أخذ استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية بعدا كبيرا، وربما أكبر من المتوقع، بدليل أن بعض القنوات الأجنبية نقلت مواجهات على الهواء بين يهود يرفضون تطبيع العلاقات بين البلدين، ومغاربة يدافعون عن استئناف هذه العلاقات. ورغم أن القافلة انطلقت ولا سبيل للعودة إلى الوراء، لأن أمريكا لا تلعب في مثل هذه الأمور، فإن البعض مازال يصر على استهلاك الطاقة في طرح سؤال: هل يجوز تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟ والواقع أن هذا السؤال يجب أن يطرح بشكل ملح في منطقة “جوج بغال”.. هناك يتعين طرح سؤال: متى ستطبع الجزائر علاقاتها مع المغرب، ومن ثم مع بقية دول العالم؟..

لا يوجد اليوم رئيس في الجزائر، وإذا صدقنا البلاغات الرسمية، فإن عبد المجيد تبون يقضي أطول فترة علاج في التاريخ من فيروس “كورونا” بألمانيا!.

ورغم غياب الرئيس لم تتوقف البلاغات المعادية للمغرب، وكأن كاتبا مجنونا تولى كتابة البلاغات بدل المؤسسات الجزائرية، حيث قال الجيش الجزائري، على سبيل المثال، عقب العملية التي قادتها القوات المسلحة الملكية لتأمين معبر الكركرات، إن طرد البوليساريو من المنطقة يشكل تهديدا للجزائر، ولو أنه تم بطريقة غير مباشرة، وهذه كانت افتتاحية في مجلة الجيش، يا حسرة.

لا علاقة لمنطقة الكركرات بالتراب الجزائري، ولكن الذي كتب افتتاحية للجيش، دون إذن الرئيس، تحدث عما سماه تهديدات غير مباشرة ينبغي الاستعداد لمواجهتها، وهو كلام لم تقله حتى مليشيات البوليساريو، المتورطة في خرق اتفاق وقف إطلاق النار.

ودائما، وفي غياب الرئيس تبون، اختارت الدوائر الرسمية وشبه الرسمية، في الجزائر، متابعة مسار الطائرة، التي انطلقت من تل أبيب نحو الرباط، بشكل هستيري، حيث كانت البلاغات تتهاطل لتؤكد أن الطائرة، التي تحمل جاريد كوشنير ومائير بن شباط، لم تمر فوق التراب الجزائري، وكأن الأمر يتعلق بإنجاز باهر، والحال أن الطائرة لم تكن في حاجة للمرور فوق الجزائر أصلا لتصل إلى المغرب.

في غياب الرئيس عبد المجيد تبون كلفت الأجهزة رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد ليقول إن هناك إرادة أجنبية حقيقية (يقصد المغرب) لوصول “الصهيونية” إلى حدود بلاده، داعيا الطبقة السياسية والنخب إلى التكاتف والعمل على استقرار الجزائر. وأضاف جراد أن الشعب الجزائري يريد الوحدة والاستقرار والحرية انطلاقا من “احترام الثوابت الدينية”، وهو ما يعني أن رئيس الوزراء لا يفرق بالتأكيد بين الداخل والخارج.

أي دولة هاته! وأي أخوة هاته!

كيف يمكن أن نتحدث عن علاقة جادة مع المسؤولين في هذا البلد، ونحن نقارن بين تصريحات الإسرائيلي مائير بن شباط، الذي يقول: “الله يبارك فعمر سيدي”، ولا يخفي فرحته بافتتاح مجرد مكتب اتصال لبلاده في المغرب، وبين مسؤولين جزائريين يحلمون بتقسيم المغرب، ويتدخلون في شؤونه السيادية؟ هل من العدل اتهام المغرب بتطبيع علاقاته مع إسرائيل، بينما يبذل المسؤولون الجزائريون قصارى جهدهم للحيلولة دون تطبيع العلاقات بين الشعبين الشقيقين؟ أليس من العار ومن سوء حظ الشعب الجزائري أن يبتلى بمسؤولين من هذا النوع الذي يفضل زراعة بذور الحقد بدل فتح الحدود بين البلدين؟..

ويا لها من مفارقة بين سلام يغزو العالم بكل الأديان واللغات، وحقد يروج للحرب ويأسر شعبه في الخانة الضيقة للخراب، من خلال الدعاية لتحالفات وكيانات وهمية في مهب الريح..

hespress.com