لقد أصبح مطرحا عشوائيا، ومصدرا لانبعاث روائح كريهة وغازات تسببت لأغلب سكان الدواوير المتاخمة له في أمراض كثيرة، وعصارة “الليكسيفيا” لم تسلم منها عشرات الحقول الزراعة بجماعة المنابهة، التي تبعد بـ35 كلم عن مدينة مراكش.. بهذه الكلمات وصفت مجموعة من سكان دواوير الجماعة القروية المنابهة المركز الجديد لفرز وتثمين النفايات المنزلية، الذي تسلمته مؤسسة التعاون بين جماعات “مراكش الكبرى”، خلال شهر يناير 2020، من المجلس الجماعي لمراكش.

هذا المركز، الذي يمتد على مساحة تناهز 182 هكتارا، أضحى منظرا “لا يسر مطلقا أي مواطن”، يقول محمد الحركي، رئيس جمعية “التنمية المستدامة” بدوار الحركات، وآثار الحسرة بادية على محياه، قبل أن يضيف “هذه إساءة إلى قبيلة المنابهة، إحدى بطون عرب بني معقل، التي ضحت من أجل الوطن منذ العهد الموحدي”.

وتابع الحركي، في تصريح لهسبريس بالقرب من هذا المطرح، قائلا: “لقد ظلت المخاطر تهدد صحة المواطنين، خاصة الأطفال والنساء الحوامل والكهول، إلى يومنا هذا، رغم ما تم الترويج له خلال تدشين المطرح، من قبيل: حماية البيئة، والحد من الانبعاثات الغازية، وتشجيع الاقتصاد الأخضر الدائري، والانسجام مع البرنامج الوطني للنفايات المنزلية”.

وأمام مشهد جبل من النفايات الصلبة، صب المتحدث نفسه جام غضبه على من كان السبب في جعل المكان مطرحا للنفايات في أول الأمر، مشيرا إلى معاناة 32 دوارا من الانتشار المهول للكلاب الضالة، وغزو البلاستيك للحقول الفلاحية البورية، والغطاء النباتي عموما.

“هذا المطرح لا نسعى إلى إزالته من منطقتنا”، يؤكد الحركي، الذي طالب باحترام دفتر التحملات، وتوفير فرص العمل للشباب، والعناية بالجانب الاجتماعي للدواوير المتضررة مثل أولاد الشيخ وأولاد نجيم والخويمات والصفصافة والجبالة ونوهة العقارب والغريب ومريس الرماد والحبيشات.

من جهته، شبه عبد الرحمن بلبشير، نائب رئيس جمعية “الرحمة” بدوار نزالة أحمد لفضيل، الذي أصيب ابنه بأمراض “الحكة” و”الكزيمة” و”الجربة”، هذا المركز بـ”مطرح حربيل”، مضيفا أن “عصارة “الليكسيفيا”، التي من المفروض أن تجمع في صهاريج، غزت أكثر من 10 دواوير”.

كما شبه بلبشير الحياة بالقرب من هذا المطرح بالموت البطيء. وأضاف “ابني إسماعيل نموذج لأكثر من 14 طفلا عانوا من أمراض مستشرية بسبب السموم التي ينفثها، ومنا من أجرى عمليات جراحية على عينيه بسبب ذلك”.

“كل الوعود تبخرت بعد افتتاح المركز الجديد لفرز الأزبال خلال يناير 2019، فأصبح فضاء المنابهة مجالا للطيور المفترسة والروائح الكريهة والحشرات السامة، والأرض يكسوها السواد في فصل الربيع”، يتابع بلبشير، الذي حمل مسؤولية انتشار الأمراض الجلدية للمشرفين على المطرح الجهوي.

“لقد طرقنا أبواب كل الجهات المسؤولة لنعرض ما نشكو منه، ولا مجيب”، يحكي خالد من ساكنة جماعة المنابهة، قبل أن يضيف “وهذا ما دفعنا إلى أخذ عينات، بحضور مفوض قضائي، من عصارة “الليكسيفيا” التي تسربت من الصهاريج، وبلغت إقليم الرحامنة إلى مختبر أكد تهديد هذه العصارة للفرشة المائية”.

وأجمع الذين حضروا لحظة زيارة هسبريس لهذا المركز على أن الروائح الكريهة تشتد خلال فصل الصيف، مشيرين إلى عزم بعض سكان الدواوير رفع شكواهم إلى ملك البلاد، بعدما أغلقت في وجوههم كل الأبواب.

