على مرمى حجر من مدينة سيدي يحيى الغرب، يُوجد مطرح للنفايات ممتد على مساحة شاسعة تُلقى فيه كل يوم عشرات الأطنان من النفايات بمختلف أنواعها، يرتدّ التلوث الناجم عنها إلى السكان القاطنين في أحياء لا تبعد عن المطرح سوى ببضع مئات من الأمتار.

خرق للقانون

تتم معالجة أطنان النفايات التي تفرغها شاحنات النظافة في مطرح سيدي يحيى الغرب بالحرْق بعد أن تتراكم كميات هائلة منها على شكل تلال، حيث يتم قلبُها بالجرافات وتوقَد فيها النار، فيتشبع هواء المدينة ونواحيها بأدخنة موبوءة؛ وهو ما يقول السكان إنه يشكل خطرا عليهم.

لم يجد المسؤولون عن تدبير الشأن المحلي بسيدي يحيى الغرب أي حرج في جعل مطرح النفايات جنب الطريق مباشرة؛ ولإخفائه أحاطوه بكثبان رملية، لكنّ اللافت للانتباه هو أنه لا يبعد عن المستشفى الميداني لعلاج المصابين بفيروس كورونا والثكنة العسكرية سوى ببضع مئات أمتار.

وُجد هذا المطرح قبل ثلاثين سنة، ظل خلالها سكان مدينة سيدي يحيى الغرب متعايشين مع التلوث الناجم عنه، وحاليا تجري الأشغال في عين المكان من أجل إحداث مركز لتحويل النفايات الصلبة إلى سيدي سليمان، بينما ستُحدث أحواض للتخلص من عصارة النفايات، حسب إفادة فاعلين جمعويين.

ويقول هؤلاء السكان إن إحداث أحواض للتخلص من عصارة النفايات بمطرح سيدي يحيى الغرب لا يقل خطرا عن الطريقة التي تعالَج بها نفايات المطرح حاليا، أي الطمر والحرق، مشددين على أن المطلوب من مسيري الشأن المحلي هو إبعاد المطرح عن محيط المدينة بمسافة خمسة كيلومترات على الأقل.

يشير محمد بليليط، المحامي بهيئة القنيطرة، إلى أن مطرح النفايات بسيدي يحيى الغرب تكتنفه جملة من الخروقات القانونية؛ أوّلها أنه جُعل وسط فضاء غابوي من المفروض أن يحظى بالحماية، وثانيها أنّ حرق الأزبال في فضاء مفتوح ممنوع بقوة مقتضيات القانون 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها.

وتنص الفقرة الأولى من المادة السابعة من القانون المذكور على أنه: “يُمنع إحراق النفايات في الهواء الطلق، باستثناء النفايات النباتية المتأتية من الحدائق ووقيد القش الذي يتم في الحقول”؛ وتؤكد الفقرة الثانية من المادة نفسها أنه “لا يمكن إحراق النفايات بغرض التخلص منها إلا في المنشآت المعدّة لهذا الغرض”.

هذان المقتضيان الواردان ضمن القانون المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها ليسا سوى مجرد حبر على ورق، إذ لا يُطبَّقان من طرف الجهات المسؤولة عن تدبير النفايات في مطرح سيدي يحيى الغرب، حيث يتم إحراق النفايات بجميع أنواعها، من مواد بلاستيكية وأقمشة وغيرها من المخلّفات، في الهواء الطلق قريبا من الأحياء المأهولة بالسكان.

ويؤكد المحامي محمد بليليط أن وجود مطرح سيدي يحيى في مكان قريب جدا من الساكنة “أمر غير قانوني، ومخالف لكل النصوص القانونية المنظمة للمطارح وطريقة تسييرها”، مضيفا “القانون يمنع أن تتموقع مطارح النفايات في منطقة غابوية، وإقامة المطرح في هذا المكان هو خرق القانون. هنا واضح ولا يحتاج إلى أي اجتهاد”.

“مركز سرّي”

عندما تدلف إلى مطرح النفايات بسيدي يحيى تجد نفسك وسط فضاء موبوء. رائحة كريهة لا تطاق، وتِلال من النفايات من مختلف الأنواع تحوم حولها أسراب من الذباب. أطنان النفايات الموجودة في هذا المطرح تعود أضرارها على السكان، عن طريق الهواء عند حرْقها، وعن طريق عُصارتها الملوّثة للأرض وللفرشة المائية.

في عمق المطرح، ثمّة جرافات وآليات تشتغل بدون توقف في إطار توطين مركز لتحويل النفايات. لا يوجد في عين المكان أي دليل أو إعلان عن المشروع الذي تزيد القيمة المالية لصفقة إنجازه، بحسب المعطيات التي حصلت عليها هسبريس، عن 3 مليارات و200 مليون سنتيم (32.440.020.00 درهم).

