بعد تأمل في “مرايا الروح”، تعرض الفنانة المغربية رجاء لحلو أعمالها الفنية، في معرض فردي جديد، يستقبله الرواق الفني “ليفينغ 4 آرت” (Living 4 ART) بمدينة الدار البيضاء، إلى حدود الثالث من شهر يوليوز المقبل.

وتحضر في هذه الأعمال أطياف إنسانية، أرواح أو شخصيات دون ملامح: نحن، الإنسان. في عالم قاتم المعالم، والألوان. قد تمتزج، لتصير ملحمة إنسانية، عن الكدح، وإعادة اكتشاف الحلقات المفرغة، التي اكتشفها الأقدمون قبل أن يولوا إلى حال سبيلهم، كما سنولي، ليعي آخرون، متأخرين غالبا، أن الحياة حلقة مفرغة لا نصر يدوم فيها ولا خسارة؛ لأن للوجود حيلته الكبرى: حتمية الرحيل.

مسارات كما تجتمع في لوحات، تتفرق في أخرى، فتتعدد الإحالات، أجناسا وأعمارا وانتماءات طبقية، دون إمكان حصرها في مجال حضاري وسياق تاريخي وإقصاء آخر.

أرواح يتسارع مسيرها، وتحليقها، وأخرى تنظر في لحظات فرحها اللحظي، فيما تكرر أرواح متطلبات العيش الإنساني، تطلعا وعتابا وحيرة.

وتسير اللوحات المعروضة من التعبيرية بينة المعالم، إلى التجريد الذي ينصهر فيه الإنسان، وسعيه، وفضاؤه، والأقدار، في كون كل رتق، عاد حالته الأولى قبل فتقه.

عالم رجاء لحلو، كما تظهره إحدى لوحاتها المعروضة، هو عالم الإنسان، مكشوفا على حقيقته: كل يسعى في سبيله، لا توازن ينشد إليه البصر، لا مركز، فقط إنسان منغمس في تحقيق تطلعاته اليومية، قلما ينظر إلى جيرانه، أو إخوانه في تجربة العيش، ولو أن منتهاه وآخره واحد.

وإن كانت هذه الأعمال دالة على البلاهة الجماعية للإنسان النسي، تبقى دالة أيضا على تشابه التجارب الإنسانية، وتجذر هذا الكائن في أرض الناس هذه، ووحدة الكون، في المنطلق والمآل على الأقل.

تظهر لوحة العالم، حفلة راقصة (تنكرية؟)، خارج الفضاء المعلوم القابلة معالمه للقراءة، وتبدو شخصياته في اختلاف مقاصدها المعهود، ولو في لحظة فرح، أو لحظة تمثيل للفرح الإنساني.

وتحضر في كثير من هذه الأعمال الفنية، لمسة توأم للتعبير الإنساني الأول المرسوم، في بداية تاريخ الوجود البشري، ولو ضاعت الشخصيات في فضاء مجرد، غامق لونه، إلا أنه يعود إلى البدء، أسلوبا وأصلا، ببساطة تقتصر على المشترك، ليظهر، مرة أخرى، الكائن البشري، في سعيه الدائم، المتجدد، في متاهة دائمة لا تنتهي مع جيل إلا لتبدأ مع آخر.

ورغم ما قد يرى من انتماء شخصيات وفضاءات لوحات معرض “مرايا الروح” إلى عالم المتخيل، المتجاوز للواقع المنظور، فهي، لناظرها، فرع عن هذا الأخير، المعيش، بكل المدرك فيه، وغير القابل للإدراك، بكل ما يؤرق ويثير التعجب، بكل ما يرى فيه من آفاق ليست في النهاية إلا سرابا، يرى، ويملأ النفس أملا وعجبا، قبل أن يولي ما إن تدق ساعة الرحيل، لتبقى من كل تجارب العيش، منذ بداية الوجود الإنساني، عبر، وذكريات، وأطياف من كانوا هنا أيضا.

hespress.com