الأحد 31 يناير 2021 – 23:27
أخطر أنواع الحرب هي الحرب الإعلامية، بل إن من يمتلك الإعلام على مستوى العالم هو الذي يمتلك السلطة الشاملة للسيطرة على العقول، وممارسة نفوذه الأدبي، بغض النظر عن السلطة التي تحكمهم، ألم يتحول التواصل الاجتماعي، وهو وسيلة من وسائل الإعلام والتواصل، التي لها رئيس تحريرها ومديرها المسؤول الذي لا نراه، إلى سلطة للتحكم في الشارع في بعض البلدان؟..
الإعلام أنواع، وأخطر أنواع الإعلام هو الإعلام الحربي.. وقد ارتمت عدة مواقع مغربية مغمورة، مؤخرا، في حضن إعلام العدو، وقامت بالدعاية لحرب وهمية في الكركرات، ورددت عدة مقالات بشكل ساذج أخبارا عن قصف وهمي لـ”بوابة إفريقيا”، التي قام الجيش الملكي بتأمينها من طرف جبهة البوليساريو، وقد كان الهدف هو محاولة إظهار المنطقة كـ”منطقة حرب”، وكذا زعزعة ثقة المستثمرين والتجار في المنطقة..
يمكن لخصوم المغرب أن ينشروا ما يخدم مصلحتهم من أخبار وإشاعات، لكن أن يساهم بعض الإعلام الوطني في ترويج حماقات البوليساريو والجزائر، اللتين تنشران بشكل مجنون منذ مدة فيديوهات لمعارك وهمية في الصحراء، فالأمر يستحق أكثر من وقفة تأمل، لأن الأمر لا يخرج عن أحد أمرين: إما أنه إعلام مخترق أو إعلام شارد يسيء تقدير اللحظة..
أعطني إعلاما بلا ضمير، أعطيك شعبا بلا وعي.. اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، وكلما كبرت الكذبة كان تصديقها أسهل.. هكذا كان يفكر رجل الدعاية النازية الأول جوزيف كوبلز، الذي جعل العالم يؤمن بشخص هتلر. وربما لم يجُد التاريخ إلى حدود اليوم برجل مثله يملك موهبة التلاعب بالعقول بالاعتماد على الدعاية الخادعة. لكن مثل هذا الأسلوب لا يزال العمل به جاريا إلى اليوم، ولا شك أن اللعبة تنجح بشكل أكبر في مجتمعات مستعدة لتصديق أي شيء، وبوجود وسائل نشر سائبة تنشر أي شيء..
بالنسبة لنا في المغرب، ورغم عدالة كل القضايا، لا يمكن القول إننا في مأمن من ضربات إعلامية تحت الحزام، في ظل انتشار ثقافة “إعادة تدوير الإشاعات” بسرعة في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر مواقع لا تخضع لأي سلطة.. فما معنى أن تردد وسائل إعلام مغربية نفس الكلام الذي ردده خصوم المغرب، مؤخرا، حول ما سموه “اختفاء قرار ترامب حول مغربية الصحراء” من الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض؟.. والواقع أن القرار لم يختف، وإنما تم نقله فقط إلى تبويب جديد، مرتبط بترتيب البوابة الإلكترونية بين الرئيس السابق دونالد ترامب، والرئيس الحالي جو بايدن، ولكن الكارثة الإعلامية كانت عند البعض هي اعتبار ذلك “تراجعا” عن الموقف الأمريكي إزاء الصحراء.. هذا ما ردده خصوم المغرب، وهذا ما تردد في بعض المواقع بدون تمحيص..
الصحافة اليوم ليست حتما مجرد أبواق لترديد منتوجات دعائية، بل هي الحصن الدفاعي الأول لحماية الوطن والمواطنين من مخاطر الدعاية الكاذبة التي تهدد الاستقرار، لا سيما فيما يتعلق بالأخبار الاستراتيجية والأمنية والعسكرية، ولا يجب أن ننسى أن معركة تطوير الإعلام المغربي ما زالت في بدايتها وتستحق مجهودا أكبر من لدن المهنيين ومن لدن الدولة، في ظل عدم امتلاك بلادنا ترسانة إعلامية قوية..
وسواء تعلق الأمر بالتلفزيون أو الراديو أو الجرائد أو المواقع الإلكترونية أو تطبيقات التواصل الاجتماعي، فالمواطن يجب أن لا يكون كائنا مستهلكا فقط، بل يجب عليه أيضا أن يمتلك القدرة على التمييز بين أنواع المنتوجات الإعلامية، تماما كما يفعل عندما يشترط الجودة لشراء المستلزمات الضرورية للحياة اليومية. إنها مسؤولية مشتركة بين منتج مفترض ومستهلك مفترض، ولكن من شروط الاستهلاك أن لا يؤدي إلى الهلاك.