الأربعاء 01 يوليوز 2020 – 06:00
تخفي مرتفعات إغيل نومڭون بإقليم تنغير خلفها مجموعة من الأسرار، وتحتفظ لها بكنوز سياحية يعتبر بعضها من أخطر وأجمل المناطق الطبيعية التي تستهوي السياح والمغامرين من المغرب وخارجه. ولعل أشهر هذه المواقع السياحية التي تجمع بين جمال الطبيعة وخطورتها في الآن نفسه مضيق أشعبو، الذي تنتشر على طوله العيون المتفجرة ماء زلالا، صافيا يروي العطشى ويسقي الحقول، كعيون أفسفاس وعيون أفلفال أين تلفظ جبال إمڭون سائلها الحيوي العذب ليمنح الحياة لآلاف البشر والحيوان والطير والشجر المختلفة أنواعه والمصطف بعضه وراء بعض كصفحات كتاب تبحث عمن يقرؤها ويسبر أغوارها.
يقع مضيق أشعبو في عالية وادي مڭون على بعد حوالي 60 كيلومترا إلى الشمال من قلعة مڭونة في اتجاه إقليم أزيلال، وتحديدا بين بلدتي تيغانمين وتغزوت التابعتين لجماعة إغيل نومكون، ويعتبر من الوجهات السياحية التي تجذب محبي المغامرة وعشاق السياحة الجبلية من مختلف الجنسيات الهاربين من صخب المدن وجلبتها، اللاجئين إلى المناطق الوعرة وخشونتها طلبا للهدوء والراحة والتحدي.
مضيق أشعبو، أو” تين ووتشي”، كما يسميه أهل المنطقة، وتعني وقت صلاة المغرب، ملمحين إلى الظلمة التي يعرفها على طول اليوم لأن الشمس لا تصله ومع ذلك تظل الرؤية فيه واضحة طيلة النهار، تماما كما تكون عليه الحال بعيد الغروب، عبارة عن معبر ضيق يشكل جزءا من عدة خوانق ومنعرجات طبيعية تمتد لأكثر من ستة كيلومترات، ما يبوئها الريادة كأطول المضايق في الجنوب الشرقي إن لم نقل في المغرب؛ ففي هذا المكان بالضبط المعروف بـ”تين ووتشي” يشتد ضيق هذه الخوانق إلى ثلاثة أمتار أو أقل على طول حوالي ثلاثين مترا.
كان أشعبو ومازال ممرا إجباريا للكثير من سكان المنطقة الراغبين في السفر من قلعة مڭونة ونواحيها إلى أيت بوڭماز وأوزيغمت أو العكس، إما مترجلين أو مستعملين سفن الجبل(البغال)، وهكذا ونظرا لأهميته التجارية وتفاديا لخطر الفيضانات التي توقف الحركة بتلك الربوع لأيام، فقد أبدع هؤلاء السكان في بناء طريق معلقة شبيهة إلى حد كبير بطرق جبال الهمالايا المعلقة والخطيرة تعرف باسم “أسدرم”، تجنبهم ولو قليلا قطع مسافات طويلة وسط تلك الخوانق، دون أن يعني ذلك إعفاءهم النهائي من “معبر الموت” الذي لا مفر منه بالنسبة للمتسوقين والتجار باعتباره أخصر الطرق بين المجال المڭوني وجاره البوڭمازي.
تزداد خطورة مضيق أشعبو في حالات الفيض التي تحدث في الغالب في شهر غشت، حيث يكون الجو متقلبا وتنجم عن ذلك أمطار فجائية في العالية تنفجر بها السماء على تلك الصخور الصلدة، فتتحول في رمشة عين إلى سيل جارف يأتي على الأخضر واليابس، الجامد والمتحرك، قالبا عالي كل شيء سافله، فتصبح فرصة النجاة والفرار من الموت في هذا “المضيق الضيق جدا” منعدمة تماما، ويصير “الداخل إليه مفقودا والخارج منه مولودا”، خاصة أن الجو قد يكون صحوا في السافلة فيحسب المرء أن الشيء نفسه حاصل في العالية، في حين أنها تعرف تساقطات غزيرة.
رغم خطورته، إلا أن أشعبو -كما أسلفنا- يعد واحدا من المواقع السياحية التي لا تخطئها أقدام الزائرين لتلك الربوع، ممن يصدق عليهم قولنا “كل خطير مرغوب”، لذلك تجد الشركات السياحية المتخصصة في السياحة الجبلية تدرجه كمحطة رئيسية ضمن برامج رحلاتها.
