قالت الباحثة في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية والإقليمية عينات ليفي إن “اليهود المغاربة في إسرائيل رحبوا بعودة الاتصال الرسمي بين تل أبيب والرباط”، مبرزة أن “ردود الفعل بين مواطني إسرائيل العرب والفلسطينيين متباينة، فبعضهم فرح ويرى الفرص فقط، وآخرون كثيرون ينتقدونها بسبب القضية الفلسطينية التي ما زالت معلقة”.

وأوضحت الخبيرة الإسرائيلية والباحثة في مركز “ميتفيم” للسياسة الخارجية المتخصص في العلاقات الإسرائيلية المغربية، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “من غير المحتمل أن تتراجع الولايات المتحدة عن قرارها بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء. ربما يكون من الأسهل تعديل إجراءات باقي الاتفاقات الأخرى، لكنني أعتقد أنه عندما تعترف الإدارة الأمريكية بقضية ما، فإن فرص إلغاء هذا الاعتراف تظل ضئيلة”.

وشددت الخبيرة الإسرائيلية في شؤون المغرب العربي على أن “العلاقات الإسرائيلية المغربية طالما حظيت بإمكانيات كبيرة للتطور، لكنها حتى الآن لم تتحقق”، مبرزة أن “اليهود المغاربة الذين يعيشون في إسرائيل، وأنا من بينهم، سعداء ومتحمسون بشكل لا يصدق، ووصف الكثيرون تجديد العلاقات بأنه حلم أصبح حقيقة”.

وهذا نص الحوار:

أولا، أعرف أن لك علاقات واسعة مع عدد من اليهود المغاربة أكانوا في إسرائيل أم داخل المغرب، أريد أن أسألك عن انطباع هؤلاء بشأن عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية. كيف تلقوا هذا الحدث؟ وهل لك أن تحكي لنا عن قصص بعض من هؤلاء وكيف تلقوا هذا الخبر؟

أنا من اليهود المغاربة وأنا واحدة من هؤلاء الذين شعروا بالسعادة والحماسة للغاية، وقد وصفه كثيرون بأنه “حلم تحقق”، وأعتقد أن الأمر هو كذلك بالنسبة لكثيرين منا هنا في إسرائيل.

ردود الفعل بين مواطني إسرائيل العرب والفلسطينيين “متباينة”، فبعضهم فرح ويرى الفرص فقط، وآخرون كثيرون ينتقدونها بسبب القضية الفلسطينية التي ما زالت “مفقودة”، وهناك أيضًا الإسرائيليون الذين ليس لديهم أصل مغربي، فهم ليسوا سعداء مثل المغاربة الإسرائيليين، ولكن أعتقد أنهم أحبوا المبادرة، يمكنني أن أؤكد لك أن العديد منهم وقع في حب المغرب بعد زيارته له.

اليهود المغاربة الذين يعيشون في إسرائيل، وأنا من بينهم، سعداء ومتحمسون بشكل لا يصدق، ووصف كثيرون تجديد العلاقات بأنه “حلم أصبح حقيقة”. نريد للمغرب أن يكون جزءً من حاضرنا ومستقبلنا وليس مجرد ماضٍ و”حنين”، كما يشعر البعض أن الاتفاقية تعطي أهمية جديدة واعترافًا رسميًا، لأن الهوية المغربية أصبحت أيضا ضمن أجندات السياسة الخارجية، وليست مجرد ثقافة شعبية مهمشة في إسرائيل. ولا ترتبط فقط بطبق “الكسكس”.

وفيما يتعلق باليهود الذين يعيشون في المغرب، أعتقد أنها بالنسبة لكثيرين منهم فرصة للربط بين عالمين انفصلا بسبب السياسة: حياتهم وحبهم للمغرب من ناحية، والعلاقة التاريخية والدينية بـ”الأرض المقدسة”.