غياب أي إعلان يحتوي على معلومات حول توطين مركز تحويل النفايات، وقيمة الصفقة، والشركة الفائزة بصفقة، والمدة التي ستستغرقها أشغال إنجازه، “هو خرق سافر للقانون المنظم للصفقات العمومية”، يقول إدريس الگرش، من فعاليات المجتمع المدني بمدينة سيدي يحيى الغرب.

ويسجّل المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن الخروقات القانونية التي تحيط بمشروع إنجاز مركزي تحويل النفايات بسيدي يحيى الغرب لا تقتصر فقط على غياب الشفافية في إسناد صفقة إنجازه؛ بل إن الجهات المعنية به، من الجماعة المحلية والسلطات العمومية، لم تمكّن جمعيات المجتمع المدني بالمدينة من البحث العمومي، الذي يخوّل لها حقّ التعرّض، وفقا لما يكفلها لها القانون، مضيفا: “هذا المركز أنشيء خلسة وفي غفلة من الجميع”.

الشركة المكلفة بإنجاز أشغال مركز تحويل النفايات بمطرح سيدي يحيى الغرب حوّلت المكان إلى ما يشبه ثكنة عسكرية. بمجرد شروعنا في التصوير، سارع ثمانية عمال إلى تطويقنا، ومنعونا من إكمال عملنا، بداعي أن مسؤولي الشركة المكلفة بإنجاز المشروع ومسؤولي السلطة المحلية أمروهم “بعدم السماح لأي كان بالدخول”، كما قال أحد العمال.

وفي أجواء محفوفة بالتهديد، سارع أحد العمال إلى قيادة جرافة ضخمة وأغلق بها مدخل المطرح لمنعنا من تحريك السيارة، في عملية أشبه بالاحتجاز، قبل أن يتلقوا تعليمات من مسؤوليهم بـ”إخلاء سبيلنا”، معللين تصرفهم غير القانوني بكونهم “لا ينفذون سوى التعليمات”.

مطرح قُبالة مستشفى

مساء يوم الأحد الماضي، تمّ إحراق أطنان النفايات المكدّسة في مطرح سيدي يحيى الغرب، وغرقت المدينة في التلوث، ولم يسلم منه حتى المصابون بفيروس “كورونا” الذين يعالَجون في المستشفى الميداني المجاور للثكنة العسكرية على بُعد مئات أمتار فقط.

بغضب كبير، يعبّر عيد ناس صالح، ناشط جمعوي بسيدي يحيى الغرب، عن وجود مطرح للنفايات بمحاذاة المدينة، وعن توطين مركز لتحويل النفايات في عين المكان، قائلا: “سيدي يحيى الغرب تعيش كارثة بيئية بجميع المقاييس”، ذاهبا إلى القول: “هذه جريمة في حق البيئة، وفي حق الساكنة، وفي حق كل الكائنات الحية بالمنطقة”.

وأضاف الفاعل الجمعوي ذاته أن توطين مركز تحويل النفايات “سيكون لديه تأثير سلبي أكبر على البيئة، وإنجازه تم في خرق تام لجميع القوانين المنظمة للعمل البيئي، إذ لم يكن مسبوقا بأي بحث عمومي لكي يكون الناس على اطلاع به ويعبّروا عن اعتراضهم عن إقامته أو قبوله، كما لم يُشرك إنجاز المجتمع المدني، علما أنه شريك أساسي في اتخاذ القرارات، كما تقتضي ذلك الديمقراطية التشاركية”.

وأكد عيد ناس صالح أن سكّان مدينة سيدي يحيى الغرب ليسوا ضدّ إقامة مركز لتحويل النفايات؛ ولكنهم يطالبون بأن يكون بعيدا عن محيط المدينة بمسافة لا تقل عن خمسة كيلومترات، مشيرا إلى أن ما يزكّي عدم قانونية المركز الذي تجري أشغال تهيئته هو أن مجموعة الجماعات الترابية المشرفة عليه رفضت تسليم دفتر تحمّلات المشروع إلى هيئات المجتمع المدني.

وتنتظر فعاليات المجتمع المدني وسكان سيدي يحيى الغرب من السلطات، على المستوى المركزي، أن تتدخل من أجل التحقيق في مشروع إنجاز مركز تحويل النفايات بالمدينة، وإلزام المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي بإبعاد التلوث المحيط بالسكان منهم، واحترام مقتضيات القانون المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها.

وفي انتظار ذلك، يعبّر الفاعلون المدنيون في المدينة عن غضبهم من المسؤولين المدبّرين للشأن العام. غضب عبّر عنه إدريس الگرشي بقوله: “نصيب سيدي يحيى من التنمية ليس إلا هذا المطرح الذي نعاني منه منذ ثلاثين سنة. وكما ترون، فهو قريب جدا من المستشفى العسكري ومن شارع محمد الخامس، وكان يلزم على مسؤولي مجموعة الجماعات الترابية يحشمو على عراضهم وما يْديروهش فهاد المكان”.

[embedded content]

hespress.com