مضيق أشعبو، الذي يمكن تسميته مضيق أو “معبر الموت” كما وصفته مجلة العربي الكويتية في عددها 694 الصادر في شتنبر 2016، عرف أحداثا مأسوية كان ضحيتها سكان محليون أو سياح أجانب حاصرتهم أو جرفتهم مياه الفيضانات مع ما تجرف، وآخر ضحايا هذا المضيق سياح فرنسيون وسويسريون حوصروا عند مدخله لساعات في نونبر من 2014 قبل أن تحل طائرة هيلكوبتر لإنقاذهم، ولحسن حظهم أن المياه داهمتهم قبل ولوجهم أشعبو وإلا لماتوا بالجملة.
من أشهر الأحداث المؤلمة التي كان أشعبو مسرحا لها، والتي مازالت الذاكرة الجماعية لسكان إغيل نومكون عامة وسكان أيت مراو وأڭرزكا خاصة، وحتى ساكنة أيت بوڭماز، موشومة بها، حادثة موت عنصرين مرافقين لموكب مخزني رفيع المستوى كان في زيارة سياحية إلى المنطقة بداية التسعينيات، وهي الحادثة التي تعرف عند أهالي المنطقة بـ”أسكاس ن بوشنتوف” أي “عام بوشنتوف”، في إشارة منهم إلى من يصفونه بـ”الوزير بوشنتوف”، الذي كان يترأس هذا الموكب الهام والمحتمل أن يكون هو الراحل بليوط بوشنتوف عمدة الدار البيضاء في ذلك الوقت، ورجل الأعمال المعروف وأحد مؤسسي حزب الحمامة، أو ابنه خالد بوشنتوف، أحد أصهار الملك الراحل الحسن الثاني.
وما يرجح الاحتمال الثاني أن بعض الروايات الشفوية المتداولة في المنطقة تجمع على أن إحدى الأميرات حاضرة ضمن تلك القافلة السياحية دون أن تحدد اسمها. وقد يكون خبر هذا الحضور زائفا من الأساس وليس سوى شكل من أشكال الزيادة والمبالغة التي تحصل في رواية مثل هذه الأحداث؛ بل إن هناك من يزعم أن المرحوم الحسن الثاني نفسه كان حاضرا في ذلك الموكب متخفيا!.
ولقطع الشك باليقين في ما يتعلق بحضور الحسن الثاني من عدمه، انتقلنا إلى دوار إسومار للقاء إبراهيم أيت يوسف من مواليد 1952، وأحد الذين كلفوا بمرافقة وخدمة “الوفد الوزاري”، فأكد لنا أن هذه الرواية (رواية حضور المرحوم الحسن الثاني) عارية عن الصحة، وأن أصحابها ممن يحبون التضخيم، إما ممن لا شغل لهم يشغلون به أنفسهم أو من المهووسين بالتهويل وإضفاء طابع التشويق وحتى الغرائبية على رواية الأحداث، وإما عن حسن نية بالنظر إلى الاستعدادات وحالة التأهب القصوى التي سبقت تلك الزيارة والاستقبال الحافل الذي خص به هذا الوفد في بوتغرار، حيث أقيمت رقصات أحيدوس وألعاب الفروسية لأول مرة في تاريخ المنطقة، ما يجعلك تحسب أن العائلة الملكية كلها ستحل بها.
وفي جانب آخر، تجد رواية حضور الراحل الحسن الثاني رحمه الله في هذه الزيارة، حتى وإن كانت كاذبة، تفسيرا آخر لها يجعلها مقبولة إلى حد ما، بالنظر إلى التوجه العام الذي كان سائدا بين المغاربة آنذاك؛ حيث كانت تكثر القصص والروايات عن تجوله متخفيا للاطلاع على أحوال شعبه من جهة، ومعرفة رأيه فيه من جهة ثانية، فكم من سائق طاكسي زعم أن الحسن الثاني ركب إلى جانبه قبل أن ينزع عنه القناع الذي يرتديه ويكشف عن هويته الحقيقية واعدا إياه بتحقيق كل ما يطلبه منه بعدما سمع منه ما يرضيه، وكم من تاجر ادعى أنه زاره خفية وسأله عن الأسعار وكم من إمام قال إنه صلى خلفه قبل أن يكشف له عن هويته، وكم من مسؤول زُعم أنه أقيل من منصبه بعد زيارته له سرا…
أما عن حضور إحدى الأميرات فصرح أيت يوسف بما يفيد بأنه لا يستطيع تأكيد أو نفي ذلك، مؤكدا في المقابل أن ثلاث أو أربع نساء على الأقل كن حاضرات في تلك الحادثة، تقول روايات أخرى إن إحداهن تدعى “القباج”.
