاح والإرهاب وهلم جرا، من شبه المؤكد وبالنظر للتهديد الذي يشكله هذا العالم على الدولة وعلى مصالحها، فيبدو أنها قد قامت أكثر من اللازم والمتعين في موضوع محاربته.

بالمقابل، يبدو من سلوكها أنها أقل حماسة واستعدادا للقطع مع بعض القطاع غير المهيكل الذي يهدد في بعض الأحيان الطرق والشوارع، وباعتبار الطابع المحلي للعديد من الأنشطة المزاولة، فيبدو أن للسلطات المحلية وللمجالس البلدية هي الأخرى أدوارا كبرى فيما يخص الحد والقضاء على هذه الأنشطة. المؤسف وإذا ما استثنينا بعض المبادرات الحميدة في المجال، أن البعض قد جعل من انتعاشة هاته الأنشطة أسلوبه الخاص للاغتناء بطرق ملتوية وخفية عبر تلقي الرشاوي، أو يتم استغلال مساحات واسعة لعالم الفراشة مع التساهل معهم لكونهم في المناسبات الانتخابية يكونون في الموعد، وبهذا تخسر الدولة ما لا يقل عن نقطتين من النمو في الناتج الخام الذي يعتبر كأكبر مؤشر يبرز التعافي الذي يعرفه المجال الاقتصادي.

hespress.com