لم تعد طريقة تدبير النفايات المنزلية بالمناطق القروية تتماشى مع التوجهات الوطنية في ما يتعلق بالحفاظ على البيئة، نظراً إلى تغيّر نمط العيش المحلي خلال السنوات الأخيرة، مع إقبال الأسر على اقتناء المنتجات غير القابلة للتحلّل، ما يطرح تحديات حقيقية على صنّاع القرار العمومي بشأن إدارة الكميات المتزايدة من النفايات غير العضوية، في ظل اعتماد أنماط تدبير جماعي تقليدية تفتقر إلى الإبداع والتجديد، سواء تعلّق الأمر بالتخلص من النفايات أو معالجتها أو تثمينها، الأمر الذي يعكس محدودية النموذج المُتّبع منذ سنين بالأرياف المغربية.

وتُدير الجماعات الترابية ذات الطابع القروي، التي تُشكل 85 بالمائة من الجماعات الترابية (1282 جماعة)، قطاع النفايات المنزلية والمماثلة لها بأساليب لا تحمي النظم الإيكولوجية الجبلية، إذ تُجْمَع النفايات المختلطة دون فصلها عند المصدر، قبل أن يتم التخلص منها في مدافن قمامة غير صحية، تكون بالقرب من الأراضي الزراعية والسواقي، بالموازاة مع إلقاء المخلفات في الأودية والجبال وحرقها بالهواء الطلق، ما يهدد صحة السكّان في كثيرٍ من الأحايين، ويتسبّب في تدهور الموارد الطبيعية بالبوادي.

ويتوفر المغرب على نظام مؤسساتي مكوّن من إطارات مرجعية ناظِمة لقطاع النظافة، لا يتم تفعيلها داخل أغلب الجماعات القروية التي تحتاج إلى تصاميم واضحة لتشخيص الحالة البيئية، اعتباراً لتفشّي المطارح العشوائية التي تؤدي إلى ظهور نقاط سوداء ببعض “الأرياف العميقة” التي تتراكم بها النفايات، رغم الجهود الحثيثة المبذولة من طرف السلطة الحكومية المكلّفة بالبيئة، بمعية وزارة الداخلية؛ الأمر الذي يتطلب البحث عن حلول عملية مُبتكرة وواقعية تُدمج السكان في النظام الحالي لإدارة النفايات، مع مراعاة الخصوصية المجالية أثناء التخطيط الجماعي (عدد السكان، كمية النفايات المُنتجة).

ويثير موضوع تدبير النفايات المنزلية أسئلة ذات أهمية بالغة، من قبيل: هل توجد مطارح نفايات مراقبة بالمجال القروي؟ وأين تذهب نفايات الأرياف المغربية؟ وما طبيعة التأثيرات الصحية والبيئية للمطارح العشوائية؟ وكم عدد المطارح المؤهلة في العشرية الأخيرة؟ وما حصيلة تعميم المخططات المديرية لتدبير النفايات المنزلية والمماثلة لها على العمالات والأقاليم؟ وكم عدد مراكز طمر وتثمين النفايات بالجماعات القروية؟ وكيف تساهم جمعيات المجتمع المدني في تدبير مرفق النظافة بالبوادي؟ وما طبيعة العوائق التدبيرية والقانونية والمالية والترابية التي تواجه المجالس الجماعية؟ وأية تجارب دولية يمكن الاستفادة منها في مجال الإدارة المستدامة للنفايات المنزلية؟.

هذه الأسئلة وأخرى استحضرها التحقيق، الذي امتدّ العمل فيه قرابة خمسة أشهر، قصد مقاربة النظام الحالي في إدارة النفايات بثلاث جهات مغربية ترتفع بها نسبة السكن بالوسط القروي؛ وهي درعة-تافيلالت وبني ملال-خنيفرة وسوس-ماسة، حيث يرصد مكامن الخلل في المخططات الجماعية المخصصة لجمع النفايات، ويقف عند الانعكاسات البيئية والصحية الميدانية ببعض القرى، ويكشف مآل النصوص التنظيمية والتشريعية في هذا الصدد؛ كما تم تعزيزه بشهادات فعاليات محلية، وبتصريحات مسؤولين رسميين بالوزارات المكلّفة بحكامة القطاع.

SAMSUNG DIGITAL CAMERA

نفايات منزلية مُتصاعدة

تضاعف إجمالي توليد النفايات بالمناطق القروية خلال السنوات الأخيرة، ما سيُشكل تحديا كبيرا للسياسات العمومية في المستقبل القريب، إذ بلغ حجم إنتاج النفايات المنزلية والمماثلة لها بجهة سوس-ماسة ما يقارب 438.931 طنا عام 2015، فيما سترتفع الحصيلة إلى 681.070 طنا عام 2030، وفق إحصائيات الإستراتيجية الوطنية لتقليص وتثمين النفايات، على أساس أن نسبة السكن بالوسط القروي مرتفعة؛ ذلك أن عدد الجماعات القروية يصل إلى 154 من أصل 175 جماعة، وهي أرقام رسمية واردة في تقرير المجلس الجهوي للحسابات بسوس-ماسة برسم سنة 2018.

ارتفاع معدل إنتاج النفايات يمكن ملاحظته من خلال المخطط المديري لتدبير النفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها بعمالتيْ أكادير إداوتنان وإنزكان أيت ملول، الذي اطلعت عليه هسبريس؛ فعلى سبيل المثال سيرتفع معدل النفايات بالجماعات القروية التابعة لمدينة أكادير إلى 159.694 طنا سنة 2022 بعدما كان لا يتعدى 131.514 طنا سنة 2014، بينما سيصل حجم النفايات بقرى مدينة إنزكان إلى 35.375 طنا سنة 2022 مقابل 30.817 طنا سنة 2014؛ فيما ستُسجل مداشر مدينة أيت ملول 46.881 طنا من النفايات سنة 2022 مقابل 38.570 طنا سنة 2014.

وبالفعل، يوضح المخطط المديري الإقليمي لتدبير النفايات المنزلية والمشابهة لها بإقليم اشتوكة آيت باها، الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، أن معدل إنتاج النفايات بالجماعات القروية (عددها عشرون) سيبلغ 128.724 طنا سنة 2025 بعدما كان لا يتجاوز سقف 90.429 طنا سنة 2017. وسيراً على نهج جهة سوس فإن جهة درعة-تافيلالت ستعرف زيادة في حجم إنتاج النفايات المنزلية بحلول سنة 2030، حيث سيُقدر بـ199.463 طنا، على أساس أنه بلغ 147.943 طنا سنة 2015، نظرا إلى ارتفاع نسبة السكن بالوسط القروي (66 بالمائة).

وحسب المعطيات الرسمية، التي توصلت بها هسبريس من لدن المديرية الجهوية للبيئة بدرعة-تافيلالت، فإن حجم النفايات المُنتجة بالجماعات القروية التابعة ترابيا لإقليم الرشيدية بلغ 32.627 طنا عام 2013، فيما ارتفع العدد إلى 33.951 طنا عام 2019. أما الجماعات القروية بمدينة ميدلت فخلّفت 49.339 طنا من النفايات عام 2013، ليرتفع العدد إلى 51.920 طنا عام 2019. وبالنسبة إلى حجم النفايات بقرى مدينة ورزازات فيُلاحظ أنه وصل إلى 35.886 طنا عام 2013، ثم ارتفع إلى 40.733 طنا عام 2019.