قبل عودة الاتصالات بين تل أبيب والرباط، كانت هناك حركية كبيرة داخل المشهد الثقافي اليهودي في علاقته بالمغرب، فقد تم عرض مجموعة من الأفلام حول اليهودية في المغرب، كما تم تنشيط مجموعة من الجمعيات مثل “ميمونة”، هل يمكن أن تشكّل الثقافة حافزا لتطوير العلاقات بين البلدين وجعلها رسمية؟

يمكننا القول إن الأمر عبارة عن “مزيج” يضمّ السّياسة والثّقافة المشتركة. منذ تعليق العلاقات الرسمية في أكتوبر 2000، استمرت الاتصال الرسمي بين الدولتين (المغرب وإسرائيل) في الغالب تحت الطاولة، بينما استمرت الروابط المدنية في التوسع. هذا أمر غير معتاد في المنطقة، وقد أصبح الآن ممكنا، لأن العلاقات بين إسرائيل والمغرب لا ينبغي أن ينظر إليها فقط على أنها علاقات بين بلدين، ولكن أيضا بين الشّتات وثاني أكبر جالية مغربية في العالم.

لقد أبقت الروابط المدنية العلاقات حية وفي قلوب الناس على مدار العشرين عاما الماضية، بالإضافة إلى آلاف السياح الإسرائيليين الذين يزورون المغرب كل عام، والتوسع في استخدام الشبكات الاجتماعية. لكن علينا أن نتذكر أيضًا أن إعلان أوسلو للسلام كان هو الذي ساعد على فتح الباب المغربي أمام السياح الإسرائيليين، الذين عززوا بدورهم الروابط المدنية.

فيما يتعلق بالاعتراف المتزايد من قبل العديد من الفاعلين المغاربة باليهودية المغربية، أعتقد أن هذا يرجع في الغالب إلى رغبة المغرب في احتضان هوية وطنية متعددة الثقافات حتى تتمكن من الحفاظ على طبيعتها الهادئة واستقرارها.

أنتِ في احتكاك دائم مع اليهود المغاربة. ما هي نوعية المطالب التي يحملونها؟ وهل لهم أهداف سياسية، بمعنى أن يشاركوا في الانتخابات مثلا؟

لقد احتج اليهود المغاربة في إسرائيل على مر السنين لأمرين أساسيين: الأول، توزيع جديد للموارد والثروة بحيث يكون من الممكن تقليص الفجوات الاقتصادية بين منطقة وسط إسرائيل التي يسكنها في الغالب يهود الغرب، والمناطق المحيطة بها التي معظم سكانها من اليهود الذين نشؤوا في المغرب ودول عربية أخرى أو إثيوبيا. الشيء الآخر المهم في رأيي، هو العدالة الثقافية، مما يعني الاعتراف المناسب بالتراث والثقافة المغربية كجزء من اللحمة الوطنية الإسرائيلية.

في رأيي، يجب أن نحتفل بثقافتنا الغنية والمتنوعة، وألا نقاتل بلا نهاية على الاعتراف والاحترام الضيقين. في هذا الجانب، لدينا في الواقع الكثير لنتعلمه من الحالة المغربية والطريقة التي نوعت بها هويتها الوطنية، وأيضًا الدور الذي تمنحه للقضايا الثقافية في سياستها الأساسية.

نعود إلى عودة الاتصال بين تل أبيب والرباط، هناك من اعتبر الأمر بمثابة “مقايضة” وهناك من ذهب بعيدا في طرحه بالتلويح بإمكانية استبعاد إدارة الرئيس الجديد جو بايدن لقرار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. في نظرك، كيف ستتعامل إسرائيل مع هذا الموضوع؟

أعتقد أنه من غير المحتمل أن تتراجع الولايات المتحدة عن قرارها بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء. ربما يكون من الأسهل تعديل إجراءات باقي الاتفاقات الأخرى، لكنني أعتقد أنه عندما تعترف الإدارة الأمريكية بقضية ما، فإن فرص إلغاء هذا الاعتراف تظل ضئيلة على الرغم من وجود طرق أخرى يمكن أن تمارس بها إدارة بايدن الضغط على الجانبين للمناورة، مثل تأجيل بعض الإجراءات وما إلى ذلك. فيما يتعلق بالرد الإسرائيلي المحتمل على مثل هذا الانسحاب، فكما رأينا من قبل في حلقات تاريخية أخرى في بعض الأحيان، فإن الطريق إلى واشنطن أقصر عبر القدس، ولكنها تعتمد على ديناميكيات العلاقات بين إسرائيل والمغرب والولايات المتحدة. ما أتمناه في المستقبل القريب هو سيناريو مختلف: تجديد المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين بمساعدة ووساطة كل من الولايات المتحدة والمغرب.

