يحاول تجار الدين هذه الأيام كما هي عادتهم عند كل شوهة أخلاقية (جنسية) أو سياسية أو مالية، (يحاولون) تبرير تورطهم والتقليل من حجم فضيحة التطبيع التي سقطوا فيها (طبعا هي فضيحة حسب أدبياتهم وأخلاقياتهم وإديولوجياتهم وفي قاموسهم)، بمبررات صبيانية من قبيل أن استقبال الوفد الإسرائيلي كان استقبالا باهتا وأن توقيع العثماني توقيع مفروض، توقيع بقلم أسود وليس بقلم أزرق…
يناقشون سفاسف الأمور من لون القلم وغياب البساط الأحمر إلى لون جوارب كوشنر وغيرها من القشور التي لا تقدم ولا تؤخر، والتي ما هي إلا محاولات بائسة ويائسة لتعزية النفس وتغطية الفضيحة والعار (دائما حسب أبجدياتهم) بغربال المبررات السخيفة، فالحقيقة والواقع الذي يعلو ولا يعلى عليه أن الاستقبال قد تم والتوقيع تم والفضيحة (وفق منظورهم) تمت فكفى الله المؤمنين شر سخافاتهم.
أما أضحوكة “تنسيقية العثماني الذي فرض عليه التوقيع”، ففضيحة لا تقل عن الفضيحة الأولى، فلنفترض أن كبيرهم العثماني فُرض عليه توقيع الاتفاقية ورفض، ماذا كان سيحصل في ملك الله؟ هل سيصدر جلالة الملك أمرا بإعدامه؟ هل سينفيه؟
طبعا لا شيء من ذلك سيحصل، أغلب الظن أن ما سيحدث هو إقالته، بل إن الأمور لن تترك حتى تصل إلى ذلك المستوى، إذ سيصدر جلالته أمره بتكليف أحد الوزراء للتوقيع نيابة عنه، وإذا سأل سائل أين العثماني؟ فهناك ألف جواب وجواب، كادعاء إصابته بكورونا مثلا، كورونا الذي نحمد عليه الله لأنه المشجب المتاح لتعليق كل شيء.
ولنفترض أن الإقالة قد تمت، فهل تمثل شيئا لمن يزعم أنه مستعد للموت من أجل فلسطين وبذل الغالي والنفيس من أجلها؟
لكنه نفاق تجار الدين وتشبتهم بالكرسي من جهة وجبنهم وحربائيتهم من جهة أخرى، ما يجعلهم يضعون رجلا هنا ورجلا هناك، هو ما يدفعهم إلى إطلاق تبريرات سخيفة ومضحكة حد البكاء.
سيبررون ويبررون ويبررون كما برروا فضيحة صاحبة الطاحونة الحمراء بالحرية الشخصية والحياة الخاصة… وهم آخر من يؤمن بها، وكما برروا فضيحة العاشقين على الشاطئ وفضيحة العاشق الولهان الذي طرد شر طردة من وزارة العلاقات مع البرلمان، ليصبح رئيس إحدى الجهات المعطلة هناك في الربع الخالي، رئيسا يتقاضى الملايين كمقابل عن المهام الصعبة الموكولة إليه التي تتلخص في رفع جلسات المجلس الجهوي…
سيبررون ويبررون ويبررون، وسيعطون الأمثلة عن تعامل الرسول صلى عليه وسلم مع اليهود وكيف كان يحسن إليهم وكيف كان يزور جاره اليهودي في مرضه وصلح الحذيبية… وكأننا بحاجة إليهم ليذكرونا بهذه الأمثلة، يذكرونا ليس لأنهم يؤمنون بالتعايش ولا لأن الرسول (ص) قدوتهم في احترام الآخر اليهودي، ولكن كل ذلك لتبرير ما يعتبرونه إلى الأمس القريب جريمة وفضيحة وعارا وأول المستحيلات… وكأن لسان حالهم يقول: بما أن الرسول (ص) قد تعامل مع اليهود ووقع الاتفاقيات مع المشركين وليس حتى مع اليهود المؤمنين، فما العيب إن فعلنا نحن كذلك؟
بئس ما يزعمون، يقارنون أنفسهم بالرسول (ص)، وهم ويا لخبثهم من يركزون على التمييز بين من يسمونهم الصهاينة من جهة وبين اليهود من جهة أخرى وكأن من وقع معهم كبيرهم تلك الاتفاقية ليسوا من الأوائل، لكن الحقيقة أمر من ذلك.
الحقيقة أنهم لا يكرهون فقط من يصفونهم بالصهاينة “القتلة الخنازير”…. لكنهم يكرهون اليهود ويكرهون المسيحيين ويكروهننا نحن المسلمين الذين نكفر بإديولجيتهم، يكرهون كل مختلف ولا يحبون ولا يعشقون إلا الكراهية.
يحبون أن يجعلوا من الاستقبال نصف استقبال ومن التوقيع نصف توقيع!