فيما سجلت دواوير مدينة تنغير حجم إنتاج قدره 45.318 طنا عام 2013، ليصل إلى 55.195 طنا عام 2019؛ في حين بلغ حجم إنتاج النفايات بمداشر زاكورة 62.050 طنا عام 2013، ليرتفع إلى 64.605 أطنان عام 2019. وفي ما يخص جهة بني ملال-خنيفرة، التي تضمَ 51 بالمائة من سكان الوسط القروي، فتشير الإستراتيجية الوطنية لتقليص وتثمين النفايات إلى أن حصيلة النفايات المنزلية والمماثلة لها ستبلغ 470.274 طنا في أفق 2030، مقابل 355.218 طنا عام 2015.

التخطيط البيئي المعطوب

نمو معدلات النفايات في الأرياف المغربية مرده إلى الارتفاع الديمغرافي للأسر، الذي صاحَبهُ تحول نسبي بشأن نمط عيش السكان، تجلى أساساً في تغيّر كمية النفايات المنزلية المنتجة، وهو الإنتاج الذي سيستمر في الارتفاع خلال السنوات القادمة، إذ تشير الإستراتيجية الوطنية لتقليص وتثمين النفايات، المنجزة من طرف كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة (أَلْغاها التعديل الوزاري لسنة 2019)، إلى أن المجال القروي يُخلّف ما يقارب 1.5 ملايين طن سنويا من النفايات المنزلية (المترتبة عن أنشطة منزلية) والمشابهة لها (الناجمة عن أنشطة اقتصادية أو حرفية تكون من حيث مكوناتها مماثلة للنفايات المنزلية).

بناءً على ذلك، يبلغُ إنتاج النفايات المنزلية بالوسط القروي 0.30 كيلوغراما في اليوم لكل شخص، حسَب تقرير حول تدبير النفايات الصلبة بالمغرب، منشور من لدن الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) عام 2014، وهو رقم منخفض بالمقارنة مع حصة الإنتاج بالمدن التي تصل إلى 0.67 كيلوغراما للشخص في اليوم الواحد. ومع ذلك، تشكل إدارة النفايات المنزلية معضلة حقيقية بأغلب الجماعات الترابية ذات الطابع القروي.

ويشكل التخلص من النفايات المنزلية أحد مظاهر الخلل في تدبير القطاع بالمناطق القروية، خاصة الجبلية منها، نظرا إلى غياب إستراتيجية، في إطار المرفق العام، لتدبير أو تحليل النفايات، إذ تغيب تصاميم قروية واضحة لتشخيص الحالة البيئية، مع تحديد المشاكل والحلول؛ فرغم أن وزارة البيئة أعدت دليلا، بمعية وزارة الداخلية، قصد إدماج البعد البيئي في التخطيط الجماعي المحلي منذ سنوات، إلا أن المجالس الترابية لم تعتمد قرارات رسمية من شأنها إدراج العنصر البيئي في المخططات المحلية.

ولا تُوضع الرهانات البيئية للمجال الترابي وفق سلم للأولويات، تبعاً لمضامين المرسوم رقم 2.16.301 المتعلق بمسطرة إعداد برنامج عمل الجماعة وتتبعه وتحيينه وتقييمه؛ ذلك أنه حثّ على إدراج البعد البيئي ضمن الأولويات التنموية للجماعات، التي عجزت عن تدبير قطاع النفايات بالعالم القروي لاعتبارات ذاتية وموضوعية، ما أدى إلى الاستعانة بتقنيات تقليدية للتخلص من النفايات، من خلال رميها في الأودية والجبال، أو حرقها في الهواء الطلق، أو دفنها بشكل عشوائي.

المُفتقد في حكامة القطاع

في خضم هذا الواقع فإن النفايات التي تُلقى في العراء، أو يتم حرقها، تضر بصحة الإنسان، وتضر كذلك بالبيئة، وتعوق التنمية الاقتصادية، الأمر الذي يعكس محدودية المقاربة والنموذج المُتّبعين منذ سنين بالعالم القروي، الذي يضمّ اليوم 85 بالمائة من الجماعات الترابية؛ أي 1282 جماعة ذات طابع قروي من أصل 1503 جماعات ترابية، وتقطنه 13 مليون نسمة، تتوزع على 33 ألف دوار و168 مركزا قرويا؛ فيما تتوفر 13 بالمائة فقط من الجماعات القروية على مركز حضري.

تلك إحدى النقاط المحورية المتضمّنة في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول تنمية العالم القروي عام 2017، ما يسائل حصيلة الوظائف المُسندة للجماعات الترابية في ما يتعلق بقطاع النظافة، طبقاً للقانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، الذي يُخوّل لها تدبير مجموعة من المرافق العمومية لتقديم خدمات القرب في ميادين عدة؛ بينها جمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى المطارح ومعالجتها وتثمينها.

من خلال قراءة مختلف القوانين التشريعية والتنظيمية المنظمة لتدبير النفايات المنزلية والمماثلة لها، يتضح أن حكامة القطاع لا تقتصر على الجماعات الترابية لوحدها، لأن وظيفتها تقتصر على التدبير المحلي فقط، بل تقوم وزارة الداخلية بتدبير القطاع على المستوى الوطني، اعتبارًا لكونها تُمارس الوصاية على الجماعات، وتقدم لها المساعدة التقنية والمالية في هذا المجال، بالإضافة إلى وجود متدخل ثالث يتمثل في الوزارة المكلفة بالبيئة التي تسهر على المراقبة البيئية، إلى جانب فاعلين عموميين آخرين على رأسهم وكالات الأحواض المائية.

ويسهر المتدخلون المشار إليهم، بموجب الإطارات المرجعية الناظمة لقطاع تدبير النفايات المنزلية والمماثلة لها، على تدبير مجال النفايات المنزلية بالمناطق القروية، عبر إعداد الهياكل والمساطر والآليات اللازمة لتحقيق الحكامة البيئية الجيدة، مثلما جاء في المادة 24 من الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة. لكن الواقع الراهن للقطاع يكشف عن إشكال جوهري يتعلق بمركزة الحكامة البيئية، ما يحول دون تحقيق الاستدامة البيئية المبتغاة.

تشريعات مع وقف التنفيذ

التفعيل المحدود للمرفق المحلي الحيوي المرتبط بالنظافة كان محل انتقادات دولية كثيرة، ابتدأت بتقرير للبنك الدولي سنة 2003، قام بتقييم الكلفة السنوية للأضرار البيئية التي تسبّبت فيها النفايات الصلبة بالمغرب، كاشفاً بلوغها 1.700 مليون درهم؛ أي ما يمثل 0.5 من الناتج الداخلي الخام، ما دفع الحكومة، التي ترأسها إدريس جطو آنئذ، إلى إصدار القانون 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها سنة 2006.

ومن أجل سدّ الخصاص الحاصل في تدبير قطاع النفايات المنزلية، صادقت الحكومة، سنة 2007، على برنامج وطني للنفايات المنزلية يغطي مدة 15 سنة، يُمول بصفة مشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة البيئة، بدعم من البنك الدولي، قصد تعميم المخططات المديرية لتدبير النفايات المنزلية والمماثلة لها على جميع العمالات والأقاليم، وهي المخططات التي طالب القانون 28.00 بإعدادها منذ 2006.