من الأسماء التي كانت حاضرة إلى جانب “الوزير بوشنتوف” في هذه النزهة التي تحولت إلى مأتم وحدث مأساوي مازال الكبار يحكون عنه للصغار، يتذكر أيت يوسف: “القايد ميمون” (كان قائدا على قلعة مكونة) و”الطبيب بوصالح”، ومخزنيان أحدهما يلقب بـ”أوطوف” (وهو من أيت بوكماز) و”موح أوحماد” (مقدم دوار بوتغرار حينها) و”لحسن أمركاس” (الذي كان مرشحا لدوار إسومار) و”محمد أمورغن” (رئيس جماعة إغيل نومكون حاليا وأخ حساين أمورغن، شيخ مشيخة أيت حمد في ذلك الوقت)، و”حماد أزروال” (رئيس جماعة قلعة مكونة حينذاك، حضر معهم إلى دوار إسومار ثم عاد أدراجه)، و”موح أيت موخا” (الملقب بالشمندر)، و”داود أزروال” و”حمو أوتاتوبانت” (قضيا في الحادث)، ولحو أفراجي، أوتاكا، علي نايت لحو وباها نايت لحو، حماد أوبدي وعشرات آخرين يجهل هوياتهم.
وفي ما يتعلق بالروايات المتداولة في المنطقة، والتي تروج لحضور أحدهم باسم “عزيز الوزاني”، وتقدمه على أنه “أختار ن لامن”، أي “كبير الأمن” أو “لقايد ن لامن”، أي “قائد الأمن “، والذي نفترض أن يكون هو “عزيز الوزاني”، الذي كان يشغل آنذاك منصب المدير العام للأمن الوطني، فلا يستبعد الشاهد حضوره أيضا قائلا: “إن الكثير من العناصر حضرت مع “الوزير بوشنتوف”، ولا أحد منا كان يعرف أسماءها أو هوياتها ومهنها أو يسأل عن ذلك.. لقد كانت مهمتنا تقتصر على أداء “لكلفت” (أي العمل بدون مقابل) التي كلفنا بها”.
ويضيف: “في مثل هذه الأحداث المأساوية المباغتة كما في الحروب تتداخل التفاصيل وتتضارب الروايات حد التناقض، فحتى الذين لم يحضروا تجدهم يتحدثون بثقة حتى يخيل إليك أنهم عاينوا الحدث بأم أعينهم، بينما الذين عايشوه أنفسهم لا يكون لهم متسع من الوقت للسؤال عن أدق التفاصيل، فأحرى تذكرها بعد مرور مدة من الزمن. وكي لا أطيل فما أؤكده لك أن الموكب كان فعلا رفيعا، وكانت تظهر عليه مظاهر الأبهة والفخامة، و”الوزير بوشنتوف” كان حاضرا، كما أن الأمر لم يكن يتعلق بضيوف أو سياح عاديين، والدليل على ذلك أن عناصر المخزن استنفرت ومعها أعوان الداخلية من شيوخ ومقدمين ومرشحين لمرافقة وخدمة الوفد، وأعطيت الأوامر لتكليف كل دوار يصله الوزير بتوفير الطعام والمرافقين والبغال وتقديم جميع الخدمات التي يحتاجها الموكب حتى يصل إلى الدوار الموالي فيتكلف به، وهكذا دواليك إلى أن يصل إلى وجهته التي قيل لنا إنها كانت زاوية أحنصال. وإلى جانب كل ذلك فقد طلب من النساء إطلاق الزغاريد كلما حل الركب بدوار من الدواوير”.
