في فيلم “القدوم إلى أمريكا” (1988، إخراج جون لانديس) ذهب أكيم (إدي مورفي شابا) إلى نيويورك للبحث عن زوجة. وبعد ثلاثة وثلاثين سنة، رجع ملكا شيخا للبحث عن ولي عهد في زيارة جديدة إلى أرض الأحلام (القدوم إلى أمريكا 2-2021 من إخراج كريغ بروير). وقد وجد الملك أكيم الحل لمشكلته بفضل مستشاره وحاجب أسراره الذي يتوقع المصائب ويحتاط لها.
في الفيلم نكتشف أمريكا والنظرة إلى أفريقيا في دقيقة في صالون حلاق عجوز. حلاق يزعجه تحول الرجال إلى نساء وتضايقه كثرة القوانين المضادة للتحرش ومنع لمس صدور النساء… نكتشف النظرة التي تختزل أفريقيا في كونتا كينتي أو إيبولا أو عيدي أمين. يحتاج المتفرج لفهم السياق لينخرط في الضحك على ما هو مبكٍ. يؤدي وصف الظروف إلى جعل النكتة أعمق ويسمح بربطها بباقي المشاهد. كوميديا تحاول أن تكون خفيفة جدا على الرغم من أنها تتناول مواضيع ثقيلة وأليمة. للإشارة فكونتا كينتي هو بطل رواية “جذور” 1977 لأليكس هيلي الذي اختطف من أفريقيا ليصير عبدا في أمريكا قبل أن تحرره حرب الانفصال الأمريكية. حروب أفريقيا لم تخمد بعد، كما هي علاقة مملكة زاموندا وجارتها الجمهورية العسكرية.
كيف يدير الملك أكيم علاقة مملكة زاموندا مع جارتها جمهورية نكسدوريا التي يحكمها عسكري يدمن على تقليد نياشين زائدة على عادة معمر القذافي؟ يتصنع مواقف الملك هزلية مكرها، يبتسم من حماقات القائد الهُمام. تساعد السخرية على تخفيف الصّدامات. هذه صورة ساخرة لعسكاريتارية أفريقية تعتمد على السلاح والروابط الدموية للاحتفاظ بالسلطة.
هذه كوميديا ملكية في عصر الجمهوريات بعد أن جرفت الثورة الفرنسية والحروب النابليونية المَلكيات في زمن سماه غوستاف لوبون “عصر الجماهير” 1895. للتلاؤم مع هذا الوضع الخطر للملوك، أخفى الأمير هويته وتنكر في زي شخص فقير ليصون حريته حين يتجول بين الجماهير في شوارع مدينة نيويورك. تخلص البطل من الأبهة الملكية في الفيلم الأول. أما في الفيلم الثاني، فيتم رفع متشرد إلى مرتبة أمير. تواجه مملكة زاموندا تهديدا لأنها بلا ولي عهد ذكر يحافظ على استمرارية المملكة. أكيم ملك أنجب البنات فقط (بمنطق أفريقيا)، ولا يليق ببنت أن تتولى ولاية العهد، لكن هناك سر يحل مشكلة ولاية العهد.
النتيجة دولة أفريقية تستعير أميرا من أمريكا. شاب نيويوركي بسروال جينز ممزق وحزام مرتخٍ يصير فجأة أميرا أفريقيا وعليه أن يتعلم عاهة تقديس النسل العريق للأجداد، وهذا سلوك غريب بالنسبة لوعيه. يتعرض الابن لاختبار ليثبت أهليته للحكم. يصرح الملك نصف الحداثي أمام الأمير مقرا “سلوكك غريب عن مملكتي لكنه يعجبني”. هكذا سيتم تحديث المملكة. واضح أن الملك يطبق نظرية تشارلز داروين “البقاء ليس للأقوى ولا للأذكى، بل البقاء للأكثر استجابة للتغيير”.
[embedded content]
أسلوبيا، اختار المخرج كوميديا أخف من اللازم، كوميديا موجهة إلى جمهور أنهكته كورونا والحملة الانتخابية. كوميديا حوارية أساسا. وفي ظل غياب لغة سينمائية، تتم الاستعانة بمشاهد استعراضية كثيرة في البروتوكول والحركات… هناك قفشات (غاغ) بفضل خميرة كرنفالية تُشرعن المبالغة في الديكور والملابس، خميرة متولدة من المفارقات، ما يليق في شوارع نيويورك لا يليق في ردهات بلاط أفريقي.
يقدم الفيلم مفارقات في الطبقة وردود الفعل، كما في حوار شاب فقير يدخل لإجراء مقابلة للحصول على عمل فيقول لرب الشركة عكس ما هو متوقع تماما…
الكوميديا هي ادعاء الحُمق لتبييض مهاجمة الطابوهات. من بين الطابوهات الثلاثة، تم التركيز على الجنس والسياسة، بينما تمّ توقير الدين. جرعة جنس مستترة في استعارات وتلميحات، تريد خادمة العناية بشعر الأمير، فيسألها ضاحكا عن الشعر الذي تقصده.
الكوميديا هي معشوقة شُباك التذاكر ومنصات المشاهدة، لذلك تحظى الأفلام الكوميديا بعمر مديد، وليس صدفة أن الأمير الأفريقي يسخر من السينما الأمريكية التي تطرح تتمات لأفلام قديمة لم يطلبها أحد. يبدأ الفيلم الأول والثاني برحلة كاميرا تحلق وتصل القصر وترصد الاستيقاظ الملكي للأمير، ويتم استثمار مشهد عيد الميلاد كزمن للربط بين الفيلمين القديم والجديد.
تقع الأحداث الرئيسية في أفريقيا حيث مفارقات لا نهائية، ملك بلا وريث. لائحة مشاكل تتبعها حلول خاطئة ومنزاحة، مسلية تعمق المصيبة ثم تقع مفاجأة تحول الشر إلى خير.
كيف تجعل الكوميديا الناس يمرحون ويضحكون؟ كيف يمكن استدراج المتلقي لخداعه ثم إفهامه؟ يجيب ملفن هيلترز:
يتم ذلك أولا بتصوير التعالي المبالغ فيه. ثانيا بتكافؤ الضّدين واضطرارهما للبقاء في المكان نفسه (الزوجة والعشيقة)، وثالثا بجمع المتناقضات، وأخيرا وأساسا باستعمال المفاجأة. “نحن لا نضحك إلا عندما نفاجأ”، وما هي المفاجأة؟ هي جعل الجمهور يفترض أنه سيعرف النهاية. ثم تقدم له نهاية مختلفة. ملفن هيلترز “أسرار كتابة الكوميديا” ترجمة صبرى محمد حسن المركز القومي للترجمة 2010 ص 12 و79.
يتحقق التناسق الفني ومتعة المتفرج حين يتم توليد الكوميديا من رحم الموقف المأساوي الذي نصوره. الضحك هو أفضل علاج للتوتر. لتحقيق ذلك، هناك حضور كبير للسيكولوجيا من لقطات تقدم رسما بيانيا لتحولات أمزجة متباينة مرسومة بدقة، مزاج أفريقي عسكري ومزاج أمريكي سائل مستمتع متحرر من الطابوهات. وملك يحاول أن يجد توازنا بين الخطين. تمت أمركة البروتوكول الملكي الأفريقي التقليدي فصار أشبه بموكب موسيقي… وهذا ما زاد الخميرة الكرنفالية المسلية في الفيلم.