مصطلحات “مُؤدلجة” تحمل هواجس مشرقية يتم ترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع في الأيام الأخيرة، على خلفية الاتفاق المغربي-الإسرائيلي-الأمريكي بخصوص استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب.
ولعلّ المصطلح البارز المتداول بكثرة في “الحرب الإلكترونية” ضد المغرب هو “التطبيع”، حيث يتّهم نشطاء الدوائر الرسمية بأنها “طبّعت” العلاقات السياسية مع إسرائيل، مستلهمين النموذجين الأردني والمصري في بناء الموقف الذي يُحاججون من أجل الدفاع عنه.
وبرزت مصطلحات أخرى في الشبكات الاجتماعية، وهي “الخيانة” و”مقايضة” القضية الفلسطينية بقضية الصحراء المغربية، في وقت أورد بلاغ الديوان الملكي أن العاهل متمسّك بحل الدولتين، على أساس الالتزام الدائم بالدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة.
ولم “تُطبّع” الرباط مع تل أبيب وفقاً للمفهوم “المؤدلج” المتداول، مثلما يشير إلى ذلك كثير من الأساتذة في مجال العلوم السياسية، بل عادت العلاقات الدبلوماسية إلى ما كانت عليه قبل 2002، لأن التواصل بين البلدين كان قائما بشكل “طبيعي” منذ ستينيات القرن الماضي ولو بصفة غير رسمية.
ونبّه ناصر بوريطة، المشرف على الجهاز الدبلوماسي المغربي، إلى الخصوصية المغربية في التعامل مع إسرائيل بخلاف الدول المشرقية، خلال مقابلات صحافية سابقة، بالنظر إلى وجود جالية يهودية مغربية مليونية بإسرائيل، فضلا عن سهر الملك على ترميم المقابر والكنائس والمعابد اليهودية منذ سنين بوصفه أميرًا للمؤمنين.
ودافع كثيرٌ من “علماء السياسة” عن القرار الملكي استناداً إلى “الواقعية السياسية” التي تسم العلاقات الدولية، بالنظر إلى تركيزها على الحقائق الملموسة في تحليل الأحداث، لاسيما أن الساحة الإقليمية باتت ملتهبة بسبب نزاع الصحراء، وتتجه نحو التصعيد مستقبلا.
وفي هذا الإطار، قال سعيد الكحل، الباحث المغربي في الشأن الديني، إنه “في كل مناسبة أو محطة يُثبت أتباع التيار الإسلامي بالمغرب أنهم ضحايا الاغتراب والاستلاب، والتشبع بما يفرزه تنظيم الإخوان المسلمين والتيار السلفي المتطرف في المشرق من إيديولوجيا ومفاهيم تجعل إسلاميي وسلفيي المغرب منفصلين عن واقع الشعب، تاريخيا وسياسيا وفقهيا وجغرافيا، وحتى ثقافيا”.
وأضاف الكحل، في حديث مع هسبريس، أن “المحطة التاريخية الهامة التي يدخلها المغرب بعد إقرار أمريكا سيادته على أقاليمه الصحراوية، وإعادة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، تكشف عن معالم هذا الاستلاب والاغتراب لدى الإسلاميين”، ومضى شارحا: “يستوردون نفس المفاهيم والعبارات المستعملة لدى فصائل التيارين الإسلامي والسلفي المتطرف في المشرق؛ مثل ‘التطبيع’، و’الخيانة’، و’الطعن’ و’الغدر’، و’التآمر’ و’المؤامرة’، و’المقايضة’، وغيرها، ثم يقسطونها على قرار المغرب استئناف العلاقة مع إسرائيل التي كانت قائمة لاعتبارات كثيرة، تأتي في مقدمتها مصالح المغرب ومصالح اليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل الذين يتجاوز عددهم مليون نسمة”.
وأشار الباحث المتخصص في قضايا الإسلام السياسي إلى الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، شمعون بيريز، إلى المغرب في يوليوز 1986، واجتماع وزير الخارجية الإسرائيلي، سيلفان شالوم، بالملك محمد السادس في المغرب عام 2003، وكذا حضور عامير بيريز، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، إلى مجلس المستشارين سنة 2017 للمشاركة في المناظرة البرلمانية الدولية حول موضوع “تسهيل التجارة والاستثمارات في المنطقة المتوسطية وإفريقيا”.
وأورد المتحدث ذاته أن العلاقة بين المغرب وإسرائيل لم تنقطع؛ وهذا ما أعاد التذكير به وزير الخارجية للصحيفة الإسرائيلية “يديعوت أحرنوت”، عندما قال: “من وجهة نظرنا، نحن لا نتحدث عن تطبيع لأن العلاقات كانت أصلاً طبيعية، نحن نتحدث عن استئناف للعلاقات بين البلدين كما كانت سابقاً، لأن العلاقة كانت قائمة دائماً.. لم تتوقف أبداً”.
وأبرز الباحث ذاته أن “هذه المعطيات يتجاهلها الإسلاميون لأنها لا تخدم متاجرتهم بالقضية الفلسطينية التي حولوها إلى أصل تجاري يحققون به المكاسب السياسية (الأصوات الانتخابية)، والمادية (ملايين الدولارات على شكل تبرعات ومساعدات يحصلون عليها سنويا )؛ فالمغرب، تاريخيا، مشهود له بالدفاع عن القضية الفلسطينية، ومشاركته العسكرية في حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل خير دليل”.
وخلص المصدر عينه إلى أن “ما ينبغي على الإسلاميين إدراكه هو أن المغرب كان وسيظل داعما للصمود الفلسطيني وحاميا للهوية الفلسطينية ضد التهويد؛ ولعل جهوده على رأس لجنة القدس خير شاهد؛ فيما الأطراف التي تتاجر بالقضية الفلسطينية تتنصل من كل دعم، وحين تقدمه فيكون بشروط تؤجج الاحتراب والتطاحن الداخلي بين الفصائل الفلسطينية”.