الجمعة 25 دجنبر 2020 – 01:39
ثقافة “حتى يْزيد عاد سميه اسْعيد”
درجت الثقافة العربية في شقها الشعبي؛ ومنذ أجيال؛ على التسرع في تقييم الأشياء حيث لا تملك عنه سوى اسمه أو بالأحرى نتف معرفية ملتقطة لا تسمن ولا تغني من جوع؛ نحكم على مشروع من خلال مواصفاته وأرقامه الواردة في خطاب سياسي أو برنامج حكومي؛ نحكم على حدث؛ جسيما أو غثا؛ من خلال عنوانه؛ كذلك نحكم على قرار بالزيادة في الرواتب بالتضخيم والتطبيل؛ وهي لا تعدو كونها فتاتا..
لذلك؛ ومن فرط تعجلنا في إصدار الأحكام على النوايا أو العناوين؛ تداركت الثقافة الشعبية هذه الآفة، فنبهت إلى ضرورة التريث والتمهل في استصدار الأحكام والمواقف تجاه حدث ما قبل نضج الظروف المحيطة به؛ من خلال هذا المثل الشعبي الدارج ذات الحمولة الثقيلة: “حتى يْزيد عاد سميه اسْعيد”.
لكن للصدى الإعلامي دويه ووقعه في نفوس الدول والحكومات، حينما يتعلق الأمر بوجود إسرائيل وأمريكا سويا داخل الأروقة السياسية المغربية، وبات هذا واضحا غداة انتشار خبر التطبيع والاعتراف، فكم من دولة وهيئة؛ من دول الجوار خاصة؛ حولت مواقفها رأسا على عقب لصالح المغرب، كالاتحاد الأوروبي الذي ألغى أطروحة جبهة البوليساريو جانبا ورفض مجرد اللقاء بممثليها، وكذلك الشأن بالنسبة لإسبانيا وفرنسا اللتين جنحتا؛ في موقفيهما؛ إلى توخي الحذر والحيطة، في حين دعت ألمانيا المنتظم الدولي إلى عقد جلسة تخصص لمناقشة ملف الصحراء المغربية؛ في ضوء اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربيتها.
ومهما كانت النوايا والأبعاد من وراء تسجيل هذين الحدثين؛ التطبيع مع إسرائيل والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء؛ فقد دأبت أبجديات سياسة العلاقات الدولية على حشد وسائل الحماية والاحترام تجاه كل دولة تقف إلى جانبها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وسيضحى موقف المغرب أقوى من ذي قبل في علاقاته بالجيران، وكذا تدبيره لملف الاتفاقيات التجارية التي تربطه بهم؛ مثال الصيد البحري وتسويق الحوامض والمعادن.. والاستثمارات الأجنبية.
لكن؛ وحتى الآن؛ ما زال التعتيم سيد الموقف بخصوص أبعاد هذا التطبيع؛ ما إن كان سيساهم في الدفع بعجلة تنمية المغرب إلى الأمام، أم هو مجرد إرساء محطة استراتيجية لأغراض عسكرية لبسط النفوذ على باقي أطراف القارة السمراء، ومن ثم إحكام السيطرة في ضبط ومراقبة السفن والطائرات العابرة للأطلسي، كما يجب ألا نستثني؛ من خلال نهج هذه المقاربة التخمينية؛ Speculative Approach بناء ميناء بمواصفات دولية ضخمة لإنعاش الممرات الاقتصادية بين القارات الثلاث؛ أوروبا شمالا وأمريكا غربا وإفريقيا جنوبا. بل هناك قراءات إعلامية متطرفة؛ ذهبت إلى أبعد من هذا في تصورها للأخطار التي ستحدق بالمنطقة، أقلها نشر الفوضى الخلاقة والاضطرابات السياسية على غرار ما جرى في الشرق العربي من تمزقات لكيانات سياسية وتدميرات لبنياتها التحتية ونهب لثرواتها..
الجزائر والتطبيع المغربي الإسرائيلي
عبر حكام الجزائر؛ غداة التطبيع والاعتراف بمغربية الصحراء؛ عن مخاوفهم من دخول المنطقة منزلقات خطيرة من التشظي والتحرشات العسكرية، مما يوحي بوجود “مؤامرة” لجعل العلاقات المغربية الجزائرية تعيش على فوهة بركان قابل للانفجار في أية لحظة. وتعزيزا لهذا السياق المرعب، أطلقوا العنان لمواقعهم السبرنيتية Cybernetics لقصف التطبيع وإلصاقه بصور “الخنوع والتنازل..”، فضلا عن تدميرها لكل القنوات الديبلوماسية من أجل التفاوض واستعادة الثقة بين البلدين الجارين.
ولإن كان؛ من الديمقراطية والحق في اتخاذ الرأي؛ فإن الموقع الاستراتيجي للمنطقة وقربها من أوروبا يستبعد؛ على الأقل في الظروف الراهنة؛ كل احتمال بنشوب احتكاك عسكري بين البلدين؛ لما قد تكون له من تطورات وتداعيات سياسية خطيرة على دول أوروبا نفسها؛ أدناها تضاعف موجات الهجرة اللامشروعة إليها؛ هروبا من نيران الحروب، بالإضافة إلى تدمير نسيجها الاستثماري هناك وصعوبة أو بالأحرى استحالة استيرادها لموادها الأولية؛ من بترول وغاز ومعادن. فيبقى احتمال نشوب نزاع مسلح أمرا مستبعدا بالمرة، لكن تغيير الخريطة الجيوسياسية واقع أصبح الأقوى احتمالا، طالما فكرنا بمنطق هيمنة الاقتصاد السياسي وتوسيع رقعة الأسواق الغربية في مواجهتها لتغول السوق الآسيوية والصينية منها خاصة التي أصبح؛ من خلال الإحصائيات الحديثة؛ تقف ندا قويا لأمريكا بل وتهدد عروشها المالية والاقتصادية في كل أنحاء العالم.