صدر حديثا عن مركز أكلو للبحث والتوثيق، للكاتب جامع بنيدير، مؤلف تحت عنوان “السحر والشعوذة بسوس”، عالج من خلاله ظاهرة السحر والشعوذة بمنطقة سوس باعتبارها من الطابوهات التي لم تحظ باهتمام ودراسات محلية جادة وشاملة، رغم اكتساحها مساحات كبيرة في أوصال المجتمع المغربي.
وحول دوافع تأليف الكتاب يقول جامع بنيدير: “يبدو أننا أضعنا زمنا كثيرا بتأخرنا في مباشرة الاشتغال على هذا الموضوع، إضافة إلى أننا لم نكد نعقد العزم على هذا الاشتغال حتى واجهنا السؤال الذي أضحى يؤرقنا في السنوات الأخيرة، ولا قبل لنا بالكف عن وساوسه التي لا تعرف الرأفة، إنه سؤال ما إذا فضل في عمرنا اليوم متسع من الزمن لمقاربة قضايا السحر والشعوذة ومناجزة مقتضياتهما على الوجه المطلوب”.
وأشار بنيدير، في تصريح لهسبريس، إلى أنه بحكم انتماء المجتمع المغربي إلى المجتمعات الإسلامية الأقل تقدما فإنه يشكل مرتعا لأشكال متعددة من القناعات والممارسات التي تستند إلى الإيمان بالخرافات والأرواح الخفية أكثر منها إلى الإيمان بالله، مضيفا أنه “إلى هذه الأجواء ينتمي المجتمع السوسي الذي راجت هذه الأشكال في أوصاله ورسخت فيها بما باتت معه سوس محجا للباحثين من المغاربة والمشارقة عن الخوارق التي يريدون الاحتماء بها من مواجهة القوانين الواقعية الصارمة”.
وأردف الكاتب ذاته: “إنا لنخجل أشد الخجل من هذا الإرث الخرافي الثقيل الذي تنوء سوس تحت وطأته، ونخشى أن يفضي ذلك إلى إعادة النظر في وصف سوس بالعالمة، ونعتها بدلا من ذلك بنعوت ذات صلة بالمرجعيات الأسطورية واللاعلمية التي يتغذى منها الإرث الخرافي ذاك”.
وتناول جامع بنيدير في المبحث الأول من مؤلفه تعاريف ودلالات السحر والشعوذة من حيث اللغة والاصطلاح، معرجا على الكهانة والعرافة والتنجيم والتطير وغيرها، باعتبارها من أكثر أنواع السحر شيوعا وانتشارا في المجتمع، من خلال تحكمها في نفوس الخاصة والعامة تفكيرا وممارسة، رغم ما تتأسس عليه من خرافات وغيبيات وجحود بالعقل والحكمة وبالدين ومبادئه.
كما وقف الكاتب على اتجاهين مختلفين يعتبر الأول منهما أن السحر والشعوذة لهما معنى واحد بغض النظر عن المستوى النظري أو طريقة التعاطي لهما، التي تعد اختلافات غير ذات تأثير كبير في التدخل الوظيفي القائم بينهما؛ فيما يرى الاتجاه الثاني أن القول بألا فرق بين السحر والشعوذة ينطوي على تهيب الدخول في متاهات البحث عن الاختلافات التي لا بد أن تميز كلا منها عن الآخر.
أما في المبحث الثاني من الكتاب فتطرق بنيدير إلى أن الاهتمام بالسحر في سوس لا يعود فقط إلى عوامل ذاتية ذات صلة بانتمائه إلى المنطقة، ولكن إلى عوامل موضوعية دفعته إلى مقاربة الظاهرة وفحصها قصد التعرف على مختلف جوانبها؛ وذلك من خلال الإشارة إلى نزوع المجتمع السوسي إلى الدين وتغلغله في جميع قطاعاته مقارنة مع غيره، مستحضرا ما تزخر به المنطقة من “أضرحة الأولياء والصلحاء والزوايا الصوفية الطرقية والمدارس العلمية العتيقة”.
كما عرج المبحث الثالث من المؤلف على السحر وخوارقه عبر مقاربة سؤال تحقيق الأعمال السحرية بتنوعها لرغبات وأغراض المتعاطين لها، والوقوف على قيمة هذه الاعتقادات، سواء من خلال المنظور الديني الإسلامي أو المنظور العلمي العقلاني.
أما بخصوص المبحث الرابع فخصصه الكاتب لموضوع استخراج الكنوز، باعتباره من المهام التي يدعي الفقهاء في سوس أنهم مؤهلون أكثر من غيرهم للنهوض بها، وذلك انطلاقا من أربعة محاور متعلقة بأصل الكنوز ومصادرها وعلاقة عفاريت الجن والشياطين بها، وشرط استخراجها وحقيقة توفق أحد الفقهاء في استخراج بعضها.
الرقية الشرعية كانت آخر موضوع تناوله الكتاب من خلال الإشارة إلى أنها “صيغة ابتدعها ممارسو السحر والشعوذة لممارسة حيلهم وأكاذيبهم عبر إلباسها لبوسا دينيا شرعيا للتمويه على المستهدفين من الضحايا، حتى وإن كانت بعيدة عن الشرع”، معتبرا أن الرقية الشرعية ليست سوى وجه آخر للسحر والشعوذة.
وأشار الكاتب في المبحث الأخير إلى أن الكثافة الراهنة للإقبال على هذا الشكل من الشعوذة تؤكد أن الرقاة نجحوا إلى حد كبير في إضفاء الشرعية على جميع إجراءاته؛ “ولعل الانتشار الواسع لعيادات ودكاكين هذه الممارسات بشكل علني، واختيار البعض التنقل في مدن المملكة وقراها، فضلا عن الإعلانات المروجة لهذه الظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لأكبر دليل على هذا النجاح”، وفق تعبيره.