أعلنت وزارة الداخلية، الأسبوع الماضي، تقديم شكاية ضد المحامي محمد زيان أمام النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالرباط، وذلك بعد تصريحات واتهامات اعتُبرت خطيرة صدرت عن المعني بالأمر في حق مؤسسة وطنية.

وذكرت الوزارة في بلاغ لها أن هذه الخطوة تأتي طبقاً لمقتضيات دستور المملكة، لاسيما الأحكام المتعلقة بضمان حقوق المتقاضين أفراداً ومؤسسات، وفي إطار الحرص على تفعيل المقتضيات القانونية المؤطرة لدولة الحق والقانون.

وللحديث عن هذه الشكاية وحيثياتها ودواعيها، طرحنا أسئلة على المحامي بهيئة الرباط محمد كروط، ليوضح لنا جوانب هذا التحرك القضائي والأفعال التي اعتبرتها وزارة الداخلية مجرمة وفقاً القانون الجنائي، والحدود الفاصلة بين حرية التعبير والأفعال المجرمة.

قررت وزارة الداخلية تقديم شكاية ضد محمد زيان..ماذا يعني لجوؤها إلى القضاء؟ وهل هذا مؤشر على تساوي وضعية الأشخاص والمؤسسات أمام القانون؟

أولاً اللجوء إلى القضاء هو حق مكفول لجميع الأشخاص والمؤسسات على المستويين الوطني والدولي، وبناءً على مواثيق دولية ووطنية، منها المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تعتبر اللجوء إلى القضاء حقا من حقوق الإنسان؛ فهذا اللجوء هو ممارسة حضارية لكل شخص يعتبر نفسه ضحية تلافياً للجوء إلى العدالة الخاصة..وهناك مؤسسة داخل الدولة، كما في جميع الدول، هي التي تفض النزاعات بين الأطراف.

وطنياً هناك نصوص قانونية تنص على اللجوء إلى القضاء، منها ديباجة دستور 2011 التي تؤكد أن المغرب دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، والقضاء هو الذي يطبق القانون، والفصل 117 من الدستور نفسه الذي يقول إن القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص والأفراد والجماعات وحرياتهم وأمنهم، والفصل 118 الذي يؤكد أن حق التقاضي مكفول للجميع دون تمييز؛ ولذلك قد يقاضي المواطنُ الإدارةَ وتقاضي الإدارةُ المواطنَ، وهذه قمة التحضر واحترام القانون.

كما أشير في هذا الصدد إلى أنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الداخلية إلى القضاء لتقديم شكاية في إطار القانون الجنائي، فهناك ملف قيد التنفيذ بين الوزارة وأشخاص حكموا وأدينوا بالقانون الجنائي.

ومعروف أن القضاء الإداري بأجمله يقاضي فيه الفرد الدولة أو أحد إداراتها، وهذا يعني أن اللجوء إلى القضاء حق. وهذا ليس مؤشراً على تساوي الوضعيات كما جاء في سؤالكم، وإنما دليل قاطع على أن هناك مساواة طبقاً للفصل السادس من الدستور.

واللجوء إلى القضاء هو تعبير حضاري، سواء من طرف شخص أو من إدارة أو مؤسسة كيفما كانت، لأن عدم اللجوء إليه هو اقتضاء الحق بوسائل العدالة الخاصة، وهذا سيعود بنا إلى العهود الغابرة.

يقول المشتكى به إن ما صدر عنه يدخل ضمن حرية التعبير، ما هي حدود حرية التعبير وجرائم الأقوال؟

حرية التعبير مضمونة وفقاً للفصل 25 من الدستور، عدا ما يمنعه القانون. وهذا يعني أن حرية التعبير ليست مطلقة تتيح قول ما تشاء، فحين أعرض شخصاً للسب والقذف والإهانة والتشهير فقد تجاوزت حرية التعبير ودخلت نطاق جرائم الأقوال، وهي كثيرة مثل السب والقذف والإهانة والتبليغ عن جريمة مع العلم بعدم حدوثها والوشاية الكاذبة وشهادة الزور والإشادة بالإرهاب.

ولا يمكن المس بكرامة الإنسان تحت أي ذريعة، لأن الكرامة هي الأولى ثم الحرية والحياة، فالناس ضحوا بحياتهم من أجل الحرية وضحوا بحريتهم وحياتهم من أجل الكرامة؛ وبالتالي لا يمكن أن نمس بهذه الكرامة تحت غطاء حرية التعبير.