ولم يتم نشر المرسوم المُحدد لكيفيات إعداد المخطط المديري لتدبير النفايات المنزلية والمماثلة لها حتى يوليوز 2010، لكنه لم يجد طريقه للنفاذ الفعلي بأغلب العمالات والأقاليم في السنوات الموالية لصدور المرسوم، مثلما نبّه إلى ذلك تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول التدبير المفوض للمرافق العامة المحلية عام 2014. وتعليقا على ذلك، يورد إبراهيم أعراب، منسق الائتلاف الجهوي المدني للحقوق البيئية والتنمية المستدامة بجهة سوس-ماسة، أن الأهداف المرسومة لتلك المخططات لم تتحقق بكثير من المناطق، وما يطرحه ذلك من تساؤلات بخصوص تقييمها المرحلي.

الإطار المؤسساتي الحالي يكشف تعدد المتدخلين في القطاع، وسط تشتت الإحصائيات البيئية وعدم ضمان الجدوى المالية المرتبطة به، وهي المعضلة التي دعا تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى الانكباب على دراستها، من خلال وضع أنظمة مندمجة وحديثة للتخطيط والتدبير بصفة مستعجلة، بالموازاة مع تعبئة مجموع الفاعلين حول أهداف برنامج النفايات المنزلية، وتوفير ظروف التنسيق والفعالية اللازمة لتنفيذه.

“تقليدانية” التدبير الجماعي

تبعا لذلك، أدى عدم تكامل البرامج القطاعية إلى بروز اختلالات بشأن دورة التخلص من النفايات بالمناطق القروية، الأمر الذي نتجت عنه تأثيرات صحية وبيئية كبيرة، إذ أصبح حرق النفايات بالهواء الطلق سلوكا شائعاً بالجماعات الترابية ذات الطابع القروي، لاسيما الجبلية منها، بناءً على أزيد من ثلاثين شهادة ميدانية استقتها هسبريس بجهات درعة-تافيلالت وسوس-ماسة وبني ملال-خنيفرة، وهو المعطى الذي أكده أيضا رؤساء تلك الجماعات.

وبالرجوع إلى القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات، فقد نصّت مادته السابعة على منع إحراق النفايات في الهواء الطلق قصد التخلص منها، إذ اشترط القيام بهذه العملية في المنشآت المعدة لهذا الغرض؛ لكن لا تتم أجرأة ذلك على أرض الواقع، حيث عاينت هسبريس هذا المعطى على مستوى دواوير “اسم السوق” و”تالمست” التابعين لجماعة “زاوية أحنصال”، و”تيميت” و”أيت زيري” بجماعة “تبانت”، وكذا قبيلة “أيت عتاب”، بالإضافة إلى جماعات “بوتفردة” و”تابية” و”أفورار” بجهة بني ملال خنيفرة.

وأثناء إعداد هذا التحقيق، تأكدت هسبريس، أيضا، من معلومة حرق النفايات ورميها بجوانب الأودية في الكثير من المداشر القروية الكائنة بجهة سوس ماسة؛ أبرزها “إيدغ” و”أيت واعلكة” و”إغرم” و”أيت طالب إيحيا” و”بعقيلة” و”تدايغت” و”العَرقوب” و”أيت أحمد” ضواحي تزنيت، إلى جانب دوار “تلات زكاغت” بتافراوت، و”إدوسكا أوفلا” بتارودانت؛ ناهيك عن دواوير “العيون” و”تكموت” و”ترسولت” نواحي طاطا.

فيما لاحظت الجريدة، كذلك، مظهر إحراق النفايات، ورميها قرب المساكن، وطمرها بمناطق جبلية تسمى “أبْدُّوزْ” باللسان الأمازيغي في جهة درعة-تافيلالت؛ نذكر بينها “واكليم” و”ألنيف” و”أوسيكيس” و”تمتتوشت” و”أيت سدرات العليا” و”أيت سدرات السفلى” و”تيلمي” و”دادس” و”إكنيون” و”أسول” نواحي تنغير، وكذا دواوير”ترميكت” و”سكورة” و”إمغران” و”تلوات” ضواحي ورزازات؛ ناهيك عن دواوير “تنزولين” و”تزارين” بزاكورة، وبعض دواوير “إملشيل” التابعة لميدلت، و”واحة غريس” بالرشيدية.

واحة “غريس” تستعدّ للاندثار

وفي ظل العثرات التي تواجه إنفاذ البرنامج الوطني للنفايات المنزلية، تزداد التأثيرات البيئية والصحية بالمناطق القروية بمرور الأيام، الأمر الذي وقفت عليه هسبريس بواحة “غريس” بمدينة كلميمة، التابعة لإقليم الرشيدية، بعدما تسّبب مطرح النفايات العشوائي في تلوث الواحة، حيث تختلط النفايات العضوية بمياه الأمطار، وتنْسابُ عبر المجاري الطبيعية من فوق الجبل إلى السفح حيث توجد “عيون الماء” التي تزود واحة “غريس” بمياه الريّ، وهو ما نبّهت إليه كثير من التقارير العلمية التي أنجزتها جمعيات المنطقة منذ سنة 2011، لكن المشكل مازال قائما إلى حدود الساعة.

وفي هذا الصدد، أعدّت الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) ملفاً علميا بطلب من جمعية “أراو ن غريس” سنة 2013، اطّلعت هسبريس على تفاصيله، يُثبت أن المياه التي تُسقى بها الضيعات الفلاحية تحتوي على مواد خطيرة بتركيزٍ عالٍ، مثل الرصاص والكروم، ما يهدد باندثار واحة كلميمة على المدى الطويل، وهو الخرق القانوني الواضح للمادة 54 من القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء، تحديدا ما يخص إفراغ النفايات الصلبة في الأودية والآبار والمساقي.

وبالعودة إلى تفاصيل الدراسة، الموثّقة بنتائج دقيقة أُجريت بمختبرات علمية في الدار البيضاء، نجد أن عناصر الأوكسجين الحيوي الممتص (BOD5) والأوكسجين الكيميائي المستهلك (COD) عالية التركيز بمياه الينابيع، وكذلك بالمياه السطحية، ما يهدّد صحة الأسر، لأن مستويات التركيز المُسجلة تكون بالمياه العادمة فقط، ولا ينبغي أن توجد بالمياه الطبيعية الممتلئة بالمواد العضوية والمنظفات، وفق التقرير عينه، الذي خلص إلى أن هذه المياه غير صالحة للشرب.

وقد راسلت جمعية “أراو ن غريس” كميل دوراند (Camille Durand)، خبير بيئي معتمد، للقيام بتحاليل مخبرية حول “الكارثة البيئية”، فأعدّ بذلك تقريرا علميا، تتوفر الجريدة على نسخة منه، يشير إلى أن مطرح النفايات يلوّث مياه الواحة الطبيعية التي أصبحت تحتوي على “معادن ثقيلة” بسبب عدم فرز النفايات من المصدر. وتعليقا على ذلك يقول زايد أوشنا، الباحث الجامعي المقيم بالواحة، إن “التربة أصبحت غير صالحة للزراعة بمنطقة تاديغوست بوادي غريس، بل إن جودة المنتجات الفلاحية تقلصت كثيرا بالمقارنة مع السابق”.

التطورات البيئية الخطيرة دفعت الجمعية سالفة الذكر إلى مراسلة السلطات المنتخبة، التي لم تتجاوب مع الملفات العلمية المُقدمة لها، حسب إفادة أحد أعضائها. لكن خالد كيش، رئيس جماعة كلميمة، يصرّح للجريدة بأن “الجدل المُثار يخص الجماعات القروية لغريس العليا وغريس السفلى، ولا دخل للبلدية في الموضوع”، ثم يستدرك بالقول: “إمكانيات تلك الجماعات القروية ضعيفة”. وبخصوص مسؤولية البلدية إزاء المطرح العشوائي، يوضح المسؤول ذاته أن “الجماعات اتفقت على إحداث مطرح مشترك، لكن تمّت عرقلة تشييده نتيجة رفض السكان إقامة المطرح بفركلة العليا”.

