الأحد 7 فبراير 2021 – 22:32
لا يستقيم أي بعد وطني عند أي حزب سياسي ما لم يكن وعيه العقائدي والأيديولوجي يبدأ وينتهي عند الالتزام بالقضايا الوطنية والدفاع عنها، ولن يقبل المساومة عنها أو المفاضلة بينها وبين قضايا أخرى. فالقضايا الوطنية هي المبتدأ كما هي الخبر. وما عدا غير ذلك قد نصبح أمام مشهد حزبي موبوء يضع الثابت في ميزان المفاضلة ويقحم المتغير في دائرة الاهتمام الوطني ويجعل منه قضية وطنية. أحزاب من هذه الطينة يصح القول فيها أنها تشتغل على أجندات أخرى أقل ما يحق فيها أنها أجندات غير مضبوطة على التوقيت المغربي.
كان من المفترض أن تفرز لنا بعض التطورات الإيجابية التي عرفتها قضيتنا الوطنية مؤخرا موقفا موحدا تجتمع الأمة فيه على كلمة سواء، بيد أن بعض الأحزاب انحرفت عن ذلك الإجماع الوطني ودخلت في نقاشات على مستوى هيئاتها ومؤسساتها، وهي نقاشات تخلق البلبلة وتضع علامات استفهام كبيرة حول مدى وطنيتها. أن تثار نقاشات من هذا القبيل ومن قبل أحزاب تمارس السلطة فهذا يتناقض مع المصلحة العليا للوطن، ويكشف في الوقت نفسه عن عدم دراية تلك الأحزاب للمهمة الموكولة إليها بعد أن قبلت المشاركة في السلطة ضمن الاختصاصات التي يؤطرها الدستور المغربي. ولذلك فإن مثل هذا النقاش لا وجوب له من حيث الأصل لأن أي حزب مشارك في الحكومة عليه أن يدرك أنه قد انتقل من المسؤولية الحزبية إلى المسؤولية الرسمية التي باتت تتحكم فيها مصلحة الوطن، وعليه أن يدرك كذلك أن السياسة الخارجية تندرج في المجال المحفوظ للملك. فالملك هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى. وبحسب الفصل 42 من الدستور فهو الذي يسهر على احترام التعهدات الدولية للمملكة والتحالفات اللازمة للبلاد. وكذلك يجب على تلك الأحزاب أن تعيد قراءة الدستور قبل الدخول في أي نقاش عقيم ليتبين لها أن الفصل 49 ينص على أن القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية تندرج في السياسة الاستراتيجية للدولة، التي تتخذ قراراتها على مستوى المجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك بحسب الفصل 48.
إذا كان هذا الأمر محسوما دستوريا ولا مجال فيه للتأويل وهو متفق عليه في الوثيقة الأساسية التي أقرها الشعب المغربي عام 2011، فإنه يتعين كذلك على جميع الأحزاب بحكم الانتماء إلى هذا الوطن أن تتقيد بالوعي الجماعي للمغاربة وأن تآزر وتدعم كل المواقف الإقليمية والدولية التي تصب في مصلحة قضيتنا الوطنية. وليس من المهم أن ندخل في نقاش بيزنطي يؤذي ولا ينفع، من قبيل كيف ولماذا كان ذلك الموقف مؤيدا ولماذا في هذا التوقيت ولم يحصل قبل. أسئلة كلها خارج السياق وخارج منطق وحسابات الدولة. الحيثيات والظروف والملابسات في هكذا مواقف ليست لها تلك القيمة السياسية بل العبرة فيها بالخواتم، وما دامت تلك الخواتم قد تحققت فيها أولا وأخيرا مصلحة الوطن فهذا فيه من الكفاية ما يريح أمة بأسرها ويضع حدا لمسار طويل من الاستنزاف على مختلف الأصعدة.
فأي حزب قبل أن يكون له توجه إسلامي أو توجه يساري، فهو قبل كل ذلك حزب مغربي قاعدته من أبناء الشعب المغربي وتمثيله داخل البرلمان هو تمثيل للشعب المغربي. وعليه أن يتصرف كحزب مغربي بعقلية مغربية وبأصول مغربية. فغدا سيتوجه في الاستحقاق الانتخابي المقبل إلى هذا الشعب ليضمن حضوره في البرلمان ولن يحصل عليه من شعب آخر يوجد في جزيرة خارج هذا الفضاء حتى يتبنى قضاياه. شرعية الأحزاب تستمد من الإرادة الشعبية لأبناء الوطن ومن شرعية التماثل مع قضاياهم لا مع قضايا الآخرين. ومهما كانت قضايا ذلك الآخر عادلة وإنسانية وترتبط بحقوق الإنسان تبقى خلف قضايانا الوطنية ولا يحق لأي كان أن يتمسك بها في حال تصادمها مع المصلحة العليا للبلاد. القضايا العادلة والإنسانية في هذا العالم كثيرة ومتعددة ولا يجب أن نختزلها في قضية واحدة لكي نضحي بقضيتنا.
وهذا يقودنا إلى طرح السؤال الكبير على جميع الأحزاب أيهما أولى العقيدة والإيديولوجية أم الوطن؟ لا أعتقد أن مثل هذا الطرح يمكن تصريفه وتداوله لدى الأحزاب الكبيرة في البلدان العريقة في الديمقراطية. وعلى الرغم من أنها بلدان محصنة سياسيا فهي في سياساتها الخارجية لا تتحرك إلا بالشكل الذي يخدم مصالحها القومية. فمتى يتولد هذا الوعي لدى أحزابنا التي تتحكم فيها أحيانا الارتباطات الإقليمية على حساب مصير ومستقبل الوطن؟