تساءلت مجلة جون أفريك عن إمكانية فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة، بعدما رصدت عددا من التغييرات التي عاشها على مدى السنوات الماضية، والتي قد يكون لها تأثير على شعبيته.
وقالت “جون أفريك” إن “حزب المصباح” دعا عام 2011 إلى التغيير، وبعد ولايتين تشريعيين، أي عقد من الزمان في السلطة، “أصبح الإسلاميون متحضرين للغاية”.
المجلة تحدثت عن “براغماتية مضمونة، قد تكلف الأصوات”، معتبرة أن “الإسلام السياسي سوف يموت”، حسب العديد من مراقبي الحياة السياسية المغربية.
وأوضحت المجلة أنه بعد مرور عشر سنوات على وصول العدالة والتنمية إلى السلطة، “الحزب الإسلامي” الوحيد المرخص له، وأقل من عام من الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في شتنبر 2021، فإنه يجب طرح التساؤل: “ماذا حدث لحزب المصباح منذ 2011 وإلى أين يتجه الآن؟”.
ونقلت المجلة تصريحات لمحمد مصباح، وهو أستاذ وباحث متخصص في الإسلام السياسي، قال فيها إن “هذا الحزب تغير تدريجياً من مشاركته الأولى في الانتخابات الوطنية عام 1997”.
من “العمل السري إلى النشاط الشرعي”، على حد تعبير العالم السياسي محمد طوزي، أصبح حزب العدالة والتنمية أخيرًا حزبًا لإدارة الشؤون العامة، محافظًا وقوميًا قويًا ذا نكهة إسلامية طفيفة، لا أكثر، وبعبارة أخرى، حزبا حكوميا.
وأشارت المجلة إلى أنه “منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، دخل حزب العدالة والتنمية في منطق التكيف الإستراتيجي، إذ اكتسبت البراغماتية والسياسة السياسية اليد العليا على الإطار المرجعي الأيديولوجي”، وأكدت أن هناك العديد من الأمثلة على هذا التحول.. “حزب العدالة والتنمية، وهو من أشد المدافعين عن التعريب، اعترف باستخدام اللغة الفرنسية في تدريس المواد العلمية.. والأكثر رمزية مثال قبول استئناف العلاقات الرسمية مع إسرائيل مؤخرًا”، قال محمد مصباح.
وتابعت المجلة: “لماذا كل هذه التنازلات؟ بادئ ذي بدء، الريع السياسي والنهوض الاجتماعي. في غضون عشر سنوات، اكتسب حزب العدالة والتنمية مكانة: 120 برلمانيًا من أصل 395، و5500 ممثل محلي منتخب من حوالي 40.000، وما لا يقل عن مائة مجلس بلدية في جميع أنحاء البلاد. أصبح مؤسسوه، ومديروه التنفيذيون، والعديد من شبابه، عادة من المعلمين وموظفي الخدمة المدنية والعمال الليبراليين، وأحيانًا المحامين، وزراء، ومستشارين في المكاتب الوزارية، ومديرين إداريين، ومسؤولين منتخبين…”.
أما بالنسبة لناخبي الحزب فقالت المجلة “إنهم في الغالب حضريون ويشكلون تلك الطبقة الوسطى الشهيرة التي تكافح الإحصائيات الرسمية لرسمها، ولكنها تدفع ضرائبها وتستهلك وتعقد قروضًا وتضحي بنفسها من أجل تعليم أطفالها”.
وحسب المصدر ذاته فإن “حزب العدالة والتنمية يخاف من رد فعل الدولة عليه”.. وقال محمد مصباح في هذا الصدد إن “جميع قراراته تتخذ على أساس تقييم المخاطر والفوائد، وهذا بلا شك هو سبب عدم دعم عبد الإله بنكيران، رئيس حكومة حزب العدالة والتنمية من 2011 إلى 2017، ونجم الحزب، حركة 20 فبراير عام 2011، عندما كانت هذه الديناميكية بالتحديد هي التي أوصلته إلى الحكومة”، وتابع: “وهذا ما يفسر على الأرجح سبب عدم تدخل سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الثانية لحزب العدالة والتنمية، في أوضاع معتقلي حراك الريف”.