“الليشمانيا” يلاحق “الزّاكُوريِينْ”

سوء التخلّص من النفايات المنزلية أدى إلى إحداث نقاط بيئية سوداء في بعض مناطق المغرب، وهي إحدى المعضلات التي يُشخّصها تقرير المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية المعنون بـ “بانوراما المغرب في العالم: الرهانات الكونية للمحيط الحيوي” لسنة 2017، حيث يُمكن ملاحظة هذه النقاط السوداء في بعض دواوير مدينة زاكورة التي تعاني من مشكلة تفشي داء “الليشمانيا”، جراء تراكم الأزبال في المطارح العشوائية؛ من قبيل قرية “تنزولين”. لكن تدخلات المديرية الجهوية للصحة تُخفّف من حدة المرض، كما أسرّ بذلك فاعل مسؤول بالمديرية لهسبريس، من خلال تنظيم حملات دورية لجمع الأزبال وحرقها؛ لعل آخرها نُظمت في بداية يناير الماضي.

ورغم ذلك، يؤكد عبد العزيز قاسمي، رئيس جمعية الوفاء للأعمال التنموية والاجتماعية والبيئية بزاكورة، أن “الجماعات القروية تطالب بإنشاء مطرح عصري من شأنه التقليل من انتشار القوارض والحشرات، غير أن المجالس المحلية مازالت تتدارس الموضوع منذ مدة، ما يدفع الجمعيات المدنية إلى الانخراط في الحملات التطوعية التي تستهدف النقاط السوداء بالمنطقة”. وفي ما يخص إشكالية المطارح العشوائية، يورد جمال أقشباب، رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة، أن “جميع الجماعات الترابية لا تتوفر على مطارح مراقبة، حيث يؤدي تراكم النفايات إلى انتشار الكلاب الضالة، وتفشي مرض الليشمانيا”.

التأثيرات البيئية للمطارح العشوائية كانت موضوع دراسة من طرف مؤسسة “هنريش بول” بشأن تدبير النفايات المنزلية والمشابهة بالمغرب، منشورة سنة 2020، حيث تستنتج أن الأثر السلبي لتلك المطارح يشكل خطورة كبيرة على المجال القروي، الذي يتميز بمظاهر جغرافية وفلاحية وإيكولوجية، وبتنوع بيولوجي مهم، معتبرة أن الممارسات اليومية تشكل عامل تهديد للأنظمة البيئية؛ فبالإضافة إلى تلوث مجاري الأودية والفرشة المائية الباطنية والمنتجات الفلاحية فإن النفايات المنزلية، بالمناطق القروية، تعتبر مصدر ضرر لجودة الحياة بالبادية المغربية.

تنوع بيولوجي مهدّد

وساهم توقف دورة الحياة الفلاحية والمعاشية القديمة في اندثار ثقافة تدبير النفايات بالطرق التقليدية، فأصبح الناس يلقونها في الفضاء الخارجي، وفق شهادة عادل أداسكو، القاطن بقبيلة “إدوسكا أوفلا” ضواحي تارودانت، الذي أكد أن بعض السكان يرمون النفايات قرب الآبار التي تُستعمل مياهها للشرب، ما يشكل خطرا على سلامة المواطنين في ظل غياب التدبير المعقلن لقطاع النظافة من طرف الجماعة، التي ينفي رئيسها، محمد أيت سي حمو، ما جاء على لسان محدّثنا، مبرزا، في تصريح للجريدة، أن المجلس يخصّص شاحنة لجمع النفايات بصفة يومية، ثم يتم حرقها في مكان مخصص لهذا الغرض.

كما يلفت عمر أوزياد، فاعل جمعوي، الانتباه إلى الانعكاسات البيئية للمطارح العشوائية على الأودية وينابيع المياه في قرى جهة بني ملال-خنيفرة، مرجعا ذلك إلى “العزلة” التي تعيشها أغلب الدواوير الجبلية. المعطى نفسه أكده لنا إسماعيل بلعباس، المقيم بقرية “تابية”، وكذلك مليكة، القاطنة بقرية “تبانت” نواحي أزيلال، اللّذين تحدّثا عن تراكم الأزبال بسبب بعد الدواوير عن المراكز القروية. وفي جوابه عن سؤالنا حول كيفية تدبير الجماعة التي يرأسها للنفايات بالقرى التابعة له، نفى المصطفى رداد، رئيس جماعة “أفورار”، بلهجة حازمة، وجود المشكلة من أصلها، دون تقديم مزيد من التفاصيل، فيما أجاب سعيد اتغلاست، رئيس جماعة “زاوية أحنصال”، بأن الأزمة قائمة بالمداشر “المعزولة”، بفعل تشتت معظم التجمعات السكنية فوق تراب الجماعة.

وتشير وثيقة صادرة عن المديرية الجهوية للبيئة ببني ملال-خنيفرة، تتوفر هسبريس على نسخة منها، إلى أن عدد المطارح العشوائية يبلغ نحو 15 مطرحاً موزعة على أقاليم الجهة، حيث تحتضن بني ملال خمسة مطارح غير مراقبة في جماعات “قصبة تادلة” و”زاوية الشيخ” و”القصيبة” و”أولاد يوسف” و”أولاد سعيد الواد”، لكنها لا تعدو أن تكون “مكبات للنفايات” يمكن تأهيلها، بينما تتوفر مدينة الفقيه بنصالح على ثلاثة مطارح غير مراقبة على تراب كل من جماعة “خريبكة” و”وادي زم” و”أبي الجعد”، لكنها حالياً في طور التأهيل والإغلاق؛ فيما توجد أربعة مطارح غير مراقبة بإقليم أزيلال، تتوزع على كل من جماعة “أزيلال” و”دمنات” و”واويزيغت” و”بني عياط”، إلا أنها لا تعدو أن تكون “مكبات للنفايات” يمكن إغلاقها بعد الشروع في التأهيل، حسَب مضامين المستند عينه.

وعلاقة بالتأثيرات البيئية للتدبير العشوائي لقطاع النفايات بالقرى، تدق مذكرة “تنغير حول النموذج التنموي الجديد”، التي توصلت هسبريس بنسخة منها، ناقوس الخطر حول تلوث مياه واحات دادس وتودغى وقلعة مكونة، وهو ما تؤكده شهادات ميدانية استقتها الجريدة؛ ذلك أن غياب المطارح المنظمة يدفع الأسر إلى دفن الأزبال بمناطق مخصصة لذلك بالجبال، لكن حينما تفيض تلك الأودية تصل النفايات إلى الواحات الطبيعية، الأمر الذي يعتبره رضوان جخا، فاعل جمعوي بورزازات، تهديدا للتنوع الطبيعي والبيولوجي الذي تزخر به هذه الواحات، داعيا، في الوقت نفسه، إلى إيجاد حلول مستعجلة حتى لا تتشكل “بؤر سوداء” خطيرة بالجهة؛ في حين يؤكد قطاع البيئة بدرعة-تافيلالت، وفق وثيقة رسمية، أنه ستتم إعادة تهيئة المطارح المستغلة حاليا بعد إنجاز المطارح المراقبة على مستوى كل إقليم.

