قفة سياسية
كاريكاتير: عماد السنوني

سعيد ابن عائشةالأربعاء 28 أبريل 2021 – 09:04

لم تعد الأحزاب تتنافس على إقناع المواطنين بجدوى العمل السياسي، فالزعماء ثابتون في أماكنهم، وأبناء الزعماء مستعدون للإرث، والحاشية المستفيدة تدبر الصراع حسب مصالحها، ولا حدود للتملق والانتهازية، إذ يتحول الحزب إلى مستنقع لخنق الكفاءات ودفعها إلى الهجرة أو الاكتئاب بدل التسابق على تسيير الشأن العام.. وقد بلغت الانتهازية السياسية أوجها خلال السنوات الأخيرة بتسييس المساعدات الإنسانية المخصصة للفقراء في رمضان.

هناك من يحاول قطع الخير من البلاد والعباد، بدعوى أن العمل السياسي يجب أن يبقى مستقلا عن العمل الخيري..لكن الأمر في الواقع لا يخلو من مزايدة، فمن لا خير فيه لا يصلح أصلا لممارسة السياسة، لأن الفعل السياسي النبيل يهدف بالأساس إلى تعميم الخير على الجميع، كما أن ربط المساعدات الإنسانية بمرجعية الإسلام السياسي لا يخلو أيضا من تحايل ممقوت..

يمكن جمع جل الأحزاب في قفة واحدة في ما يتعلق بتحويل العمل الخيري إلى عمل انتهازي، لكن تسييس قفة رمضان في هذا الوقت الصعب التي تجتازه شريحة كبيرة من المواطنين يبقى أمرا غير مقبول، في كل الشرائع الإنسانية. أي حزب هذا الذي يجر المواطنين إلى صناديق الاقتراع باستعمال علب الصابون وأكياس الدقيق، وعلب الزيت والمعكرونة، لكي يحول الأصوات إلى عجينة انتخابية، مشكلة على المقاس، يبيعها في سوق السياسة، بعد المضاربة في المواد الأساسية؟..

إن مهمة الأحزاب السياسية هي تمكين المواطنين من طرق تسيير الشأن العام التي تضمن الرفاهية للجميع، وتساعد على النهضة الحضارية المنشودة، لا أن يحشر الحزب رأسه في الدقيق..أما العمل الخيري فيجب أن تكون له مؤسساته؛ علما أن فعل الخير مرتبط بالأفراد، بغض النظر عن الأديان والألوان والملل والنحل..

ما معنى أن يتسلم مواطن بسيط قفة رمضانية بشعار سياسي؟ ما معنى أن يتحول المال العام المخصص للتأطير والتكوين إلى صفقات لشراء الدقيق والزيت والسكر والشاي، بدل استعماله في التكوين والتأطير؟ ولنفترض كل هذا الخير في بعض الأحزاب “الوطنية”، أين هي من القضية الوطنية؟ لماذا لا يتحول هذا الخير إلى تكوين أغلبية منسجمة في خدمة الوطن والمواطن؟ لماذا لا يتحول هذا الخير إلى ديمقراطية داخلية؟ لماذا لا ينعكس على عمال مقرات الأحزاب؟ ولماذا يتم امتصاص دماء شريحة عريضة من المواطنين بدعوى النضال؟.

هناك من قضى حياته في حفظ الشعارات وترتيب الطاولات وتنسيق الاجتماعات، وهناك من النساء من النساء والفتيات من قضين حياتهن في خدمة “الوهم”، لماذا لم ينلن نصيبهن من خير الأحزاب؟ ألم تتسابق قيادات الأحزاب على ترشيح المقربين والأصدقاء والصديقات في لوائح الريع السياسي للشباب والنساء، لماذا لم يظهر أي أثر للخير في هذه اللوائح؟ كم من الغباء يلزمنا لكي نصدق أن الخير يوجد في بعض الأحزاب..مخطئ من ظن يوما أن للأحزاب دينا (البعض)، مع الاعتذار لأمير الشعراء الذي قال في الصيغة الأصلية (بتصرف).. “برز الثعلبُ يومـاً في شعـــــار الواعِظينـا… فمشى في الأرضِ يهـذي ويسبُّ الماكرينـــا/ مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا”.

الأحزاب السياسية العمل الخيري القفة الرمضانية المساعدات الإنسانية

hespress.com