بالمقابل، أوضح مصدر مسؤول من الشركة المكلفة بتدبير هذا المركز أن “الرائحة المنبعثة من المطرح طبيعية في جميع مطارح العالم، ونحن نعمل على قدم وساق للتخفيف منها عبر معالجة الصهاريج الخاصة بعصارة الأزبال (الليكسيفيا)، للاستفادة منها في السقي ولم لا مشاركة المياه المعالجة مع فلاحي المنطقة”.

وتابع المسؤول ذاته، في تصريح لهسبريس، قائلا: “نحترم جميع المعايير البيئية المعمول بها في هذا المجال بإجراء تحاليل دورية وتحصين الفرشة المائية من أي تسربات”.

وأضاف أن “مركز معالجة وتثمين النفايات خلق مناصب شغل قارة للساكنة المحلية، ويشغل حاليا حوالي 30 شخصا من أبناء الدواوير المجاورة، وعدد اليد العاملة قابلة للارتفاع مستقبلا مع تشغيل معدات أخرى بالمركز، إذ سيتجاوز ذلك 100 منصب شغل قار”.

وأبرز أن المركز سيتمكن من تقليص حجم النفايات المطمورة بالمطرح المراقب، وتثمين 29 بالمائة من النفايات المنزلية والمماثلة لها، مشيرا إلى أن إعادة التدوير ستشمل عدة مواد كالحديد والزجاج والألمنيوم والبلاستيك والورق، وأنه سيتم إنتاج السماد العضوي والوقود البديل لمعامل الإسمنت.

من جهته، أوضح عبد الرزاق أحلوش، رئيس مؤسسة “التعاون بين الجماعات”، أن مركز الفرز وتثمين النفايات المنزلية والمماثلة لها بمراكش تم إنجازه بدعم مالي من قبل كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة باستثمار بلغ 131 مليون درهم، ضمنه 60 مليون درهم لاستكمال المرحلة الأولى من المركز، و30 مليون درهم بالنسبة لوحدة الفرز.

وخلال لقاء مع هسبريس، اعترف المسؤول ذاته بانتشار الروائح الكريهة، مشيرا إلى أن الشركة المكلفة بتدبير هذا المركز، الذي يستقبل حوالي 900 طن من النفايات يوميا، لم تتوصل بمستحقاتها المالية لمدة سنة. وأضاف “حاليا مكناها من جزء كبير من المبالغ المستحقة على مؤسسة التعاون بين الجماعات”.

ونفى أحلوش تسرب عصارة النفايات الصلبة خارج الأحواض، مضيفا أن الحادثة التي وقعت مؤخرا كانت بسبب الأمطار القوية التي عرفتها المنطقة، والتي تزامنت مع أشغال تهم الأحواض والصهاريج، فتسربت المياه خارج المركز، نافيا أن يكون ما تسرب من مادة “الليكسيفيا” السامة.

ووعد رئيس مؤسسة “التعاون بين الجماعات” بالعمل على تنمية الدواوير المتضررة حالما تتوصل المؤسسة بالمبالغ المستحقة على الجماعات التي تنقل نفاياتها الصلبة إلى هذا المركز، الذي تنص اتفاقية استغلاله على تدبير وطمر وتثمين النفايات المنزلية والمماثلة لها لمدة تفوق 20 سنة.

وأوضح حلوش أن هذا المركز مجهز بمركز الطمر والتثمين وبمحطة لمعالجة عصارة النفايات عبر عدة مستويات، من قبيل المعالجة البيولوجية، والمعالجة الكيميائية، والتصفية، وتقنية التناضح العكسي (osmose inverse).

يذكر أن جماعة مراكش شرعت منذ 18 فبراير 2015 في إنجاز واستغلال مركز طمر وتثمين النفايات المنزلية والمماثلة لها. ويتم تدبير هذا المركز في إطار صفقة للتدبير المفوض مبرمة مع شركة “إيكوميد مراكش”.

وساهمت الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة في تهييئ هذا المركز وفقا للمعايير البيئية؛ بإنجاز الحوض الأول لطمر النفايات، وحوضين لمعالجة عصارة النفايات، مع تزويد هذه الأحواض بطبقات عازلة تحول دون تسرب العصارة إلى الفرشة المائية. كما تم تجهيز المركز بشبكة من القنوات من أجل تجميع عصارة النفايات وطرحها في أحواض من أجل المعالجة.

وحسب دفتر التحملات، سيمكن هذا المشروع الرائد، الذي يعد الأكبر من نوعه في مجال تدبير النفايات المنزلية على الصعيد الوطني، من تحقيق نقلة نوعية للمدينة، وسيكون له أثر كبير في المحافظة على البيئة وتحسين عيش الساكنة.

hespress.com