يمضي أيت يوسف في سرد ما احتفظت به ذاكرته عن ذلك اليوم الرهيب قائلا: “كان الجو صحوا ومعتدل الحرارة يغري بالرحلة والمشي، فانطلقت الجماعة من أيت مراو حوالي التاسعة أو العاشرة صباحا، تناولنا وجبة الغذاء في دوار أڭرزكا ثم أخذنا وجهتنا نحو أشعبو الذي بلغناه حوالي الواحدة بعد الزوال، إلا أن العالية كانت تقول عكس السافلة، إذ ما لبث أن قصف فيها الرعد قصفا مدويا دون أن نعلم ذلك، وما هي إلا لحظات حتى انهمرت السماء وتدفق السيل بأمواجه المضطربة من تلك الجبال وبدأت معركة هائلة أدركت بعض القوم في أشعبو فسحبته هو وبغلته مع ما سحبت من أشجار وجذوع وأحجار، وتحول السفر إلى صراع مع الموت، ورأيت الأعناق حينئذ تشرئب محاولة الفرار بجلدها من موت محقق”.
نجا “الوزير بوشنتوف” بأعجوبة من الحادث بعدما وقع من على فرسه، كما سلم أغلب من كان معه من “شخصيات رفيعة”، في حين لقي مرافقان له مصرعهما، وهما كما أسلفنا المدعو “داود أزروال” و”حمو أوتاتوبانت”، من أيت مراو. وتم التأكد كذلك من نفوق ثلاث بغلات في الحادث من ضمن إحدى عشرة بغلة جرفتها السيول.
يرجع أيت يوسف سبب نجاة “بوشنتوف” إلى كونه كان يتقن السباحة، إذ يقول: “وجده علي نايت لحو وباها نايت لحو راسبا على ضفة الوادي وهو بين الحياة والموت، مخضبا بالأوحال والطين، اعتقدا في البداية أنه ميت، إلا أن تأوهه وتحركه البطيء أكدا لهما أنه مازال على قيد الحياة فقاما بسحبه من وسط الماء إلى بر السلام. وأعتقد أنه لولا إتقانه السباحة لجرفته المياه لمسافة طويلة ولكان الضحية الثالثة التي نحصيها في ذلك اليوم المشؤوم”.
وعن تلك التي يعتقد أنها أميرة يروي أيت يوسف تفاصيل إنقاذها قائلا: “نجوت بجلدي عندما قفزت من على بغلتي وهرولت إلى غار يطل على الوادي لا تبلغه المياه، نزعت العمامة من على رأسي ومددتها لها طالبا منها أن تطوق بها نفسها بإحكام ثم قمت بسحبها بكل ما ملكت من قوة.. بعدها قمنا بسحب المحاصرين في الضفة الأخرى من الوادي باستعمال الحبال. لم يدم الأمر سوى دقائق حتى تراجعت المياه إلى مستواها كأن شيئا لم يقع”.
ويواصل أيت يوسف حديثه عن هذه الواقعة قائلا: “أما إحداهن فلم تكن تفصلها عن الموت سوى شعرة من الحظ، إذ كان ارتطامها بصخرة ضخمة هو سبب نجاتها، إلا أنها رغم ذلك شرعت تصرخ بأعلى صوتها نادبة حظها المنكود، فعجبنا كيف لمن خرج لتوه من الموت أن يشتكي أو يتظلم.. كان ذلك قبل أن تخبرنا بأنها فقدت حسب ما روت حقيبتها التي كان بداخلها مبلغ “جوج مليون ن مريكان”. (لا نعرف كما لا يعرف هو نفسه هل المقصود مليوني دولار أم ما يقابلهما بالدرهم أم ماذا؟).
“في الصباح، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، اتجه حمو نايت ومجا ولحو نايت داود لحمل الضحيتين إلى مثواهما الأخير، في حين حلت سيارات الجيب مرفوقة بعناصر الدرك الملكي لحمل “بوشنتوف” ومن كان معه نحو الرباط”، يردف أيت يوسف. في رواية أخرى نجد أن محمد أمورغن، رئيس جماعة إغيل نومكون حاليا، تدخل هو الآخر لإنقاذ إحداهن بأن سحبها من يدها، إلا أننا نجهل هل يتعلق الأمر بنفس الشخصية التي قال أيت يوسف إنه كان منقذها أم بشخصية أخرى.
هي إذن حادثة مأسوية يأبى الزمن أن يمحوها من ذاكرة المڭونيين، حادثة تصلح سيناريو لفيلم ناجح!.
إلى جانب بوشنتوف، الذي يوصف بالوزير، باعتبار أن سكان هذه المناطق يطلقون هذا الوصف على كل ذي حظوة وجاه يأتي من الرباط، وإن لم يكن في الواقع وزيرا، والذي حاولنا بلا جدوى الوصول إلى من يكون بالضبط، (إلى جانبه) والوفد الذي رافقه، تنتشر في إغيل نومكون روايات تفيد بعبور المحجوبي أحرضان مؤسس الحركة الوطنية الشعبية لمعبر الموت أشعبو قادما من الاتجاه المعاكس لاتجاه بوشنتوف، أي من أيت بوڭماز صوب قلعة مڭونة، دون أن توضح هل كانت تلك الزيارة قبل زيارة “الوزير” أم بعدها.