منشآت غير مخصصة للمخلّفات

النفايات التي تساء إدارتها تُلوّثُ “الأرياف العميقة”، التي ذكرنا بعضها، جراء تدبير قطاع النظافة بطريقة غير مهيكلة في جزء كبير منه، سواء تعلق الأمر بعدم فرز النفايات، أو عدم إعادة تدويرها، أو التخلص منها في مطارح غير خاضعة للمراقبة؛ أي إنها لا تشملها دراسة التأثير على البيئة الرامية إلى تحديد الآثار المباشرة وغير المباشرة، المؤقتة والدائمة، للمطارح على البيئة، على اعتبار أن المنشآت المخصصة للتخلص من النفايات تندرج ضمن المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير على البيئة بناء على القانون رقم 12.03 المنشور سنة 2003.

ويؤكد رؤساء “الجماعات القروية”، الذين تواصلت معهم هسبريس، أنهم لم يتقدموا بأي طلبات إلى السلطة الحكومية المكلفة بالبيئة للحصول على ما تسمى “الموافقة البيئية” التي تشهد بإمكانية تشييد مطرح النفايات، لكن صدور القانون رقم 49.17 المتعلق بالتقييم البيئي في غشت 2020 عجّل بخضوع مختلف المشاريع المُعدة من طرف الجماعات الترابية للتقييم الإستراتيجي البيئي، ما دفع العديد من “الجماعات القروية” إلى عقد اتفاقيات خاصة بتأهيل المطارح العشوائية بشراكة مع الوزارة المكلفة بالبيئة.

وقد أدى ضعف الضبط الحكومي إلى تناسل مجموعة من المطارح العشوائية بجوار المناطق المحمية المنصوص عليها في القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء، من قبيل المواقع ذات المنفعة البيولوجية والإيكولوجية. ونذكر هنا، على سبيل المثال، بحيرة “تِسْليت” بمنطقة إملشيل التي تهددها الأزبال، إذ يقول محمد احبابو، فاعل مدني، إن “مطرح النفايات يبعد عنها بأقل من كيلومتر، ما يجعلها ملوثة بالأكياس البلاستيكية، بسبب عدم تسييج المطرح العشوائي”، فيما ينفي موحا أوعليلي، رئيس الجماعة، تلك الإفادة بتأكيده أن “المطرح لا يؤثر على البحيرة مطلقا لأنه بعيد عنها، إذ يتم جمع نفايات الدواوير مرتين في الأسبوع، قبل أن يتم حرقها وطمرها”.

ويَمنع القانون 28.00 التخلص من النفايات الفلاحية في المطارح المخصصة لتدبير النفايات المنزلية، لكن لا يتم تطبيق ذلك في كثير من المناطق القروية، حيث يوضح رشيد فسيح، رئيس جمعية “بييزاج” للبيئة بجهة سوس-ماسة، أن “المطارح العشوائية تُشيّد خارج النظم الإيكولوجية بسوس، إذ تُرمى بها النفايات الفلاحية ومخلفات المبيدات، نظرا إلى عدم تفعيل الترسانة القانونية المهمة”. وفي هذا الصدد، يحذر إبراهيم أعراب، منسق الائتلاف الجهوي المدني للحقوق البيئية والتنمية المستدامة بجهة سوس-ماسة، من تحويل الكثير من الغابات الطبيعية إلى مطارح عشوائية بالجهة، ما يؤدي، في نظره، إلى تلويث الأودية وتضرر المياه الجوفية.

القانون سالف الذكر يمنع أيضا التخلص من النفايات الصناعية في المطارح المخصصة لتدبير النفايات المنزلية، وهي المسألة التي تثير الجدل في مطرح “تارميكت” ضواحي ورزازات، حيث تحدّث فاعل مسؤول لجريدة هسبريس عن رمي النفايات الصناعية لإحدى الشركات بذلك المطرح، غير أن محمد والحرور، نائب رئيس الجماعة المكلف بقطاع النظافة، شدد على أن المطرح يستقبل فقط النفايات المنزلية الخاصة بتلك الشركات. ومع ذلك فإن هذا المطرح، الذي يستقبل 40 طنا من النفايات يوميا، يتسبّب في أضرار تنفسية وبيئية للسكان، تبعاً لعبد الهادي إيك، فاعل جمعوي أشار إلى “تلويث الفرشة المائية، وتراجع الزراعة المعيشية، واختناق القاطنين من أدخنة إحراق النفايات نظرا لقربه من الدواوير”.

“قنابل بيئية موقوتة”

تكشف الملاحظة الميْدانية لمطارح النفايات العشوائية، التي عاينتها هسبريس بالمناطق القروية، غياب المواصفات التقنية المُطبّقة على المطارح المراقبة، التي تحدث عنها بإسهاب المرسوم 2.09.284 (8 دجنبر 2009)، إذ لا تحترم مواقع إنجاز تلك المطارح الخصائص الهيدروجيولوجية والهيدرولوجية الملائمة، إلى جانب خرق المقتضيات التقنية المرتبطة بتهيئة الموقع، فضلا عن عدم الحفاظ على تدابير السلامة والنظافة، وكذا ما يتصل بتدابير الرصد والمراقبة الذاتية.

ففي قرية “واكليم”، التي تُنتج قرابة 2268 طنا من النفايات حسَب أرقام المديرية الجهوية للبيئة بدرعة تافيلالت، يتم التخلص من النفايات في مطرح عشوائي يبعد بضعة كيلومترات عن الدوار، وفق شهادة أحد القاطنين به، الذي أكد عدم وجود أي حواجز محيطة بجوانب المطرح. وفي السياق نفسه، يفيد مصطفى، قاطن بمنطقة “تازارين” ضواحي زاكورة، بأن أغلب النفايات القروية تُرمى في الأودية والجبال، بينما لا يتوفر المطرح العشوائي على أي سور خارجي، وهو ما يؤكده محمد فريكس، رئيس الجماعة، بقوله إن “مطرح النفايات عشوائي، لأنه لا يستجيب للمواصفات التقنية والعلمية، إذ يتم إحراق الأزبال وطمرها، في انتظار تشييد مطرح مراقب يضم خمس جماعات، بلغت أشغاله المراحل النهائية”.


من جهته، أبرز يوسف، قاطن بقرية “إكنيون” التابعة لإقليم تنغير، أن “المطرح لا توجد به أي لوحة إعلانية بالمدخل، ولا تُعرف طبيعة النفايات المودعة به، بالإضافة إلى أن الدوار يعرف تطايراً للنفايات بسبب الرياح القوية”؛ فيما أوضح محمد برك الله،

رئيس المجلس الجماعي، أن “الجماعة تخصّص شاحنة متوسطة الحجم ودراجة ثلاثية العجلات لجمع النفايات التي يتم حرقها خارج الدوار، دون أن يشكل ذلك مشكلا بالنسبة للسكان”.
كما يَطرح عدم تنظيف جنبات المطرح الملوثة إشكالات كثيرة بتنغير، بتعبير عبد الله الخاديري، رئيس المجلس الإقليمي للمجتمع المدني، ما يؤدي إلى انتشار الأكياس البلاستيكية بالدواوير المجاورة، خاصة بالطريق الوطنية الرابطة بين تنغير والرشيدية، ناهيك عن الروائح الكريهة التي تصل إلى قرى “تماسينت” و”أيت محمد”، نظرا لأن المطرح البلدي يبعد عن المدينة بأقل من 3 كيلومترات فقط، يردف المصدر عينه، الذي يخلص إلى أن “الكثير من النقاط السوداء تشكّلت ببعض القرى، مثل رمي الأزبال بالسواقي، أو تراكم النفايات بالطرقات، لأن شاحنة الجماعة تأتي إليها مرة واحدة في الأسبوع”.