بلاغ الداخلية اعتبر أن ما ارتكبه زيان يشكل جرائم وفق القانون الجنائي، ما هي هذه الأفعال وتكييفها؟

الأفعال التي اعتبرت وزارة الداخلية أنها تشكل جرائم هي كثيرة.. هناك أقوال وتصريحات تدخل ضمن حرية التعبير، لكن أقوالا أخرى تدخل ضمن أفعال مجرمة ومعاقبة عليها بالقانون الجنائي، منها إهانة موظف أثناء القيام بمهامه، وقد ارتكبت حسب وزارة الداخلية 25 مرة، والتبليغ عن جريمة مع العلم بعدم حدوثها عن طريق اتهام وزارة الداخلية بالتزوير وفبركة ملفات والتدخل، أي تلفيق جرائم دون أدنى دليل، وذلك لحوالي 15 مرة، إضافة إلى إهانة هيئات منظمة لحوالي 14 مرة.

وأود أن أشير في هذا الصدد إلى أن ظهير الأمن لسنة 2010 يؤكد في مادته السابعة أن موظفي الأمن يتمتعون بالحماية وفقاً للقانون الجنائي من التهديدات والتهجمات والإهانات وغيرها، والمادة 19 من قانون الوظيفة العمومية تنص على ضرورة حماية الإدارة لموظفيها من الإهانات والتهجمات.

وزارة الداخلية ترى أن الأفعال سالفة الذكر تشكل جرائم، ويعتبرها زيان تدخل ضمن حرية التعبير، والفاصل هو السلطة القضائية المستقلة، بمعنى أن اللجوء إلى القضاء هو وسيلة حضارية للفصل في هذا النزاع.

هل لجوء الداخلية إلى القضاء كان بسبب تصريح زيان بعد ظهوره في فيديو أم هناك تصريحات أخرى تتضمن إهانة؟

الفيديو الذي ظهر فيه زيان رفقة وهيبة ربما استغل كوسيلة للإفراط في الإساءة والتشهير واتهام الإدارة بفبركته، في وقت نجد تصريحات تفيد بأنه حقيقي؛ فمثلاً هناك قرائن قوية تفيد بأن وهيبة هي صاحبة الفيديو، فهي قالت إنه مفبرك، بدليل أنه لا يحمل التاريخ، وإنها مختصة في التفريغات، وإن الفيديو يعود لشهر نونبر من سنة 2018.

أولاً عدم حمل التاريخ ليس دليلاً على الفبركة، لأن الفيديو الذي يكون فيه التاريخ هو المصور عبر كاميرات المراقبة، في حين أن الفيديو كان مصورا عبر هاتف أو كاميرا مخفية، لا كاميرا مراقبة.

السؤال هو من صور الفيديو؟ والجواب هو وهيبة، بدليل أنها كانت مرتدية لباسها وزيان كان نصف عارٍ. كما أن وهيبة قامت بالتفاتة لا شعورية نحو الكاميرا المخفية.

والسؤال الثاني: لماذا لم ينشر هذا الفيديو إلا بعد مرور سنتين؟ والجواب هو أنها لم تقم بذلك حتى هربت خلسة من المغرب نحو أميركا خوفاً من ملفات عديدة في التزوير.. لقد أمنت وهيبة نفسها وخلقت مشكلة لكي يتهم زيان جهة…

إذا كان أي شخص ضحية فيديو مفبرك أو حقيقي فيه تشهير أو بدون إذن فالأمر عبارة عن جريمة، ويجب أن يتقدم بشكاية للمطالبة بالبحث الدقيق لمعرفة الفاعل ليتحمل مسؤوليته، وعوض أن يقدم زيان شكاية، علماً أن النيابة العامة تدخلت تلقائياً وفتحت بحثاً، لجأ إلى السب والقذف والإهانة والتشهير، وهو رد فعل يدخل ضمن وسائل العدالة الخاصة. وحين يتم الإمعان في الإساءات، سواء قبل أو بعد، فالمؤكد أن الفيديو استعمل كوسيلة لتبرير الإساءات، وهذا غير مقبول في جميع الأحوال.

hespress.com