اليوم أضحت مثل هذه الحوادث نادرة جدا نظرا لتطور الاتصالات، إذ قبل أن يغامر أحد “بركوب” أشعبو، سواء من المرشدين السياحيين مع زبائنهم أو من السكان، فإنهم يقومون بإجراء الاتصال مع سكان العالية (أوزيغمت) للسؤال عن أحوال الجو هناك، أو أن هؤلاء (سكان العالية) وخاصة من المقدمين والشيوخ يبادرون إلى الاتصال بسكان السافلة لتحذيرهم من خطورة التوجه إلى الحقول الواقعة على الجانب الآخر من الوادي أو السفر عبر “معبر أشعبو”، فينتشر الخبر باستعمال مكبرات الصوت في المساجد.. كما أدى انتشار أجهزة التلفاز والهواتف الذكية التي مكنت من تتبع والتنبؤ بحالات الجو إلى التخفيض كثيرا من احتمال وقوعها.
*المسامــــحة
كانت الساعة تشير إلى حوالي العاشرة صباحا عندما التقينا يوم السبت 30 يوليوز 2016 بسياح مغاربة على مستوى بلدة تغفرت بأوزيغمت، أغلبهم تجاوز الأربعين سنة، كانوا عائدين من مضيق أشعبو، وقدموا أنفسهم على أنهم من الرباط؛ سألونا عن وجهتنا وعم إذا كنا ننوي عبوره، فأخبرناهم أن نعم، نصحونا ألا نجرب ذلك قائلين إنهم كانوا عازمين هم أيضا على ذلك إلا أنهم تراجعوا في آخر لحظة، لأن الجو كان متقلبا ومضطربا تلك الأيام؛ ولأنه مازالت تفصلنا عنه حوالي ساعتين مشيا، ما يعني أننا لن نصل إلى مدخله إلا عند منتصف النهار وهو الوقت الذي يُنصح فيه بمغادرة القمم الجبلية والمضايق، كما نحتاج إلى أربع ساعات على الأقل للخروج إلى بر الأمان، فقد ألحوا علينا بعدم المخاطرة بأنفسنا واقترحوا بدل ذلك المبيت في أحد الدواوير غير البعيدة عن المضيق حتى اليوم الموالي لعل الجو يتحسن ونتمم رحلة العبور بسلام.
أمام إصرارنا وتأكيدنا العزم على اجتياز أشعبو وشعارنا “ليحصل ما يحصل”، ما كان عليهم إلا أن تمنوا لنا السلامة معلقين بشكل مازح كأنهم يودعوننا الوداع الأخير: المهم المسامحة أ الخوت !!.
في اليوم الذي سبق عبورنا “تين ووتشي” أخبرنا السكان بأن الوادي ضاق بما حمل، إذ عرفت المنطقة تساقطات غزيرة، وهو ما تأكدنا منه بالفعل، إذ وجدنا الفلاحين يعيدون إصلاح السواقي التي غمرتها المياه والجرافة تصلح بعض المسالك، كما أن مياه الغدير كانت تعيق الرؤية بشكل واضح وتحول دون معرفة العمق الحقيقي للمياه وأماكن تواجد الأحجار، ما زاد من خطورة الاصطدام بها والوقوع في الماء.
ثلاثة أيام بعد “نجاتنا من مصيدة الموت”، وفي تلك الظروف التي أوردناها، اتصل بي أحد سكان أكرزكا ليخبرني بأن وادي مكون غضب غضبا شديدا ودمر الحقول وجرف أشجار الجوز وغمر السواقي بالحصى والأحجار، فتساءلت ماذا كان مصيرنا ليكون لو تصادف ذلك مع تواجدنا بين أحضان أشعبو؟!.
لو حصل، فالأكيد أن حكايتنا ستنضاف إلى حكاية بوشنتوف وستروى حولها الروايات وتزيد وتنقص وتبالغ وتضخم وقد تقول الحقيقة؛ ولكن الذي لا شك فيه أن سنة 2016 ستسمى “عام موت ثلاثة شبان متهورين غرقا في أشعبو!”.
[embedded content]