تشهد مناطق سوس بروز غطاء نباتي كثيف نتيجة التساقطات المطرية الأخيرة، وهو ما أثلج صدور الساكنة، لا سيما الفلاحين ومربي المواشي، غير أن فرحتهم سرعان ما تتحول إلى ترح مباشرة بعد رؤية عشرات الشاحنات المحملة بمواشي الرحل تصل إلى هذه المناطق، فتبدأ فصول أخرى من المعاناة والمواجهات لصد “الغرباء” عن إفساد الكلأ والممتلكات، الذين في الغالب لا تثنيهم صرخات الأهالي ولا شكاياتهم عن إلحاق الضرر بالأراضي والممتلكات ومصادر المياه، أو حتى القيام باعتداءات جسدية في حق الأهالي.

في تيزنيت، سيدي إفني، اشتوكة آيت باها، تارودانت وغيرها، يشتد تواجد آلاف رؤوس المواشي من الأغنام والماعز والإبل المملوكة للرحل، لا يجدون حرجا في استهداف المستغلات الزراعية والأراضي المزروعة بالحبوب، مما “يدفعنا إلى الخروج للدفاع عن أراضينا ومستغلاتنا، مشكلة ظلت منذ سنين تؤرق بالنا، دخلنا في مواجهات مباشرة مع هؤلاء الذين يستبيحون حرمة دواويرنا وأراضينا، وشاركنا في احتجاجات بالعاصمة والدار البيضاء وأكادير، لكن الوضع بقي على حاله”، يقول أحد المتضررين في جماعة المعدر، نواحي تيزنيت.

من الجنوب والجنوب الشرقي يتحدر مئات الرعاة الرحل الذين يفدون على مناطق سوس، لا يفهمون إلا لغة البحث عن الكلأ، ولا يعيرون أدنى اهتمام لما يسببونه من أضرار وإزعاج للساكنة المحلية.

 موسم كهذا لا يخلق إلا كثيرا من الصدامات التي ما تكاد تنتهي بمنطقة حتى تندلع بأخرى، فتتدخل السلطات لاحتواء الوضع، دون أن يلمس المتضررون حلولا واقعية ومستدامة تخلصهم من تبعات الرعي الجائر والواقفين وراءه.

الفاعل الحقوقي أحمد الفشات قال إن جل مناطق سوس تعرف إنزالا مكثفا للرعاة الرحل، وخاصة في هذه الفترة من كل سنة، فـ”هؤلاء ألفوا ممارسة شتى أشكال الاعتداء المادي والمعنوي على الساكنة المغلوب على أمرها، من قبيل الهجوم على ممتلكاتها وإلحاق أضرار بأنشطتها الفلاحية المتواضعة، ناهيك عن الاعتداءات الجسدية التي تطال كل من بادر إلى حماية ممتلكاته، في تحد سافر للمنظومة القانونية التي تجرم هكذا أفعال”.

وأضاف المتحدث، ضمن تصريح لهسبريس، أنه “في ظل تراخي مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على حماية المتضررين حفاظا على النظام والأمن العامين وردعا لهؤلاء العابثين بالقانون وبمصلحة السكان وحقوقهم، فالسلطات مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإعمال القانون ورد الاعتبار لمؤسسات الدولة من خلال ردع وزجر كل من سولت له نفسه الهجوم على أملاك الغير وإلحاق أضرارا بها، وإلا فسيبقى أمام المتضررين خيار واحد لا ثاني له وهو ممارسة حق الدفاع الشرعي باللجوء إلى العنف المضاد لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من بطش الجانحين، الشيء الذي سيضع الأمن العام على المحك”.

“حق الدفاع الشرعي يدخل ضمن أسباب الإباحة والتبرير التي يقرها القانون الجنائي في مادته 124، شرط أن يتناسب الدفاع مع حجم الاعتداء دون أن يتجاوزه إلى حد الانتقام عن طريق تسميم الماشية وغير ذلك، فهذا مناف للأخلاق والقانون. فإذا كان الترحال ظاهرة قديمة تهدف بالدرجة الأولى إلى البحث عن الوسائل الضرورية لإشباع حاجيات الإنسان، فليس هناك ما يبرر اتخاذها في وقتنا الحاضر وسيلة لشرعنة الاعتداء المادي والمعنوي، لأن ثمة قوانين تجرم جميع أشكال الاعتداء التي تستبيح ممتلكات الغير”، يقول أحمد الفشات.

وعن استمرار الظاهرة رغم خوض أشكال احتجاجية وترافعية كثيرة، يرى الفشات أن عدم حل مشكل الرعاة الرحل رغم ما صاحبه من زخم نضالي، “يضع مؤسسات الدولة على المحك، باعتبارها أدوات دستورية خلقت لصون حقوق المواطنين وكرامتهم، ويجعلنا في الوقت ذاته نتساءل نحن المتضررين عن الجهات التي يستمد منها هؤلاء المعتدون قوتهم وعن حجم نفوذها، ما يجعلهم في وضعية مريحة ويجنبهم المساءلة القانونية رغم بطشهم وشراسة أفعالهم، لتظل المسؤولية بحجمها الكبير ملقاة على عاتق المؤسسات الدستورية لدفع الضرر ومحاسبة الجناة”.

وحول ما إذا كانت الساكنة مساهمة في تأجيج الظاهرة بعدم اعتمادها على أساليب وقائية كحرث الأراضي وتسييجها، رد المتحدث لهسبريس بالقول: “قد تكون قدرة السكان على الحرث ضعيفة، بالنظر إلى الوسط النائي الذي يعيشون فيه وتأثرهم بتداعيات الجفاف وارتفاع تكاليف الحرث وغياب أي تشجيع للدولة من هذا الجانب، ثم قد يكون التخوف من بطش الرعاة الرحل سببا من أسباب تراجع رغبة الحرث لدى الساكنة، لأن هؤلاء لا حدود لهجومهم ولا منطق يستندون إليه في ممارساتهم، إذا استحضرنا ما دأبوا على فعله مؤخرا من ولوج وسط الدواوير وإلحاق أضرار بليغة بأشجار الصبار والزيون والأركان دون حسيب ولا رقيب، ودون ضمير يوجه أفعالهم وممارستهم”.

hespress.com