ويرى محمد بدوره، الساكن بقرية “أيت أحمد” بتزنيت، أن “إجراءات المراقبة غائبة تماما في المطرح العشوائي الذي تُحرق به النفايات، أو يتم طمرها بعد انقضاء فترة معينة، لكن ذلك يؤثر بالسلب على جودة المياه الجوفية، ويؤثر أيضا على المحاصيل الزراعية”. ويتقاسم عبد الصمد، المنحدر من قرية “أسول” (تنغير) التي تُنتج قرابة 1553 طنا، المعطى نفسه بإيراده أن “الشاحنة الناقلة للأزبال تتخلص منها في مكان جبلي غير مسيّج، وهو ما يتسّبب في أضرار بيئية خطيرة تنعكس على جودة المحاصيل الفلاحية”.

جهود التطويق البيئي

إعادة تأهيل المطارح العشوائية تجسد أحد أهداف البرنامج الوطني للنفايات المنزلية والمماثلة لها، الذي يرمي إلى إنجاز مطارح خاضعة للمراقبة بجميع المراكز الحضرية، وإغلاق جميع المطارح غير المراقبة في أفق 2020، وهو الورش الذي مازال متعثّرا بالنظر إلى استمرارية كثير من المطارح العشوائية بالمناطق القروية؛ لكن المعطيات التي حصلت عليها هسبريس من الوزارات المشرفة على البرنامج تفيد بأن اللجان التقنية المختصة على كل إقليم أو عمالة بلغت مراحل متقدمة من تقييم دراسات الجدوى، وكذا إعداد ملفات طلبات العروض الخاصة بإنجاز المطارح المراقبة بمختلف الجهات.

إلى ذلك، تشير الوثائق المتوفرة لجريدة هسبريس الإلكترونية إلى أن المديرية العامة للجماعات الترابية قيّمت الحصيلة الجزئية للبرنامج إلى حدود 2015، كاشفة إبرام 105 عقود ذات صلة بخدمات التنظيف وجمع النفايات، أُسندت إلى 19 شركة تتوزع خدماتها بين 150 جماعة ترابية؛ ضمنها 56 جماعة قروية، فيما بلغت الميزانية المخصصة لهذا الغرض 2.13 مليار درهم. أما العقود المخصصة لإحداث مطارح النفايات فناهزت 16 عقداً بميزانية تبلغ 290 مليون درهم، مخصصة لـ10 شركات تتوزع خدماتها بين 94 جماعة ترابية؛ بينها 43 جماعة قروية.

وبالرجوع إلى حصيلة البرنامج سالف الذكر، يُبرز تقرير إنجازات السلطة الحكومية المكلفة بالبيئة خلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2016 أنه تم الرفع من عدد المطارح العشوائية المؤهلة من 22 إلى 33، بينما يوجد 20 مطرحا عشوائيا في طور التأهيل، بالإضافة إلى برمجة 18 مطرحا عشوائيا برسم سنة 2016، ناهيك عن الرفع من عدد المطارح المراقبة من 14 إلى 23 مركزا لطمر وتثمين النفايات، بالموازاة مع برمجة 10 مراكز لطمر وتثمين النفايات برسم سنة 2016؛ في حين خصصت الهيئة الحكومية المعنية 835 مليون درهم لتحسين تدبير النفايات المنزلية.

وساهمت المطارح العشوائية في تعميق التأثيرات المناخية بالمغرب، حيث بلغت نسبة انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون 6 بالمائة في جهة سوس-ماسة برسم سنة 2013، نتيجة إحراق النفايات في الهواء الطلق، ما دفع القطاع الحكومي المكلف بالبيئة إلى وضع أول مخطط جهوي لمحاربة الاحتباس الحراري (PTRC) بجهة سوس ماسة سنة 2018، وذلك بشراكة مع مجلس الجهة في إطار التعاون المغربي الألماني. لكن الكثيرين تساءلوا عن مصير تلك المخططات التي تفرضها التحديات البيئية الكائنة بمختلف الجهات في ظل استمرارية المطارح غير المراقبة.

هسبريس توجهت بمراسلة إلى وزارة الطاقة والمعادن والبيئة-قطاع البيئة بخصوص المنجزات المرتبطة بوضع المخططات الجهوية لمحاربة التغير المناخي، وتوصلت بجواب رسمي يفيد بأن الوزارة أطلقت مجموعة دراسات لإنجاز تلك المخططات في ست جهات بالمغرب سنة 2020؛ بينها جهة درعة-تافيلالت وجهة بني ملال-خنيفرة، بينما توجد هذه الدراسات حالياً في طور المصادقة عليها، وتتضمن حزمة من المشاريع ذات الطابع الاستعجالي بجميع عمالات وأقاليم الجهات في ما يخص قطاعات تدبير النفايات والفلاحة والسكن والصناعة والصيد وغيرها.

نحو قرى مستدامة بالمغرب

أين وصل البرنامج الوطني للنفايات المنزلية والمماثلة لها في ما يتعلق بتأهيل المطارح العشوائية بالجهات الثلاث المعنية بالتحقيق؟ سؤال توجهت به هسبريس إلى المديرية الجهوية للبيئة ببني ملال-خنيفرة، التي تفيد بأن قطاع البيئة بالجهة عمل على إنجاز وتمويل مجموعة من المشاريع؛ بينها مركز الطمر والتثمين بإقليم بني ملال، حيث تهم الأشغال إنجاز أحواض لطمر النفايات وأحواض لتجميع العصارة وبناء المرافق الأساسية، على أساس أنه يستقبل نحو 180 طنا يوميا من النفايات القادمة من جماعة بني ملال والجماعات السبع المجاورة لها، فيما يرتقب ضم نفايات مجموعة الجماعات “تادلة والدير” إلى المركز.

وينضاف إليه مركز الطمر والتثمين الإقليمي بخنيفرة الذي تم إنجازه سنة 2016، بحيث همّت الأشغال إنجاز حوض طمر النفايات وإنجاز نظام يمنع تسرب العصارة، وإنجاز أحواض لتجميعها، مع وضع نظام لتصريف مياه الأمطار خارج المركز، وبناء مرافق إدارية لاستغلال وتدبير مركز الطمر، تشمل إنجاز ميزان قبّاني ومرأب لصيانة الآليات ومحل للحارس وسياج، وتهيئة الطريق والمسالك المؤدية إلى المركز، على أساس أنه يستقبل نحو 140 طنا يومياً من النفايات الناجمة عن ساكنة 22 جماعة لإقليم خنيفرة، دون إغفال مركز الطمر والتثمين الإقليمي بخريبكة الذي تم إنجازه سنة 2013، وسيُمكّن من استقبال نحو 300 طن يوميا من النفايات الناجمة عن 31 جماعة مكوِّنة لإقليم خريبكة.

