تزخر جهة بني ملال خنيفرة بمؤهلات طبيعية كفيلة بأن تجعلها في مصاف الوجهات السياحية الطبيعية الأكثر إشعاعاً في المملكة لو تم تثمينها والترويج لها كما يجب.

ويجمع العرض السياحي في هذه الجهة بين المناظر الخلابة المتنوعة وغطاء نباتي وغابوي مميز وثراء حيواني بأصناف متنوعة، تنضاف إليها الثروة المائية وجمالية التضاريس المشكلة لمجالها.

ويُظهر امتزاج الموروث الطبيعي في جهة بني ملال خنيفرة بالمكون الإنساني وتجليات العُمق الثقافي والتاريخي للساكنة حاجة المنطقة إلى مقاربة مستدامة تنشد تنمية محلية قوامها السياحة وهدفها الإنسان.

وتُعد السياحة المستدامة ركيزةً من ركائز النظرة الشمولية لمفهوم التنمية المجالية المستدامة، حيث يُشكل المورد المجالي والخصوصيات الترابية مع الإنسان، سواء كان سائحاً أو فاعلاً، واعتباراته السوسيو-ثقافية والاقتصادية العناصرَ الجوهرية لثالوث الاستدامة.

من هذا المنطلق باتَ من الضروري استحضار “الاستدامة” في بلورة العرض السياحي الذي لا يتعلق فقط بالسياحة الطبيعية بشتى أشكالها، بل يتعداها إلى جعل البُعد التاريخي والأنثروبولوجي للمنطقة، كآلية لتوجيه سلوك السائح وتحسيسه بخُصوصيات الهوية المحلية، في صُلب المقاربة المستدامة التي لا تفصل أساسيات عيش الساكنة المحلية عن الفعل السياحي، بل تجعل كلا منهما يُكمل الآخر.

وتُعد السياحة المستدامة والمسؤولة محوراً رئيسياً في استراتيجية الشركة المغربية للهندسة السياحية، بهدف تنمية وتطوير المنتوج والعرض السياحي الوطني لجعل المغرب وجهةً سياحيةً مرجعيةً في مجال التنمية المستدامة.

وتعتبر جهة بني ملال-خنيفرة وجهةً مثاليةً لاستكشاف مجال العالم القروي والجبلي المغربي الأصيل، والاطلاع على عراقته وغناه التاريخي والثقافي.

وترتبط جل الأنشطة السياحية في هذه الجهة بالطبيعة، وهو ما يسمح بممارسة أنشطة ترفيهية في الهواء الطلق في بيئة نقية ومحمية، والقيام بالعديد من الأنشطة الاستكشافية والرياضية كالمشي عبر المسالك والتجديف على طول الوديان وفي بحيرات السدود، وكذا صيد الأسماك والقنص وتسلق حافات وأجراف الجبال وغيرها.

ولا تفوتنا الفرصة هنا دون التذكير بالثقة التي حظي به المنتزه الجيولوجي “مْكون” بمنطقة أزيلال، والاعتراف به من طرف منظمة “اليونسكو” كتراث عالمي لفترة ثانية، كتتويج وثمرة للمجهودات المبذولة للمحافظة على هذا الموروث؛ الثقافي بحيث يُعتبر الأول على الصعيد الإفريقي والعربي الذي حاز على هذا الاعتراف العالمي، والذي يشكل بطاقة بريدية متميزة للجهة، ومرجعاً مهماً لها على المستوى الدولي.

إن المنتزه “جيوبارك مكون” غني بمواقعه الإيكولوجية والبليانطولوجية وثرائه الثقافي والمعماري وتنوعه البيولوجي؛ بحيث يضم مجموعة من المواقع المتميزة كبُحيرة بين الويدان، وشلالات أوزود، والقنطرة الطبيعية لإمينفري، ومضايق تاغيا، وكاتدرائية مستفران، وآثار الديناصورات بالهضبة السعيدة لآيت بوكماز، والمنحوتات الصخرية، علاوة على ما تتميز به المنطقة من إمكانيات هائلة لممارسة الرياضات الجبلية والسياحة الإيكولوجية والمستدامة.

