كان بإمكان باريس أن تتدخّل بصيغة تراها مناسبة داخل أروقة البرلمان الأوروبي حتى تطفئ نيران الأزمة بين مدريد والرباط، لكنها اختارت التريث وعدم تجاوز حدود تحالفاتها الإستراتيجية داخل المنظومة الأوروبية؛ دون أن يعني ذلك التخلّي عن حليف “وثيق” هو المغرب.

وحاولت باريس جاهدة أن تقود وساطة بين الرباط ومدريد لتلطيف الأجواء بين المملكتين الجارتين، لكن يبدو أن هذه الخطوة لم تنجح في إنهاء مسببات الأزمة التي يظهر أنها أعقد من عقد وساطات دبلوماسية أو محاولة تقريب بين وجهات نظر.

واتهم البرلمان الأوروبي المغرب باستخدام المهاجرين القصّر “أداة للضغط السياسي”، داعيا “إسبانيا والمغرب إلى العمل معا بشكل وثيق لإعادة الأطفال إلى عائلاتهم”.

ورفض البرلمان الأوروبي بأغلبية 397 صوتا (صوّت 85 ضده وامتنع 196 عن التصويت)، في تصويته على نص اقترحه أعضاء إسبان، “استخدام المغرب ضوابط الحدود والهجرة، وخاصة القصر غير المصحوبين بذويهم، أداة للضغط السياسي على دولة عضو في الاتحاد”.

واتهمت مدريد في سياق أزمتها مع الرباط السلطات المغربية باستغلال ملف الهجرة للضغط على الحكومة وأوروبا عبر فتح الحدود والمعابر في وجه المهاجرين الذين تدفقوا بالآلاف على سبتة ومليلية المحتلتين، بينما يؤكد محللون أن الخطوة الأوروبية الأخيرة لن تكون ملزمة ولن تؤثر في مصالح الرباط.

ويشير المحلل السياسي مصطفى الطوسة إلى أن “فرنسا في بداية الأزمة حاولت أن تقوم بوساطة عبر اتصالات قام بها وزير الخارجية الفرنسي لتلطيف الأجواء بين البلدين، لكنها فشلت”، مبرزا أنه “بالنسبة لموضوع الهجرة فإن باريس محصورة في تصرفاتها ولا تملك هامش مناورة كبيرة، لأن القضية أصبحت تهم الاتحاد الأوروبي”.

كما قال الطوسة إن “مدريد رفعت مخاوف بشأن الحدود الجنوبية لأوروبا إلى الاتحاد، ولم يكن بوسع فرنسا أن تقوم بوساطة معلنة على الأقل في هذا الميدان، لأنها محكومة بتضامنها في إطار منظومة الاتحاد الأوروبي مع إسبانيا”.

واستطرد الخبير المقيم في فرنسا: “لا يمكن لباريس أن تترك حليفتها في أوروبا (يقصد إسبانيا) وتقف إلى جانب الرباط. لكن هذا لا يعني أن فرنسا ستبقى مكتوفة الأيدي”، مبرزا أن “فرنسا من بين الدول التي تعي تماما أهمية المغرب السياسية والإستراتيجية في المنطقة، وستحاول تلطيف الأجواء والقيام بوساطة سياسية بين البلدين، تفاديا لأي قطيعة واستمرار التوتر بينهما، لأن ذلك يشكل خطرا على دول الاتحاد وفرنسا على وجه الخصوص”.

وأوضح الطوسة في تصريح لهسبريس: “على المستوى العلني، فرنسا مرغمة على تضامنها مع مدريد، لكن على مستوى الكواليس هناك حركة كبيرة تقوم بها باريس لمحاولة تلطيف الأجواء بين البلدين”، مبرزا أن “فرنسا من بين الدول الأوروبية التي تعي تماما أن عمق المشكلة بين مدريد والرباط لا يدور حول الهجرة، بل حول الصحراء، والاعتراف الذي تريده الرباط لمغربية الصحراء”.

hespress.com