أما المديرية الجهوية للبيئة بدرعة-تافيلالت فتوضح، في معرض ردها عن تساؤلات الجريدة، أن المطرح المراقب في إقليم الرشيدية سيُنجز بجماعة “الخنك” على مساحة إجمالية قدرها 17 هكتارا؛ ذلك أن قطاع البيئة يساهم بـ21 مليون درهم، فيما سيُنجز المطرح المراقب في إقليم تنغير بجماعة تنغير على مساحة إجمالية قدرها 15 هكتارا، حيث يساهم القطاع بميزانية قدرها 16.8 ملايين درهم، بينما سيُنجز المطرح المراقب في إقليم زاكورة بجماعة “تمكروت” على مساحة إجمالية قدرها 13.5 هكتارات بميزانية تصل إلى ـ13.3 ملايين درهم، في حين تم تأهيل المطرح القديم لورزازات سنة 2016.

وتضمّ مختلف مشاريع المطارح المراقبة بدرعة-تافيلالت المكونات الآتية؛ وهي إنجاز حُفر لطمر النفايات، وأحواض لجمع العصارة مع وضع منظومة لمنع تسرب عصارة النفايات، ووضع منظومة لمعالجة العصارة، وكذا إنجاز بنايات الاستغلال ووحدة لفرز النفايات، إلى جانب إنجاز سياج واق وميزان قبانّي لتتبع كميات النفايات المعالجة بالمطرح. وبالنسبة إلى المديرية الجهوية للبيئة بسوس-ماسة فتُساهم في إحداث مراكز لطمر وتثمين النفايات بكافة أقاليم الجهة، على أساس إنشاء مراكز لتحويل النفايات بالجماعات. فعلى سبيل المثال تمّ إغلاق المطرح الحالي بجماعة “أولاد تايمة” مقابل إنجاز مركز تحويل النفايات والمشابهة لها، حيث تُشارك في المشروع بميزانية قدرها 8 ملايين درهم، وتتكلّف الجماعة ببقية المصاريف.

كما تُساهم المديرية الجهوية، حسَب الوثائق الرسمية التي تتوفر عليها الجريدة، بخمسة ملايين درهم لتأهيل وإغلاق المطرح الحالي بجماعة “إداوكنظيف” مقابل إنجاز مركز تحويل النفايات والمشابهة لها، حيث تلتزم الجماعة بوضع منظومة لاستقبال عصارة النفايات بإنجاز حوض لجمعها، ومنع تسرب مياه الأمطار داخل الحوض. كما وقعت المديرية، كذلك، على اتفاقية خاصة بإنجاز المطرح المراقب لتارودانت الذي تقدر تكلفته بـ106 ملايين درهم، تُساهم فيه الوزارة بـ22.40 مليون درهم، حيث يستوفي بدوره كافة الشروط التقنية المطلوبة، ناهيك عن مساهمة المديرية الجهوية في تأهيل مناطق النفايات بواد سوس على مستوى جماعة أيت ملول، من خلال تخصيص مبلغ 10 ملايين درهم للمشروع.

من المخلّفات العضوية إلى “الذهب الأسود”

لم تعد مهمة تدبير النفايات المنزلية محصورة على المجالس الجماعية فقط، بل انخرطت جمعيات المجتمع المدني في هذا المرفق الحيوي، من خلال ربط جسور التواصل بين السكان والمنتخبين، بالإضافة إلى خلق فرص العمل بالنسبة إلى الشباب. إحدى الجمعيات النشطة في المجال هي “اتحاد الجمعیات التنمویة أمّلن” ضواحي تافراوت، التي عقدت اتفاقية شراكة مع الجماعة الترابية للمساهمة في تثمين نفايات 45 دوارا، تضم أكثر من 4000 نسمة؛ ذلك أن الجماعة مدّت الاتحاد بوسائل نقل النفايات، فيما تعهدت الوزارة المكلفة بالبيئة بدعم المشروع بما قدره 250.000 درھم.

ويحكي الحسين الحسايني، عضو اتحاد الجمعيات، عن حيثيات المشروع بكثيرٍ من الاطمئنان بقوله: “أسّس عدد من العمال تعاونية تسمى ‘أمّلن سرفيس’ قصد التعاقد مع الاتحاد لتقوم في إطارھا بعملیات فرز وجمع وتدویر النفایات بوادي أملن، ليتم تكوينهم من طرف جمعیة مدرسي العلوم والأرض التي نظمت لھم زیارة إلى شركة تدوير نفايات بأكادير، قبل أن نُنظم حملات تحسیسیة لجمع النفایات بالدواوير، ثم جرى اقتناء المعدات الضرورية التي تسلمتها التعاونية، وتتكون من دراجات ثلاثية العجلات لجمع النفايات من الدواوير باتجاه الطريق الرئيسة التي تتوسط الجماعة، ثم تُنقل مباشرة عبر شاحنة الجماعة إلى نقطة الفرز”.

تجربة أخرى تستحق الإشادة بجماعة “إداوكنظيف” ضواحي مدينة تافراوت، لأنها تنشد بلوغ هدف صفر نفايات، وهو المشروع الذي يوجد في أطواره النهائية بعد الانتهاء من الدراسات التقنية والتمويلية، فيما سيتم الشروع في التصاميم الفعلية، بجانب تحسيس القاطنين بالدواوير.

ويتحدث محمد التهار، رئيس فرع جمعية مدرّسي علوم الحياة والأرض بأكادير، عن المشروع قائلا: “سنعمل على فرز النفايات المنزلية بمركز التحويل المخصص لتثمينها، ثم سنقوم بإعادة تدويرها وبيعها، ناهيك عن تشجيع الناس على إرجاع نمط العيش التقليدي، لاسيما ما يتعلق بتربية المواشي في القرى، حتى يتم التخلص من جميع النفايات العضوية”.

ويرى باعلي الصغير، رئيس جمعية الماء والطاقة للجميع، أنه “يجب اعتماد أنماط جديدة من التفكير في ما يرتبط بتدبير النفايات المنزلية، من خلال إشراك المواطنين في العملية، عوض حصْرها لدى الجماعات الترابية فقط، لأنه لا يوجد شيءٌ اسمه النفايات في واقع الأمر، بل سلوكنا هو الذي جعلها نفايات، اعتبارا لأهميتها في تنويع الباقة الطاقية وتسميد الزراعات وتطوير قدرات الطاقات المتجددة؛ ومن ثمّ تحويلها إلى مادة خام تُستعمل في دورة اقتصادية جديدة”. ومع ذلك، هناك نقص في تعاونيات تثمين النفايات بالعالم القروي، وهو ما يُرجعه بلحاج الشهيبي، رئيس الفيدرالية الوطنية لفرز وتثمين النفايات، إلى “قلة كمية” النفايات بالوسط القروي، ما يُخفّض من نسبة الأرباح التي قد لا تغطّي حتى مصاريف الجهود المبذولة من لدن الجمعيات، بتعبيره.

عوائق التخطيط الترابي

يُستشّف مما سبق أن تدبير قطاع النظافة بالوسط القروي يصطدم بالكثير من المعيقات متعددة الأبعاد؛ بعضها يكتسي صبغة مالية، حيث يتعلق أساسا بغياب التوافق والتفاهم بين الجمعيات المشتغلة بالشأن البيئي والجماعات الترابية، وهو ما يُمكن ملامسته في إفادة موحى أحمام، رئيس جمعية “إكنيون للتنمية والبيئة” المسؤولة عن جمع النفايات بجماعة “إكنيون” (تنغير)، حيث يشكو من ضعف المنحة المالية التي لا تتعدى 15 ألف درهم فقط، وهو ما يفسّر تراكم الأزبال بالمركز القروي، ما دفعه إلى مراسلة رئيس الجماعة لزيادة عدد العاملين الموسميين واقتناء شاحنة جديدة، لكن لم يتم التجاوب مع مطالبه إلى حدود كتابة أسطر التحقيق.

