الاثنين 16 نونبر 2020 – 11:00
يتحسّر كثير من أهل فاس على الوضعية التي آلت إليها المدينة خلال السنوات الأخيرة، ويقولون إن “العاصمة العلمية” للمملكة خفَت بريقها على الصعيد الاقتصادي والتنموي، وتشهد تراجعها كبيرا على مستوى التهيئة الحضرية، قبل أن تأتي جائحة كورونا لتزج بها وسط ركود مازال مستمرا إلى اليوم، بعد توقف حركة السياحة، العصب الرئيس للدورة الاقتصادية بها.
بُطْء الأشغال
مقارنة مع بعض المدن الكبرى التي تُنجز فيها أوراش التهيئة الحضرية على نحو يتسم بنوع من السرعة، تسير أشغال تهيئة شارع محمد الخامس في قلب مدينة فاس ببطء شديد يشعر معه السكان وكأنها لا تتقدم.
في هذا الشارع الحيوي تبدو قضبان الحديد بارزة بشكل أفقي، على حواف الأرصفة التي انطلقت أشغال إعادة تهيئتها منذ شهور، وإلى حد الآن لم تكتمل، في حين يضطر المارة إلى رفع درجة يقظتهم حماية لأقدامهم من خطر انغراس رؤوس القضبان الحديدية فيها.
يقول محمد أعراب، وهو فاعل جمعوي بمدينة فاس، إن المجلس الجماعي فوض إنجاز تهيئة شارع محمد الخامس لإحدى الشركات العاملة في مجال العقار، لكنّه يؤكّد أن المسؤول عن مراقبة سيْر الأشغال هو عمدة المدينة.
وفي شارع آخر يُفضي إلى ساحة فلورانس، يبدو رصيف ضفّتيه، خاصة رصيف الضفة حيث يوجد مقر المنطقة الأمنية فاس الجديد دار الدبيبغ، وكأنه تعرض للتو لقصف جوي، حيث تظهر رقعة قرب وكالة بنكية وقد انخسف جزء منها، وتظهر سيدة عجوز تحاول تفادي الحفر العميقة وأجزاء البلاط المكسور.
وفي الرصيف المقابل حذاء مقر مجلس الجهة جرى نزع جزء كبير من البلاط لتمرير قنوات تحت الأرض منذ شهور، وتم إسنادها على سور مجلس الجهة، ولم تتم إعادتها إلى مكانها إلى حد الساعة؛ بينما اتخذ الرصيف في باقي أجزائه شكلا غريبا، بسبب عمليات “الترقيع” بالخرسانة التي خضع لها، دون مراعاة الجانب الجمالي.
من بين المشاكل الأخرى التي يشتكي منها سكان مدينة فاس تردي وضعية قارعة الطرق بسبب الحُفر. “فين غادا دُّوزي؟ الطريق تما كاملة مهرّسة”، يقول سائق سيارة أجرة لسيدة بعد أن نبهته إلى أن يسلُك طريقا آخر أقصر نحو الوجهة التي تقصدها.
ويؤكد محمد أعراب أن تردي حالة الطرق والشوارع في مدينة فاس يكاد يكون حالة عامة، مستحضرا مجموعة من النقط السوداء، مثل طريق ويسلان، الذي وصفه بـ”طريق الموت”، ومنطقة سايس، التي قال إن طرقاتها فيها حفر عميقة “واخا يدخل فيها كلب”.
ويسود لدى عدد من سكان مدينة فاس اعتقاد بأن المجلس الجماعي الحالي لم يُنجز ما كانوا يتوقعونه منه، ومنهم من يَعتبر أن المجلس “ما دار والو”، أو “بْلوكاوْ كولشي”، كما قال مستثمر في المدينة لهسبريس، مشيرا إلى أن مشاريع البناء أيضا عرفت تباطؤا، بسبب تعقيد مساطر الحصول على رخص البناء.
مجهودات كبيرة
في المقابل نفى محمد الحارثي، النائب الثالث لعمدة فاس، أن تكون المدينة تعرف تأخرا في إنجاز مشاريع التهيئة الحضرية أو الأوراش التنموية، مضيفا: “نحن لا نقدم كلاما، بل معطيات واقعية، وإذا أردتم أن أمدّكم بالمشاريع المنجزة أو التي قُبلت ميزانياتها فأنا مستعد لذلك”.
الحارثي أوضح أن فاس “ليست هي الرباط أو الدار البيضاء أو طنجة، التي تشهد استثمارات بمساهمة شركاء مختلفين”، مستدركا: “لكننا نقوم بمجهدوات كبيرة حسب ما لدينا من ميزانيات لإصلاح الطرقات والشوارع وغيرها من الأوراش في مختلف المقاطعات”.
وبخلاف ما يقوله منتقدو المجلس الجماعي الحالي لمدينة فاس، الذين يعتبرون أنه “أسوأ” من المجالس الجماعية السابقة، قال الحارثي: “ملي جينا لقينا طرق كثيرة وشوارع مْدگْدگدة، وصْلحناها”، موضحا أن سبب تباطؤ الأوراش الجارية حاليا هو انتشار فيروس كورونا، وذاهبا إلى القول إن كل ما يقال حول تراخي عمل المجلس “غير صحيح”.