وحسب “جون أفريك” فحتى في عمله الحكومي لم يحرز حزب العدالة والتنمية تقدمًا كبيرًا في قضايا العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، وهي موضوعات تضمن له مع ذلك بعضًا من نجاحه في الانتخابات، وقالت: “فشل الحزب في تخصيص الصلاحيات الممنوحة لرئيس الحكومة بموجب دستور 2011، ويفتقر إلى المهارات، خاصة في القضايا الاقتصادية؛ ناهيك عن أن جزءًا كبيرًا من الوزارات الرئيسية يفلت من سيطرته: الصناعة، الزراعة، الداخلية، على سبيل المثال لا الحصر”.
وتساءلت المجلة: “هل يمكن أن يكون أداء حزب آخر أفضل؟”. ويقول محمد مصباح بهذا الخصوص: “هذه مشكلة مرتبطة ببنية المؤسسات ذاتها، ولا علاقة لها بالفاعلين السياسيين”.
“لطالما غرس الإخوة في حزب المصباح فكرة أنه من الممكن تغيير النظام من الداخل؛ لكن النظام هو الذي غير حزب العدالة والتنمية في نهاية المطاف، مثل اليسار المغربي من قبل. ورغم كل شيء، مازال الحزب في موقف إيجابي للفوز بالانتخابات التشريعية لعام 2021″، تورد المجلة.
وفي الإطار نفسه يصر عبد الله الترابي، الصحافي في القناة الثانية والمتخصص في الإسلام السياسي، على أن “حزب العدالة والتنمية ليس قوياً، بل الأحزاب الأخرى ضعيفة”.
“في الواقع، في الوقت الحالي، مازال حزب العدالة والتنمية لا يملك معارضًا بحجمه، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنه يتمتع بشرعية شعبية حقيقية، ويمكنه التباهي بوجود حياة ديمقراطية داخله”، حسب الصحافي. لكن محمد مصباح قال: “إنه يتعرض لانخفاض تدريجي في هالته وقوته، حتى لو كنا بعيدين عن السقوط الحر”.
وفي الواقع، يرتكز ناخبو الحزب على ثلاث دوائر: النواة الصلبة، والأعضاء والمتعاطفون، ثم المحبطون الذين أجروا “تصويت العقوبات” في 2011 و2016. ويخاطر حزب العدالة والتنمية بخسارة الأصوات والائتمان في هاتين الفئتين الأخيرتين، لكن مع ذلك ينبغي أن يظل أحد أقوى الأحزاب في المغرب، وفق المصدر ذاته.
كما قالت المجلة إنه “ومع ذلك، على الصعيد الداخلي، فإن السخط يتزايد، ولا يجلب الموعد النهائي 2021 مزيدًا من الهدوء، بل على العكس: مازال حزب العدالة والتنمية يشكك في عدد المرشحين للترشح للانتخابات، ويرفض أي تعديل لنظام التصويت الحالي”.
ويعارض الحزب بشكل خاص إصلاح القاسم الانتخابي الذي يعتمد حاليًا على عدد الناخبين في حساب عدد المقاعد المخصصة لكل حزب – وهي معادلة تفيد حزب العدالة والتنمية. وهذا يثير جدلاً مع الأحزاب السياسية الأخرى التي تقترح أن تبني نفسها على عدد الناخبين المسجلين.
المجلة نقلت أيضا تصريحات لبلال تاليدي، أستاذ العلوم السياسية وعضو حزب العدالة والتنمية، الذي يستحضر وجود معسكرين: الإصلاحيون بقيادة العثماني (رئيس الحكومة والأمين العام للحزب) والمحافظون، حتى لو “قبلت الأغلبية براغماتية حزب العدالة والتنمية وتعرف ألا يمكن للحزب الدخول في صراع مفتوح مع الدولة والملكية”.