وتساهم منابع أم الربيع وبُحيرة أكلمام أزكزا بخنيفرة وشلالات عين أسردون ببني ملال والضيعات الإيكولوجية بالفقيه بن صالح، بالإضافة إلى الموروث الثقافي لخريبكة، في إثراء العرض السياحي للجهة بشكل كبير.

إن الصناعة السياحية تُعتبر قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، وقد حققت نتائج إيجابية ومشجعة بفضل الرعاية والتوجيهات الملكية التي تحظى بها. وعلى الرغم من الظروف العالمية الصعبة، أظهرت الصناعة السياحية صمودها، حيث سجلت نهاية سنة 2019 أداءً جيداً على مستوى عدد الوافدين وليالي المبيت والعائدات السياحية.

لكن الاقتصاد العالمي يمر اليوم بظُروف استثنائية وأزمة غير مسبوقة بسبب تداعيات جائحة كورونا، التي طالت في بلدنا قطاعات السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي على حد سواء.

إن ما قامت به الشركة المغربية للهندسة السياحية في إطار تفاعلها من أجل إرساء إجراءات من شأنها تعزيز الاستثمار وإعداد مخططات لإقلاع القطاع السياحي على مستوى كل وجهة على حدة، سيُمكن من الحد من تأثيرات هذه الجائحة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المقاربة تأتي لدعم دينامية تطوير النشاط السياحي بالجهات.

وفي هذا الصدد، تُوجت المشاورات التي أُطلقت في هذا الإطار بالتوقيع في شهر ماي المنصرم على اتفاقية شراكة مهمة بين كل من مجلس الجهة، ووزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، والمكتب الشريف للفوسفاط، والشركة المغربية للهندسة السياحية.

وتهدف اتفاقية الشراكة سالفة الذكر إلى تنفيذ برنامج طموح من شأنه تنمية السياحة الجبلية بالجهة من خلال إثراء العرض السياحي للأنشطة على نطاق واسع، وتثمين أهم المواقع الطبيعية بالجهة وتعزيز التشوير السياحي، باستثمار مالي إجمالي يبلغ حوالي 172 مليون درهم.

من جهة أخرى، يبلغ الغلاف المالي الذي تم رصده بموجب الاتفاق الإطار للتعاون المغربي السويسري الموقع خلال فترة الحجر الصحي من طرف سفير سويسرا بالمغرب، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، والمدير العام للشركة المغربية للهندسة السياحية، حوالي 40 مليون درهم، مُمولةً من طرف كل من كتابة الدولة في الاقتصاد السويسري بنسبة 90 في المائة، ووزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي والشركة المغربية للهندسة السياحية بـ10 في المائة.

وسيُخصص هذا الغلاف المالي لدعم الدينامية الجهوية عبر خلق أرضية تشاركية تُمكن من تحسين إدارة الوجهة السياحية، وإنعاش الاستثمار السياحي عبر تأهيل الإيواء السياحي الجبلي والرفع من جودته لكي يتلاءم مع متطلبات شرائح الزوار (العائلات أساساً)، وتحسين تنافسية القطاع الخاص، خاصة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وكذا تعزيز قُدرات الرأسمال البشري في مهن جديدة تُمكن من الولوج إلى تقنيات التواصل والتكنولوجيا بهدف تعزيز إمكانياته على التسويق واستهداف الأسواق الوطنية والدولية.

إن أهم رهانات القطاع للخروج من هذه الأزمة وتداعياتها تتمثل في تطوير وتحسين تنافسية وجاذبية المناطق السياحية وتثمين الموارد السياحية للاستجابة بشكل دقيق لمتطلبات الأسواق السياحية الوطنية، خاصة في الوقت الراهن، وكذا جذب الاستثمارات الكافية.

ويأتي عقد اللقاء الذي جمع بين الشركة المغربية للهندسة السياحية والوزارة الوصية كترجمة لالتزاماتهما في مجال تنمية الاستثمار السياحي وخلق فرص الشغل للساكنة المحلية، وتوفير عائدات وموارد بديلة مهمة لها.

hespress.com