يتذكر سعد بولص قرياقوز، اللاجئ العراقي المسيحي في الأردن منذ أكثر من ثلاثة أعوام، بمرارة وحزن أيام أعياد الميلاد عندما كان في بلدته برطلة المسيحية في سهل نينوى شمال العراق، قبل أن يفر منها إثر اجتياحها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية صيف 2014.

يقول قرياقوز، مهندس الكهرباء، من شقته الصغيرة المتواضعة في ماركا، أحد أحياء عمّان الشرقية المكتظة بالسكان، وهو محاط بزوجته واثنين من أبنائه الثلاثة: “عندما كنا في بلدتنا كانت أعياد الميلاد جميلة تستمر شهرا كاملا”.

ويضيف المتحدث ذاته: “كنا نضع شجرة ميلاد كبيرة على ارتفاع 15 مترا في ساحة قريبة من كنيستنا ونزينها ونجتمع حولها كل يوم لنقيم الصلوات والتراتيل والأحاديث الجميلة مع أهلنا وأصدقائنا”، ويتابع بحزن وهو ينظر إلى شجرة الميلاد في شقته: “كانت حياتنا جميلة، كنا سعداء نذهب إلى أعمالنا و(يذهب) أطفالنا إلى مدارسهم، قبل أن يحتل التنظيم بلدتنا ويدمر كل شيء وتتغير حياتنا للأبد”.

وفر قرياقوز وزوجته وأبناؤه الثلاثة بداية إلى أربيل في إقليم كردستان، حيث استأجر منزلا من غرفتين مع عشرة أشخاص آخرين من أقاربه، وظل هناك؛ وعندما تحررت بلدته في نهاية 2016 توجه إليها بمفرده فوجد منزله وكل شيء في بلدته مدمرا، فصدم وقرر المجيء إلى الأردن في ربيع 2017.

ويقول اللاجئ ذاته: “الخيار الأمثل كان الهروب والبحث عن مكان آمن لعائلتي”، وزاد موضحا: “قدمنا أربعة طلبات لجوء إلى أستراليا حتى الآن رفضت جميعها رغم أننا نتحدث الإنجليزية ولنا العديد من الأقارب هناك”.

ويشهد الأردن موجات لجوء من العراق منذ ثلاثين عاما، أي بعد حرب الخليج (1990-1991) ثم الغزو الأميركي للعراق ربيع 2003، فسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق واسعة شمال البلاد بدءا من صيف 2014.

وأغلب اللاجئين يتخذون من الأردن الذي لا تسمح قوانينه لهم بالعمل نقطة عبور في انتظار لجوء إلى دولة ثالثة.

ويقول إميل سعيد (53 عاما) وهو أيضا أب لثلاثة أطفال فر من بلدته شيخان شمال الموصل صيف 2014: “العراق لم يعد مكانا آمنا ولا أرى فيه مستقبلا لأطفالي. نريد بلدا مستقرا تضمن فيه حقوقنا ونعيش فيه بأمان”.

ويضيف الرجل الذي توجه أولا إلى دهوك في كردستان قبل أن يقرر المجيء إلى الأردن في غشت 2017: “لكن الحياة هنا صعبة جدا وغالية وغالبيتنا بدون عمل، فليس مسموح لنا أن نعمل والمساعدات قليلة جدا”.

ويتابع إميل وهو يحتضن اثنين من أبنائه الصغار بأنه ينتظر حال آلاف العراقيين اللجوء إلى بلد ثالث، ويقول: “أخي وأختي يعيشان في الولايات المتحدة.. قدمنا طلب لجوء إلى هناك من خلال مفوضية الأمم المتحدة ومازلنا ننتظر”.

ويضيف المتحدث وهو ينظر إلى شجرة عيد الميلاد التي وضعت وسط غرفة صغيرة: “هنا أعياد الميلاد حزينة تختلف عنها في العراق حيث كنا نأكل ونشرب ما لذ وطاب (…) هنا نحن وحدنا لا يزورنا أحد ونحن أيضا لا نذهب عند أحد وأغلبنا بحاجة وعوز ولا نريد أن نسبب إحراجا للآخرين”.

ويقول الأب خليل جعار، راعي كنيسة العذراء أم الكنيسة، الذي كان أول من استقبل اللاجئين العراقيين وفتح لأطفالهم مدرسة مسائية وعيادة طبية وورشة خياطة وكومبيوتر داخل حرم كنيسته: “مازالت هناك 500 عائلة مسيحية عراقية تنتظر منذ 2014 إلى غاية اليوم الحصول على فرصة اللجوء إلى أي بلد ثان”.

ويضيف الأب بوجه بشوش وصوت هادئ: “للأسف عندما نخاطب المنظمات الخيرية العالمية والمحلية تقول لنا إن الحرب انتهت في العراق، ويجب أن يعود هؤلاء إلى بلدهم”، وتابع بنبرة حزينة: “صحيح الحرب انتهت، ولكنها دمرت بلدهم وبيوتهم.. أملاكم استبيحت، لم يتبق لهم شيء هناك كي يعودوا، يريدون مستقبلا أحسن لأبنائهم”.

يخرج الأب جعار الذي يقول إنه ساعد نحو 2500 عائلة ومازال يحتفظ بنسخ من طلبات لجوئها كوبونات من درجه، ويقول: “سنوزعها على العائلات لتشتري بها ملابس لأطفالها (…) يجب أن يفرح الأطفال الذين لا ذنب لهم في كل ما يجري”.

كما قال الأب جعار، الذي يؤكد أنه خطف لمدة أسبوع في العراق في 2006 عندما ذهب إلى هناك لإحضار طفلين مريضين لتتم معالجتهما في عمان، إن هذه المساعدات تأتي من أشخاص ميسورين أغلبهم من العراقيين.

ويوجد في الأردن أكثر من 66 ألف لاجئ عراقي، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، موزعين على عدة مناطق، لكن أغلبهم يعيشون في العاصمة. ولا يتلقى هؤلاء أي مساعدة من الحكومة العراقية، ولا تسمح القوانين الأردنية لهم بالعمل، وبالتالي فهم يعيشون في أوضاع حياتية صعبة.

ويقول مدير منظمة كاريتاس وائل سليمان، الذي يقدر أعداد اللاجئين المسيحيين العراقيين في الأردن بين 12 و18 ألفا، لوكالة فرانس برس، إنه “منذ عام 1990 والمنظمة ملتزمة بمساعدة اللاجئين العراقيين في الأردن، خصوصا في مجالي الصحة والتعليم”، وأضاف: “لكن للأسف كاريتاس لا تستطيع مساعدة جميع اللاجئين.. برامجنا تغطي نحو عشرة بالمائة من اللاجئين العراقيين في الأردن”، وخلص: “على المستوى العالمي يعتقد العالم أن مشاكل العراقيين انتهت، ويجب عليهم العودة والعيش في العراق”.

وتقول الأرملة داليا يوسف (42 عاما) التي قتل زوجها عندما كانت حاملا بطفلها في 1997: “لم أر من بلدي العراق أي خير، حياتنا كلها كانت مأساة في مأساة”.

وأضافت داليا التي ستسافر قريبا إلى أستراليا بعد وافقوا على منحها وأبنها اللجوء بعد خمس سنوات من الانتظار: “كل ما نريده هو الوصول إلى وجهتنا في أسرع وقت ممكن”.

hespress.com