محطات ومشاهد وذكريات .. مونتيري المدينة الساحلية ذات الألف وجه

هسبريس من الرباطالثلاثاء 11 ماي 2021 – 00:00

تعد سلسلة “مدن ومطارات وموانئ” نوعا مركبا يجمع بين نوع الكتابة الصحافية وصيغة السيرة الذاتية، وكتابة استرجاعية سردية ينجزها الكاتب المغربي عبد اللطيف هِسوفْ مازجا في ذلك بين الذاكرة والخيال. من خلال حلقات هذه السلسلة، سنسافر مع منصور من مدن الأجداد (دَمْناتْ وأزيلال ومراكش)، ثم من فْضالَة وكازابلانكا، إلى باريس، والعودة عبر الجنوب الإسباني إلى طنجة العالية، ثم إلى نيويورك وفرجينيا وكاليفورنيا بأمريكا.. في رحلة سجلها حافل، بحثا عن شيء لا يعرفه مسبقا، متسلحا بحب المغامرة.

ستبدأ رحلة معاناة صامتة دامت أكثر من ثلاثين سنة أحس فيها منصور في البداية بأنه يعيش الاغتراب في بلده، الإحساس بالعنصرية بفرنسا، ثم التوهم بأنه منبوذ من الحلم الأمريكي.. رحلة عاش فيها حياة المنفى، المنفى البدني والفكري والثقافي، وسط المجتمعين الفرنسي والأمريكي.

يحاول الكاتب اختراق عوالم مصغرة، بأفراحها وأحزانها وتناقضاتها ومغامراتها وأحلامها. خليط من الشخصيات والأماكن المختلفة.. تنقل بين مدن ومطارات وموانئ.. معركة منصور لم تكن سهلة في ديار الغربة، كانت معركة ضارية بلا هوادة ودون انقطاع.

التجارب والصراعات وخيبات الأمل والإهانات نادرا ما كانت انتصارات كاملة أو أفراحا مكتملة. ومع ذلك، كان بحاجة إلى التواصل مع الآخر خوفا من الغرق في الإقصاء أو الملل. انكسارات تبدد فكرة جنة عدن، حيث يتم إعطاء كل شيء دون جهد؛ ولكن، في الوقت نفسه، فإن هذا التواجد في بلد “العم سام” يعزز صورة بلد حيث كل شيء ممكن إذا كانت لديك قوة الإرادة وكثير من الصبر.

الحلقة 27

قبل وصول المستكشفين الإسبان بوقت طويل، كانت تعيش في المنطقة قبيلة للهنود الحمر تسمى رمسان أوهلون. كانت هذه المدينة، وتعتبر عاصمة ولاية كاليفورنيا العليا، نقطة الدخول الوحيدة للسلع الخاضعة للضريبة خلال الفترتين الإسبانية والمكسيكية. وبعد الحرب المكسيكية الأمريكية، أصبحت مونتيري، مثلها مثل كل ولاية كاليفورنيا، أرضا أمريكية حوالي عام 1846. اشتهرت المدينة منذ فترة طويلة بصيد السمك الوفير حينها في خليجها. تغير الأمر في الخمسينيات، عندما انهارت شركة الصيد المحلية بسبب الصيد الجائر. على طول شريط كونوري، تم الحفاظ على بعض أكواخ الصيد القديمة- من أوائل القرن العشرين- كما كانت في الأصل. مونتيري، المعروفة كمدينة للفنون، ضمت أول مسرح في كاليفورنيا، وقد اجتذبت عددا كبيرا من التشكيليين والكتاب المشهورين منذ أواخر القرن التاسع عشر. وفيها نظم مهرجان مونتيري للجاز- الأقدم في العالم- عام 1958 للاحتفال بفنانين مثل لويس أرمسترونغ ودازي جيليسبي وبيلي هوليداي.

دخل منصور إلى فندق ستيفنسون مونتيري، الذي يقع بالقرب من الطريق السريع رقم 1. طلبت السيدة في الاستقبال بطاقة هويته وبطاقة الفيزا الائتمانية. سلمها لها مع ابتسامة خفيفة. بعد بضع دقائق، سلمته المفتاح الإلكتروني حتى دون النظر إليه. سألها كيف يصل إلى غرفته، فأشارت دون اهتمام إلى الممر على اليمين. شعر ببعض العنصرية، لكنه تجرع غضبه ولم يعلق.

كان سعيدا بالنزول في فندق يفوح منه عبق التاريخ. في عام 1879 حل روبرت لويس ستيفنسون، الكاتب الإسكتلندي الرحالة، فترة قصيرة في مونتيري. كان ستيفنسون حينها فقيرا ومريضا وغير معروف، وكان يتكفل به بعض الأصدقاء أثناء مغازلته زوجة المستقبل، فاني أوزبورن. عاش ستيفنسون في الفندق الفرنسي حيث كتب “عاصمة المحيط الهادئ القديمة”. ويقع هذا الفندق، المعروف الآن باسم بيت ستيفنسون، في 530 شارع هوستون، ويتميز بضمه بعض أغراض كانت ذات يوم ملكا لهذا الكاتب الشهير.

ومع ذلك، إذا كان يجب أن ترتبط مونتيري بكاتب ما، فسيكون هذا الكاتب هو جون ستاينبك المميز، الذي ما زالت روحه حتى اليوم تحوم حول المدينة والمناطق المجاورة. وفي الواقع، تمتلئ قصص ستاينبك جميعها تقريباً بنكهات ملح شواطئ مونتيري، قصص مطرزة بحكايات يوميات عمال تعليب السردين والمشردين المتسكعين بدروب المدينة. ”ليس من حظ كل الناس الولادة في ساليناس”، كتب ستاينبك ذات مرة. ساليناس واحدة من مناطق مونتيري، حيث ولد الكاتب عام 1902، وعاش حتى رحلته إلى ستانفورد لإنهاء دراسته الجامعية. حتى يومنا هذا، لا يزال ستاينبك واحداً من أشهر الكتاب الأمريكيين وأكثرهم إجلالا وتقديراً. فاز بجائزة بوليتزر عن روايته “عناقيد الغضب” عام 1939، التي تسلط الضوء على الظروف المعيشية للمزارعين المهاجرين في وادي ساليناس، وتستمر هذه الرواية حتى يومنا هذا في إثارة الجدل حول مشكلة الهجرة في أمريكا. كما حصل ستاينبك على جائزة نوبل للآداب عام 1962 اعترافا له بكل روائعه. وقد تم تصوير العديد من رواياته سينمائيا في هوليوود، بما في ذلك شريط كونوري (1945)، واللؤلؤة (1947)، وشرق عدن (1955).

من يستطيع أن يقدم أفضل؟

فندق ستيفنسون مونتيري كاليفورنيا مونتيري

hespress.com