كيف تنظر الأوساط الشّعبية والسّياسية الإسرائيلية إلى موضوع “التطبيع” مع المغرب؟ وهل هناك من اختلافات بين الاتفاق المغربي وباقي الاتفاقيات المندرجة ضمن “اتفاق” أبراهام؟

على عكس الاتفاقات المعلنة مؤخرًا مع الإمارات والبحرين والسودان، تمتعت إسرائيل والمغرب بمزيج فريد من التعاون الدبلوماسي الرسمي والعميق. لا يرمز الاتفاق بين إسرائيل والمغرب إلى استئناف العلاقات الرسمية، لكنه أصبح ممكناً أيضاً بفضل العلاقات الشعبية التي توسعت وتعمقت في السنوات الأخيرة، بينما يستخدم “السلام شالوم” لوصف العلاقات بين الدول، فإن الكلمة لوصف العلاقات بين الحلفاء في المغرب وإسرائيل هي “حب أهفا محبا”. المغرب بلاد المحبة والحب. ومع ذلك، يتألف المجتمع الإسرائيلي من مجموعات مختلفة لا تشارك في العادة نفس الآراء السياسية أو حتى نفس القيم. 20٪ من سكان إسرائيل هم من العرب والفلسطينيين، وبينما يرى بعضهم في اتفاقات إبراهيم على أنها فرصة إيجابية، فإن البعض الآخر غير راضٍ عن استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ما هي فرص التعاون التي يمكن أن يتيحها الاتفاق المغربي الإسرائيلي؟

أعتقد أن الآفاق إيجابية للغاية في قطاع السياحة. في عام 2019، زار حوالي 45000 سائح إسرائيلي المغرب. مؤخرا، ذكرت وزيرة السياحة المغربية أن المغرب يتوقع حوالي 200 ألف سائح إسرائيلي في السنة بعد تنفيذ العلاقات الرسمية.

بالنظر إلى أن عدد سكان إسرائيل صغير نسبيا، فهي التوقعات إيجابية بشكل لا يصدق. المثير للاهتمام أن حوالي 30٪ من السياح الإسرائيليين يزورون المغرب أكثر من مرة، وحتى مرة أو مرتين في السنة. حتى الآن، وصل معظم السياح الإسرائيليين إلى المغرب في رحلات منتظمة لمدة أقصاها 15 يومًا حسب تصريحهم الخاص. من الآن فصاعدا، سنرى المزيد من المسافرين المستقلين أيضًا. أي المسافرين الفرديين والذين لن يضطروا إلى السفر في وفود سياحية.

السؤال المثير للاهتمام هو ماذا سيحدث في الاتجاه المعاكس من المغرب إلى إسرائيل. في عام 2019، زار حوالي 3000 سائح مغربي فقط إسرائيل. هذا الرقم منخفض للغاية، والطلب الفعلي أعلى. العقبة الرئيسية هي العملية المعقدة لمنح التأشيرات الإسرائيلية للسياح المغاربة. آمل أن يتم إصلاح ذلك وسنشهد تدفقًا متبادلًا للسياحة في كلا الاتجاهين، وأعتقد أن السياحة والمعاملة بالمثل هما المفتاحان الرئيسيان لتحقيق معظم جوانب العلاقات ومعظمها الروابط المدنية.

التجارة بين الدول لديها أيضا إمكانات جيدة لأن البنية التحتية الاقتصادية كانت مفقودة حتى الآن. كانت هناك بعض الحاويات هنا وهناك، لكن العديد من الشركات امتنعت عن المحاولة حتى. كان الأمر معقدًا للغاية في بعض الأحيان كما يحدث في كل عام في رمضان عندما تشق تمور المجهول الإسرائيلية طريقها إلى الأسواق المغربية وتثير غضب بعض نشطاء حركة المقاطعة. نريد أن نولي اهتمامًا خاصًا لجميع المنتجات التي تعبر عن الهوية المغربية. إسرائيل سوق صغير ولكن لا يزال هناك أزيد من مليون يهودي مغربي سيكونون سعداء للغاية لملء حياتهم ومنازلهم بكل ما هو مغربي، ومن المغرب.