وبخصوص تراجع المشاريع التنموية، وعراقيل الرخص، قال الحارثي: “هذا أيضا غير صحيح، بل بالعكس تماما، هناك سهولة في تسليم الرخص، إذ وضعنا منصّة إلكترونية خاصة بهذا الغرض.. مدينة فاس جدّ متقدمة في ما يخص تسليم الرخص”.
وأبرز نائب عمدة فاس أن عدم تسليم رخص البناء لبعض المنعشين العقاريين قد يكون راجعا إلى عدم استيفاء ملفاتهم للشروط القانونية المطلوبة، مضيفا: “إذا كان الملف متكاملا فإننا نمنح صاحبه الرخصة بسرعة، وقد بذلنا مجهودا كبيرا لتسليم الرخص في وقت مقبول جدا، دون ابتزاز أو أشياء أخرى لا داعي لذكرها”.
قصبة مولاي الحسن تئنّ
توجد في مدينة فاس قصبة تاريخية فريدة من نوعها، ليس في شكلها الهندسي أو فرادة أسوارها وأبراجها، بل في الوضعية التي آلت إليها، إذ تحوّلت جميع أرجائها إلى حي صفيحي يقطنُ بيوته العشوائية عشرات المواطنين.
وتتعرض قصبة مولاي الحسن للعبث، فعلاوة على عدم صيانة أسوارها وأبراجها التي انهارت أجزاء منها وتخترق شقوق عميقة ما تبقى منها، لجأ بعض الساكنين داخلها إلى نصْب اللواقط الهوائية فوق أسوارها وأبراجها التاريخية، علما أن السور الإسماعيلي المحيط بالقصبة مصنف تراثا ماديا.
ويظهر العبث جليا أكثر في الأعمال التي تعود مسؤوليتها إلى المؤسسات العمومية، إذ تم نصب أعمدة كهربائية وسط باحثة القصبة، وتمّ تدعيم بابها بأعمدة مهيأة بالخرسانة، دون إيلاء اعتبار لبُعدها التاريخي. أما محيط القصبة في الخارج فتحوّل إلى فضاء يعج بالنفايات، يقضي فيه العابرون حاجتهم الطبيعية.
وسبق للسلطات المحلية بفاس أن رحّلت بعض القاطنين في الحي الصفيحي داخل أسوار قصبة مولاي الحسن، قبل سنتين، في إطار عملية إعادة إيوائهم. ومازالت عملية الترحيل مستمرة، حسب إفادة مسؤول في الملحقة الإدارية الأطلس، لهسبريس.
وجوابا عن سؤال حول ما إن كانت القصبة المذكورة ستخضع للترميم بعد إفراغها من المواطنين القاطنين داخلها، أضاف المصدر ذاته: “ما يهمنا حاليا هو إفراغها، إذ تستمر مسطرة الإفراغ، وبعد ذلك يمكن وضع التصور الذي ستكون عليه القصبة مستقبلا”.
وبين الوضعية المترديّة لقصبة مولاي الحسن، والحفر العميقة التي تخترق عددا من طرقات وأرصفة شوارع العاصمة العلمية للمملكة، يسود انطباع كبير لدى أهل فاس بأن المجلس الجماعي الحالي لم يُنجز ما كان مأمولا منه، وبأن المدينة تعيش وضعية لا تليق بها.
ويستدل منتقدو المجلس بأمور بسيطة يقولون إنها تزكّي ما يقولونه. “انظر، هذا الكرسي مرميّ هنا منذ عامين ولم تتم إعادته إلى مكانه، أو على الأقل سحْبه حرصا على جمالية الشارع”، يقول أحد أبناء فاس وهو يشير إلى كرسي من الرخام منزوع من مكانه قرب إحدى أكبر النافورات وسط شارع الحسن الثاني.
وفي المقابل هناك من يرى أن تعثر مشاريع المجلس الجماعي لمدينة فاس راجع إلى كون المجلس، على غرار مجالس جماعية بمدن أخرى يسيرها حزب العدالة والتنمية، مكبّل ببطء موافقة السلطة على إعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ المشاريع المقترحة، بسبب “الصراع” القائم بين مسيّري الشأن المحلي المنتمين إلى “حزب المصباح” والداخلية.
وبين هذا وذاك، يؤكّد محمد الحارثي بإصرار أن المجلس الجماعي لمدينة فاس “يقوم بجهود معتبَرة لإنجاز المشاريع، سواء الاقتصادية أو المتعلقة بتهيئة المدينة، وإصلاح الإدارة”.
وبالإصرار نفسه يؤكّد محمد أعراب من جهته أن المشاريع التي يتحدث عنها مسؤول المجلس الجماعي “مجرد كلام لا أثر له في الواقع”، مضيفا: “هم يتوهمون فقط أنهم يعملون، ونحن لا نتجنى عليهم بل نقول الحقيقة فقط، وإلا فعلى السيد العمدة أن يُرينا المشاريع التي أنجزها خلال ولايته”.