ليست صناعة السكر بدعة في حياة المغاربة، لأنها تضرب في عمق تاريخ المملكة، لكن معاملها التاريخية لم تحظ للأسف بالعناية التي تستحقها؛ فكتب التاريخ لم تحفظ لنا إلا إشارات مقتضبة عنها، والأمر نفسه بالمراجع الأجنبية، حيث نعثر على بضعة أسطر بمؤلف لـPaul Berthier، تحت عنوان:Les anciennes sucreries du Maroc et leurs réseaux hydrauliques، تشير إلى أن وادي القصب (القصوب بتعبير أهل المنطقة) منبع الحياة ومعمل السكر بجماعة أكرض بإقليم الصويرة.
محمد أوبيهي، أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط، أوضح أن “قبائل احاحان اهتمت بصناعة قصب السكر خلال فترة السعديين، إذ أنشأ عبد الله الغالب السعدي معملا لهذا الغرض بقبيلة اداوكرض خلال القرن 16، لأهمية هذه المادة في التبادل التجاري مع أوروبا، ولكونها ركيزة أساسية لدعم اقتصاد الدولة السعدية، التي جنت منها أرباحا طائلة واستعملتها للمساومة”.
وفي تصريح لهسبريس قال أوبيهي: “تعددت المؤهلات الاقتصادية لقبائل احاحان التي تنتمي إلى سلسلة جبال الأطلس الكبير الغربي، وبفضل موقع تواجدها كجسر بين الشمال والجنوب المغربي، وانفتاحها على المحيط الأطلنتي، ازدهرت بها الحركة التجارية، وجعلتها ثروتها المائية مجال جذب وإغراء للبرتغاليين”.
وأورد المتحدث نفسه: “تدخل هذه المنطقة في إطار المناطق شبه الجافة عموما، فأغلب أنهارها موسمية وغير منتظمة الجريان، ووادي القصب القريب من معمل السكر بإداوكرض ينقسم إلى شقين: أكر أونزار ووادي أيت زلطن”.
وواصل هذا الباحث الذي أنجبته قبائل احاحان: “كل رافد منهما ينبع من مكان معين، فالأول ينبع من جبل بوركرون وجبل اكران بمتوكة، في حين أن وادي أيت زلطن ينبع من مرتفعات أيت داوود، وهو يسقي كلا من اداوزمزم وأيت زلطن وابنكنافن واداوكرض”.
إن مصادر المياه ليست كثيرة في احاحان، ومعامل السكر تحتاج إلى القوة المائية لتحريك عجلاتها، ما يطرح فرضية جلبها من أماكن بعيدة، وهذا ما تأكدت منه هسبريس خلال زيارتها إلى معصرة أكرض، حيث آثار السواقي التي تجلب المياه من مناطق بعيدة وقريبة.
حسناء الحداوي، المحافظة الجهوية للتراث الثقافي بجهة مراكش آسفي، أوضحت أن “هذا المعمل لم ينل حقه من العناية من الباحثين في مجال التاريخ والآثار”، مضيفة: “قررت وزارة الثقافة أن تقوم بمبادرات جريئة رصدت لها موارد مالية، ما مكن من تقييد وترتيب أكبر المعالم التاريخية بهذه الجهة”.
وفي لقاء مع هسبريس، واصلت الحداوي: “تم الانتهاء من 6 ملفات أرسلت إلى المصالح المركزية لوزارة الثقافة، ونشتغل على 6 ملفات أخرى من بينها ملف معمل أكرض بمنطقة احاحان بإقليم الصويرة، الذي يرتبط بالعهد السعدي”.
ويتكون معمار هذا المعمل، الذي يوجد بالجهة الجنوبية الشرقية لمدينة الصويرة، من جزء يدخل ضمن العمارة المائية، والثاني بناء مهيكل داخل معصرة، وفق المحافظة ذاتها، التي تابعت موضحة بأن “السور الذي بني من الطين توجد عليه قناة لنقل المياه من ينبوع إيرغان نحو الناعورة”.
كما أوضحت الحداوي أن “المياه التي تحرك عجلات هذه المصانع في حاجة إلى أن تجلب من مصادرها، وإلى أن ينظم استغلالها حتى تأتي بالنتائج المرجوة، سواء في ميدان الري أو في ميدان الصناعة، لأن قصب السكر يحتاج إلى ما يقرب من 1500 مليلتر من الماء”.
“وتقوم هذه الناعورة بقاعة أرحية، حيث يطحن قصب السكر، ليوجه عصيره إلى قاعة التصفية، بعد مروره من قاعة المعالجة. أما الماء الذي كان يدور بواسطة العجلة المائية فيتم توجيهه نحو الولجة السفلى، لسقي الأراضي الزراعية”، تقول حسناء الحداوي.
وأشارت المحافظة إلى أن “داخل سور معصرة السكر بالجماعة الترابية القروية أكرض توجد بقايا أثرية لقصور العبيد الذين كانوا يكلفون بصناعة السكر وقوالب هذه المادة التي لا تفارق شاي وقهوة المغاربة”.
وأرجعت المسؤولة ذاتها أسباب خراب معامل السكر بأكرض إلى أن “قصب السكر كان يحتل أحسن الأراضي وأوفرها ماء، ويتمتع بإمكانيات السقي الوفيرة، وبذلك يحرم السكان من غرس المزروعات التي يعتمدون عليها في عيشهم وعيش دوابهم، ما جعلهم ينظرون إلى هذه النبتة نظرة كراهية واشمئزاز؛ وبضعف قوة السلطة المركزية تم تخريبها”.
وعن دور تثمين هذا التراث المادي التاريخي، قال مصطفى بلينكا، رئيس المجلس الجماعي لأكرض: “سيلعب ذلك دورا كبيرا في التنمية المحلية لجماعة توجد على مساحة 85 كيلومترا مربعا، ويقطنها حوالي 5378 نسمة، وفق الإحصاء الديمغرافي لسنة 2014، جلهم يعيشون على الفلاحة المعيشية والرعي”.
وزاد المسؤول ذاته أن هذه الجماعة تضم ما يزيد عن 20 مؤسسة سياحية، سيكون لتثمين معصرة السكر تأثير فعال على حركتها الاقتصادية، ما سيعود على سكان المنطقة بالنفع، حين تصبح الآثار التي خلفها السعديون مزارا سياحيا.
هسبريس نقلت انتظارات سكان الجماعة والمثقفين والمنتخبين والمرشدين السياحيين وجمعيات المجتمع المدني بمنطقة احاحان، التي تزخر بهذا التراث الذي يعد “ياقوتا وعنبرا”، حسب تصريحاتهم المتطابقة، إلى زهور أمهاوش، المديرة الإقليمية لوزارة الثقافة بالصويرة، التي زفت للسكان خبر العمل على تثمين مصنع السكر.
وتابعت المسؤولة ذاتها، في تصريح لهسبريس، بأن إدارتها منكبة على ملف هذه المعصرة التاريخية، لتقييدها ضمن الآثار الوطنية، مبرزة أن “هذا المشروع سيلعب دورا مهما في التنمية المحلية للجماعة القروية أكرض”.
وزادت أمهاوش موضحة أن “هذا المعمل سيشكل أهم محطة ومدار سياحي ضمن السياحة القروية بإقليم الصويرة، الذي يعرف نقصا كبيرا على مستوى المدارات السياحة الثقافية”، خاتمة: “سيرى هذا المشروع النور خلال سنة 2022”.