هناك العديد من الفرص أيضًا في الأسواق الرقمية وريادة الأعمال. الشباب المغربي مصدر كبير لرأس المال البشري، إضافة إلى الاستعانة بمصادر خارجية.

يوجد العديد من الجامعات والكليات في المغرب، لكن سوق العمل يوفر في الغالب عمالة في قطاعات الزراعة والنسيج والسياحة والخدمات. يتوق الشباب المغربي لإيجاد فرص عمل والعديد منهم يغادر المغرب للقيام بذلك. السوق الإسرائيلي رقمي للغاية، وأعتقد أن النمو رقميًا يمكن أن يجلب الفرص للمغرب نفسه.

ما هي أهمية استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، خصوصا من الناحية الثقافية والدينية والمجتمعية؟

يفترض عديدون وجود علاقات من قبل بين إسرائيل والمغرب، فهذا لا يعني أنه لم يتغير شيء تقريبا، لا أتفق مع هذا الطرح، لأن معظم العلاقات كانت إما تحت الطاولة أو غير رسمية، وكانت تفتقر إلى الاعتراف الرسمي والسياسي، وبالتالي، فاليوم نحن قادرون على إرساء البنية التحتية الرسمية لتطوير التعاون بين البلدين في جميع المجالات.

العلاقات الإسرائيلية المغربية طالما حظيت بإمكانيات كبيرة للتطور، لكنها حتى الآن لم تتحقق.

الجمع بين الروابط الثقافية العميقة التي تجمع الشعبين على أساس الثقافة المغربية المشتركة، زائد الاعتراف الرسمي، والبنية التحتية للعلاقات الرسمية، سيمكن من تعميق العلاقات أكثر.

كانت المسافات الثقافية المتبادلة مثل تلك التي تجمع بين إسرائيل والمغرب دائما أكثر شمولا ومرونة من القومية المحدودة، هذا هو السبب في أنه يمكن، بل ينبغي أن يكون النموذج الإسرائيلي المغربي بمثابة منارة للأمل، يمكن أن تعلمنا وتذكرنا أنه حتى عندما يكون الظلام محبطا للغاية، يمكن أن تكون الأشياء مختلفة.

تعيش بإسرائيل جالية يهودية كبيرة من أصول مغربية. كيف يمكن استثمار هذا الأمر لتعزيز العلاقات بين البلدين؟

حسنًا، عندما كنت أشتغل في بحثي حول العلاقات الإسرائيلية المغربية، اكتشفت العديد من الأمثلة في مجالات مختلفة من التعاون، ثم شعرت بالصدمة عندما سألت نفسي من هم الممثلون والمبادرون لهذه العلاقات، وأدركت أن 99٪ من الإسرائيليين كانوا في الحقيقة يهودا مغاربة، وأنهم كانوا متحمسين ليس فقط للاستفادة من الفرص، ولكن أيضًا لجعل المغرب جزءا من حاضرهم وعدم جعله مجرد حنين إلى الماضي. يمكنهم بدل ذلك اختيار فرص أكثر ربحا، وأسهل، لكن الثقافة المتبادلة لها تأثير كبير على جميع جوانب الحياة. وهي تتماشى مع التصور المغربي لإسرائيل باعتبار أن اليهود المغاربة في إسرائيل ثاني أكبر جالية يهودية في العالم بأزيد من مليون شخص. لا يزال اليهود المغاربة في إسرائيل والمسلمون في المغرب يتشاركون في الحنين المتبادل، وهذا هو أقوى دافع للتعبئة من أجل إعادة الاتصال بين الشعبين، وبكل الطرق الممكنة. الحنين والشوق، هو مجرد مصطلح محدود الانتماء بمجرد أن تحصل على جوهره. لذلك، فإن السماء هي الحد.

hespress.com