ويتقاسم يدير أُوباحو، رئيس “الجمعية التنموية أفتيس” بقرية “تيلمي” التابعة لإقليم تنغير، المشكلة المُعبّر عنها آنفا بإيراده: “الجمعية اقترحت على الجماعة إسناد قطاع النظافة إليها، وهو ما وافقت عليه، لكنها عرضت تعويضات مالية هزيلة أجبرتنا على رفض الفكرة، نظرا إلى الكلفة المرتفعة للتجهيزات وأداء الأجور”. التصريح المذكور يحيل على ضعف الموارد المالية المتاحة للجماعات الترابية، حيث يبرز حساين أوعنوز، رئيس جماعة “تيلمي”، أن الإشكال الأساسي يرتبط بالميزانية.

ويؤكد مولاي آيت الصوف، رئيس جماعة “بوزمو” نواحي ميدلت، صحّة المعلومة أيضا بقوله إن “الإمكانات المالية المرصودة لجمع النفايات ضعيفة للغاية، فيما تتزايد كمية الأزبال المُنتجة بالمداشر القروية”، ثم أضاف: “طرحنا على العمالة إحداث مطرح مشترك بين الجماعات، لكن لم تُنفذ الفكرة بعدُ”. من هنا يُمكن استنتاج معيقات أخرى ذات صبغة تدبيرية، تتمثل في عدم تفعيل التعاون بين الجماعات، من خلال التأخر في إحداث المطارح العمومية “البيجماعاتية”. والدليل على ذلك هو “تلكّؤ” المجلس الإقليمي بتنغير بشأن إنجاز “المطرح البيْجماعاتي” منذ سنوات؛ الأمر الذي أكده محمد إيجود، رئيس جماعة “أيت سدرات السفلى”، بقوله: “المشروع لم يخرج إلى حيز التنفيذ، لكننا مازلنا ننتظر تفعيله مستقبلا”.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك خصوصية ترابية تتعلق بتشتت المنازل بالوسط القروي، ما يزيد من صعوبة جمع النفايات في ظل هشاشة البنيات التحتية بتلك المداشر، ناهيك عن التكلفة الباهظة لمعالجة وتثمين النفايات، ما يجعل من تمويل نظم إدارة النفايات الصلبة معضلة حقيقية بالمجالس الجماعية. إلى ذلك، لا تحظى المشاريع البيئية بالأهمية الكبرى لدى أغلب الجماعات القروية، وهو ما لاحظته هسبريس من خلال تصريحات جلّ رؤسائها الذين لا يُدرجون هذه النقطة في البرامج الانتخابية. وبالرغم من الإعانات المالية التي تُقدمها “وزارة البيئة” للجماعات في إنجاز المطارح، إلا أن أغلب رؤسائها لا يأخذون زمام المبادرة للتواصل مع المسؤولين المركزيين، يؤكد ذلك مسؤول جهوي لـ”وزارة البيئة”.

فنّ تدوير النفايات بالعالم

وقلّما حقق التدبير المباشر من طرف الجماعة نتائج مرضية، بالنظر إلى تطور متطلبات الساكنة، وهو ما توضحه بجلاء دراسة أعدّتها المندوبية السامية للتخطيط حول تأثيرات التغيرات المناخية سنة 2016، خلصت إلى أن 65 بالمائة من المواطنين غير راضين عن تدبير النفايات بالمغرب. كما يسائل الواقع الراهن للقطاع تدابير الإعلام والتوعية بالوسط القروي، حيث لا يتم ضمان الولوج إلى المعلومة البيئية المحلية، لكن المخططات الجهوية للبيئة ترمي إلى تفعيل نظم معلوماتية جهوية للتنمية المستدامة، وفق توضيح توصلت به هسبريس من قبل وزارة الطاقة والمعادن والبيئة-قطاع البيئة.

ويُمكن إيراد نقطة ذات أهمية أيضا هي قلة الدورات التكوينية الرامية إلى تطوير مؤهلات المنتخبين المحليين في ميدان النظافة وجمع النفايات، مثلما تنص على ذلك المادة السادسة من القرار المشترك لوزير الداخلية وكاتب الدولة المكلف بالبيئة رقم 2.817.10 لسنة 2011. نتيجة لذلك، تخلص دراسة بحثية، منشورة من طرف مؤسسة “هنريش بول” بشأن تدبير النفايات المنزلية والمشابهة بالمغرب، إلى أن النظام الحالي لإدارة النفايات، القائم على الجمع الآلي والطمر الصحي، نظام غير مناسب للوسط القروي.

وتعليقا على ذلك، يوضح محمد الديش، رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل، أن الوضع الحالي يفرض معالجة “جذرية” نظرا إلى الأهمية الإيكولوجية للتضاريس الجبلية، سواء في التنوع البيولوجي أم جودة المياه، ليؤكد أن السلطات المحلية مطالبة بإحداث مطارح نفايات صديقة للبيئة. أما أيوب كرير، الباحث في مجال التنمية المستدامة، فيلفت إلى أن الجماعات القروية تفتقد لرؤية آنية أو استشرافية تجاه المجال البيئي، ما يعكس “محدودية” تكوين رؤسائها، خاتما بأن السكان واعون بالخطورة البيئية للمطارح العشوائية بفعل تضرّر حقولهم الزراعية، غير أنهم لا يجدون أي مبادرات ميدانية للانخراط فيها.

وفي ظلّ ارتفاع مصاريف التدبير الجماعي لقطاع النظافة دون تحقيق الجودة المطلوبة، يقترح عبد الرحيم الكسيري، المنسق الوطني للائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، الابتعاد عن “الطريقة الليبرالية” في تدبير النفايات بالمدن الكبرى مقابل نهج سياسات محلية بالوسط القروي، عبر عقد اتفاقيات شراكة مع الجمعيات المدنية، وتحفيز الأسر لإرجاع نمط العيش القروي (تربية المواشي) للتخلص من النفايات العضوية، بالموازاة مع تخصيص أمكنة محددة لجمع النفايات البلاستيكية قبل فرزها ومعالجتها مقابل منح أجور شهرية للمتطوعين، ليشدد على أن “السياسات الحالية ستبقى فاشلة ومكلّفة لأنها تنطلق من مقاربة خاطئة”، حيث ضرب المثال بالتجربة “الناجحة” للجمعيات في تسيير الماء الشروب بالعالم القروي.
صفوة القول إن الطريقة الحالية للتخلّص من النفايات الصلبة أو المعالجة غير المناسبة تنشأ عنها مخاطر جمّة على الأنظمة الإيكولوجية بالأرياف المغربية، ما يتطلب تزويد عمليات صنع القرار المحلي بمعارف جديدة من شأنها تقليل الضرر البيئي القائم، من خلال الاطلاع على مجموعة من التجارب الناجحة بأمريكا اللاتينية وببعض الدول الأسيوية، حيث يتم إشراك السكان والقطاع غير المهيكل في العملية التدبيرية من جهة، وتمويل الأبحاث العلمية بشأن قضايا النفايات في المناطق الجبلية من جهة ثانية، والاستعانة بالمعدات التكنولوجية المتطورة، حيث تعتمد مدينة “ساو باولو” البرازيلية على تقنيات المعالجة الميكانيكية والمعالجة البيولوجية لإدارة القطاع من جهة ثالثة، وتحويل النفايات العضوية إلى أسمدة زراعية مثلما يحدث بالقرى الهندية من جهة رابعة.

hespress.com