“كنز الجنوب”، “جوهرة سوس” و”عاصمة اللوز”؛ أوصاف وألقاب أطلقت عبر مر الأزمان على منطقة شامخة استطاعت أن تنقش لها مكانة بين الجبال بسلسلة الأطلس الصغير، ما مكنها إلى جانب هدوئها وجمال طبيعتها وطيبة ساكنتها، من سحر زائريها وجذبهم لإعادة زيارتها كلما أتيحت لهم الفرصة لذلك.

هي تافروات، الوجهة السياحية الجبلية الأكثر استقطابا للسياح على صعيد إقليم تزنيت، متميزة عن غيرها من المناطق المجاورة بمعالم تاريخية عريقة ودور عتيقة وقصبات أثرية ونقوش صخرية تختزل من عبق التراث والتاريخ الشيء الكثير، فضلا عما تزخر به من مناظر خلابة تشكل منها الواحات الخضراء والصخور الكرانيتية الوردية الجزء الأكبر.

“قصبة تازكا”، أو “توغنج” كما درج أمازيغ المنطقة على تسميتها، هي واحدة من بين هذه المواقع الأثرية الجميلة بتافروات، وبالضبط وسط حي تازكا، شيدت فوق صخور كرانيتية، محاطة بمنازل ضاربة في عمق التاريخ، تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وفق الروايات الشفهية المتداولة.

تتخذ “توغنج” شكلا هندسيا أمازيغيا بامتياز، حيث تتكون من غرف متعددة وبهو وسطح وفناء وثلاثة أبواب، شيدت بمواد محلية، من طين وحجارة وجريد النخيل وخشب شجر الأركان، وذلك للحفاظ على التدفئة في فصل البرد القارس والبرودة في فصل الصيف الحار. كما لعبت القصبة أدوارا تاريخية، سواء ضمن المجال العسكري، بحماية ساكنتها في حالة أي عدوان خارجي، أو اجتماعيا كمركز لاجتماع “انفلاس” القبيلة، إضافة إلى مهمة اقتصادية كمخزن للحبوب والزيوت وكل ما له ارتباط بالمعيشة اليومية للسكان.

حول هذه المعلمة، قال لحسن عباج، فاعل محلي مهتم بالمجال السياحي بمنطقة تافراوت، إن “قصبة تازكا شكلت على مدى سنوات وجهة مفضلة من طرف السياح داخل الوطن وخارجه، خصوصا الروحانيين والمؤرخين العاشقين لعبق التاريخ، وذلك لما تجسده من متحف أثري يحوي الكثير من الأشياء القديمة المستعملة منذ عصور”.

ولكي تلعب القصبة دورها السياحي والتاريخي، يرى عباج أنها “تحتاج إلى خبراء تاريخيين لتحديد تاريخ تأسيسها بدقة، وطلبة باحثين يؤسسون مشروعا بحثيا متكاملا حولها يزيل اللثام عن مكوناتها سوسيولوجيا وأركيولوجيا، إضافة إلى ترميمها وشق طريق يسهل الولوج إليها. وهكذا يمكنها أن تقدم للزائر والسائح نبذة عنها بمفهوم تاريخي قح، وتساهم في أداء دور تنموي بامتياز، خصوصا وأن السياحة في هذا العصر تحولت إلى صناعة مقرونة بالتسويق على كافة المستويات”.

وأشار المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن غالبية ما يحيط بهذه المعلمة تحول إلى أطلال تسقط بفعل عوادي الزمن، وهو ما يستوجب على الجهات المعنية “القيام بدراسة أولية شاملة لإعادة هيكلتها كما كانت عليه من طرف خبراء تقنيين وفنيين للحفاظ على هذا الارث الإنساني، الشيء الذي لن يتأتى إلا بتضافر جهود المجالس المنتخبة ومصالح وزارة الثقافة والأساتذة والطلبة الباحثين ومنظمات التراث الإنساني المادي واللامادي”. 

“ولن ترى هذه المعلمة النور وتعود إليها حيويتها ومجدها العريق، إلا إذا تم تجاوز الخلاف القائم حاليا بين المشرفين عليها وجماعة تافراوت، وإعطائها مكانتها التاريخية في البرامج التي تضعها وزارة الثقافة والمجالس المنتخبة كإرث إنساني مشترك حفاظا على هوية الإنسان التفراوتي بالخصوص، والمغربي بشكل عام”، يورد لحسن عباج في ختام حديثه لهسبريس.

من جهته، أوضح ياسر شهمات، رئيس اللجنة المكلفة بالتهيئة الحضرية والتعمير وإعداد التراب والبيئة والتنمية البشرية والتواصل بجماعة تافراوت، في تصريح لهسبريس، أن “المجلس سبق له أن برمج في إحدى دوراته ميزانية قيمتها 60 ألف درهم لإنجاز دراسة لترميم قصبة تازكا تمكنه من الترافع لدى مختلف المصالح المعنية، وذلك قصد جلب مشروع متكامل من شأنه ترميم معلمة توغنج بكيفية تتناسب ومكانتها المهمة كموروث ثقافي عريق قادر على تعزيز الدور السياحي بمنطقة تافراوت”.

وفي السياق ذاته، أكد العربي إروان، المحافظ الجهوي للثقافة بسوس ماسة، أن مصالح وزارة الثقافة مستعدة للانخراط في ورش ترميم قصبة تازكا لما تختزله من تراث مادي جد مهم، أسوة بكافة المآثر التاريخية التي بوشرت عملية ترميمها أو في طور الترميم، سواء بإقليم تزنيت أو بجهة سوس ماسة ككل.

وأشار المسؤول الجهوي ذاته، في تصريح هسبريس، إلى أن هذا الانخراط مقرون بعدة أساسيات؛ “على رأسها التوصل بمبادرات جادة في هذا الإطار من طرف المشرفين على القصبة، أو من جانب فعاليات المجتمع المدني المهتم أو المجلس الجماعي، بعيدا عن الصراعات الخفية التي تطغى في الوقت الحالي على مطالب الترميم”.

وختم العربي إروان تصريحه بالقول: “قمنا بزيارة ميدانية قبل سنتين تقريبا إلى موقع توغنج كللت بتقييده في عداد التراث الوطني. ونحن مستعدون لتنزيل عملية الترميم على أرض الواقع عبر وضع خطة عمل وتعاون بيننا وكافة الشركاء والفاعلين، خصوصا جهة سوس ماسة ومجلس إقليم تزنيت وجماعة تافراوت، إضافة طبعا إلى المجتمع المدني الذي يعتبر اليوم شريكا أساسيا في مختلف المشاريع والبرامج الوطنية”.

hespress.com