لم تُفْتَح ستائر خشبات المسارح بالمغرب مذ أُسدِلَت قبل سنة ويومَين عالميين للمسرح، بعدما فاجأت العالَمَ جائحةٌ لَم تستثن المملكة.

ويستمر إغلاق المسارح وقاعات السينما ومراكز ثقافية أخرى، منذ منتصف شهر مارس من سنة 2020 الماضية، وهو وضع لَم تستثن منه إلا المتاحف وأروقة الفنون الجميلة.

ولا يملك مهنيو المسرح أمام هذا الإغلاق التام، الذي يستمر في ظل إحياء دول عربية مهرجانات فنية بشكل حضوري، إلا استنكار الواقع المفروض برسم حالة الطوارئ الصحية، مستحضرين السماح لفضاءات أخرى تعرف اكتظاظا أكبر بالعمل، مثل المقاهي والحمامات العمومية، ومستنجدين بوسوم تدعو إلى فتح المسارح، وصور تقول إن المسرح عن بعد “ليس مسرحا”.

كما يثير غياب تاريخ محدد لاستئناف العمل مشاكل جمة استنكرها المسرحيون، ابتداء من البعد عن الوسط المسرحي، وتوقف مشاريع مسرحية كاملة، وعدم إمكان استكمال الاستفادة من الدعم المخصص للمشاريع الثقافية والفنية، وضبابية مصير الشّراكات والرعايات التي كانت مرتبطة بجدول عرض كان مبرمجا قبل الإغلاق.

ولا يقتصر هذا الجو من عدم اليقين على المسرحيين، بل يتعداهم إلى الوزارة الوصية على قطاع الثقافة، التي سبق أن نقلت جريدة هسبريس الإلكترونية أن التقديرات تختلف داخلها، في حين يبقى القرار الحاسم خارجها.

ويقول أمين ناسور، مخرج مسرحي، إنه “من المؤسف جدا استمرار الضبابية حول موعد فتح المسارح، وعدم وجود تاريخ محدد”، ويزيد: “هذا مشكل ليس بالنسبة لنا كفنانين، لأننا نعتبر أنفسنا من فئات المجتمع المتضررة، ونتكلم على المستوى الشخصي والفني، بل للدولة المغربية التي لها حضارة وتاريخ، ولها وجود على المستويين الإقليمي والدولي، ومن العيب والعار أن يكون آخر شيء تفكر فيه الآن هو الثقافة والفنون”.

ويضيف ناسور في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “دول جارة لنا فتحت مسارحها، وتركت الحياة الثقافية مستمرة، بينما الوضع في المغرب مقلق جدا، ووصل إلى حد المأساوية، لأن أي مجال يشتغل فيه أناس محترفون، ويكون هو مصدرهم ثم يتوقف لمدة سنة، يصير معه الوضع صعبا جدا، وهو ما جعل البعض يغير الحرفة، وجعل آخرين يتراجعون عن مشاريع فنية كاملة، ويتوجهون إلى التلفزيون، وهو ما يشكل خسارة للمسرح المغربي”.

ويذكر المخرج أن المسرحيين “حاولوا المقاومة”، ثم يردف: “مشاريعنا التي كانت مبرمجة سواء في إطار الفرق، أو من خلال مجموعة من الالتزامات مع القطاع الخاص أو القطاع العام، حاولنا عدم التوقف والاستمرار في تداريبها، ولو في فضاءات خاصة، إلا أن هذه الوضعية غير الواضحة من طرف الحكومة المغربية تجعلنا نضرب كفا على كف، بعدما استغربنا واستنكرنا، خاصة بعد فتح الحمامات والأسواق الممتازة، مع عدم فتح المسارح”.

ولا يتعلق الأمر بسنة فقط من إغلاق المسارح، بل بسنتين بالنسبة لنقيب مهنيي الفنون الدرامية مسعود بوحسين، الذي يستحضر مشاكل سنة 2019 في عهد الوزير الحسن عبيابة، ما “جعلها تقريبا سنة بيضاء في ما يتعلق بالإنتاج الدرامي والفنون الحيَّة بصفة عامة”.

ويزيد رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية في تصريح لهسبريس: “أضيفَ على هذه الفترة منع كلي، وصعوبةٌ حتى في التداريب والإعداد، زيادة على ما يترتب عن ذلك من مشاكل اجتماعية؛ علما أنه في فترة كورونا، يوجد إشكال كبير في البدائل، على اعتبار عدم وجود بديل في ما يتعلق بالفنون الحية، اللهم في ما يهم الفنون المسجَّلَة، علما أن المسؤولين عن القطاع لا يفهمون أن المشكل ليس فقط اجتماعيا، بل فنيا في الوقت ذاته”.

ويستحضر النقيب حلولا كانت مطروحة، وصلت إلى حد “المطالبة فقط بالتدريب على العروض دون جمهور، ونقلها على وسائل التواصل الاجتماعي، مع تعويض المسرحيين في التداريب بشكل أكبر؛ علما أن الأمر سيكون فرصة لتنويع الرصيد”، وزاد: “عوض تهييء الفرقة عرضا كان بالإمكان تهييء عرض أو عرضين؛ ما كان من الممكن أن يشكل انطلاقة أخرى للمسرح المغربي”.

ويستدرك بوحسين قائلا: “لكن، مع الأسف الشديد، ليس هناك تفاعل مع هذا المشكل، وكأن الفن المسرحي وفنون العرض الحية بصفة عامة يمكن أن يكون فيها انتقال العدوى، وهكذا أغلقنا، وانتهينا، متناسين أن هناك ما سيُفْقَد، وسنحتاج الثقافة والمسرح في الأيام العادية”.

ويرجّح بوحسين أنه بعد الجمع بين إشكالات فترة ما قبل كورونا وفترة الجائحة يمكن الخروج بخلاصة مفادها أن “القطاع الوصي وجد راحة في فترة الجائحة، أكثر مما اعتبرها فترة تحتاج ذكاء وإبداعا”.

hespress.com