في مطلع العقد الرابع من عمره، رحل الفنان التشكيلي المغربي كريم عطار، تاركا وراءه عوالم تشكيلية تندد بعوالم القهر والقمع وتصور توحش الإنسان وذكرى شخصية كتومة تنفجر أعمالها تنديدا بقسوة العالَم.

ونعى محمد المنصوري الإدريسي، نقيب الفنانين التشكيليين المحترفين، الراحل كريم عطار، كما نعاه فنانون ومبدعون قائلين إنه رحل مبكرا وفي جعبته الكثير.

في أعماله الفنية كان كريم عطار تشكيليا يواجه “قسوة العالم” عبر لوحاته التي تحاول إظهار هذا الأخير ومن يسود فيه على حقيقته، بتجاوز الأسطح والمظاهر “الجميلة” وإظهار قبح الداخل الذي يكذب وينافق ويضر كل شيء حي.

وتحضر في أعمال عطار الفنية شخصيات “مُسِخت”، بعدما كانت إنسانية الملامح، فصارت كائنات قبيحة وطيورا كاسرة، تسير مُكِبة على وجهها، بعدما طمست إنسانيتها.

كما تستمد عدد من لوحات كريم عطار رمزيتها من لعبة الورقة المغربية (الكارْطَة) مستعيرة رمزية “الزرواطة”، أي الهَراوة، التي تمثل “القوة” و”السلطة” و”القمع” كما تمثل “التغلب”، والتي يفصح عن كونها سياسية، ولو عن غير قصد، علما أنها قد تكون اقتصادية أو عاطفية أو اجتماعية.

أعمال هذا الفنان المغربي الراحل كانت رد فعل على “سلوكات غير إنسانية”، حيث رأى أن المجتمع العالمي “لم يصل إلى الإنسانية”؛ بل “أصبحنا مثل شخص كان مرتحلا وفجأة فقد إنسانيته وسقط في موضع أصبح فيه ليس بإنسان ولا بحيوان”؛ وهو ما تعكسه “الشخصيات الشبيهة بأجساد الحيوانات أكثر منها بأجساد الإنسان”.

وتُفهَم قسوة العالَم الفني لكريم عطار مِن قسوة العالَم التي عاشها ويعيشها البشر، فيكون، بالتالي، عالَمه أقرب إلى رد فعل نوابي (من الشاعر مظفر النواب): “أنتَ بذيء… أروني موقفا أكثر بذاءة من الذي نحن فيه”.

هنا، يقول الفنان الراحل في حوار سابق مع هسبريس: “لا يمكن أن أبقى غير مكترث؛ فأردت إذن أن أرد على العالم بالحِدة نفسها التي مارسها علي، وعليك، وعلى الجميع. فقط، في هذه الحالة، الحِدة فنية؛ كأنك تمسك شيئا سلبيا جدا وتحاول أن تخلق منه شيئا، وتأخذ قبحا وتحاول أن تخلق منه جمالا، ليس بالضرورة بمعايير الجمال الكلاسيكية، أو الجمال الذي فرضته علينا الثقافة التجارية والتسويق، بل هو جمال خاص بي، وهو جمال خلق من قبح”.

رحل كريم عطار وقد راكم إبداعات كان يطمح إلى أن تكون جزءا من اتجاه إبداعي خاص في المغرب، اتجاه يصور “القبح المرئي، ويُخرجه إلى الواقع حتى يعيش”، ليفهم معه الناس أن “الفن ليست له علاقة بالجمال بشكله الكلاسيكي، بل هو شيء آخر لا يمكن أن نحكم عليه من الجانب الأخلاقي، أو من وجهة نظر المفاهيم الجمالية، ومن الجانب الديني، ومن الجانب الاجتماعي؛ لأن الفن يبقى فنا، أي إنه تعبير، ونحن كفنانين نحتاج إلى أن نعبر، ولهذا نقوم بدورنا الذي خلقنا من أجل القيام به”.

hespress.com