قد يتداخل مفهوم المشاركة السياسية بغيره من المفاهيم الاجتماعية الأخرى باعتبارها إحدى أهم فصول العلوم الاجتماعية؛ غير أن ما يميزها كونها إحدى أبرز ركائز “الديمقراطية”، إذ لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون مشاركة سياسية حقيقية وكاملة؛ وبالتالي يمكن القول إن المشاركة السياسية تعني مشاركة أكبر عدد من المواطنين، أفرادا وجماعات وهيئات، في الحياة السياسية. والحياة السياسية ليست بالضرورة الانتخابات والاستحقاقات الموسمية، بل هي انخراط دائم في الهم السياسي بكل روافده الاقتصادية والاجتماعية والنقابية والشبابية؛ وحتما لا يتأتى ذلك إلا بالانتماء والانخراط في المؤسسات التي تشكل عصب الديمقراطية، ألا وهي الأحزاب والنقابات والتنظيمات السياسية التي أوكل لها الدستور مهام تمثيل وتأطير المواطنين، كما أقر ذلك الفصل 7 منه: “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية…”.

كانت ومازالت المشاركة السياسية مطلبا ملحا لكل المغاربة المقيمين بالخارج، مطلب ليس بالموسمي الذي يستفيق عند سماع أولى أصوات طبول انطلاق موسم الانتخابات التشريعية، مطلب لا تمليه مصالح ضيقة تتمثل في الحصول على مقعد في قبة البرلمان ولا أطماع مالية تتلخص في تحصيل تعويض مادي قد يضيع كله في التنقل؛ بل هو مطلب يعكس استمرارية الوطن داخل هذه الفئة بأدق تفاصيله، مطلب يعكس قوة رابط المواطنة التي تجمع مغاربة العالم بالمغرب رغم أن 20 بالمائة منهم ولدوا ببلدان إقامتهم؛ ورغبتهم التي تزداد يوما عن يوم في المشاركة في الأوراش الكبرى التي يعرفها مغرب اليوم والغد .

إذا كنا نؤمن بأن مغاربة الخارج ‑ الذين لامسوا سقف 5.8 ملايين مغربي ومغربية ‑ هم مواطنون كاملو المواطنة طبقا للفصل 17 الذي يِؤكد ما يلي: “يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات، ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية، المحلية والجهوية والوطنية…”، فهم كذلك يحملون في دواخلهم كل هموم بلدهم أينما رحلوا، رغم اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي في بلدان إقامتهم، فإننا لا يمكن أن ننكر أن لبلدهم الأصل حظ وفير في كل نجاحاتهم واستثماراتهم وتحويلاتهم، بحيث يعتبرون من أهم مصادر العملة الصعبة، إذ تناهز تحويلاتهم 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي و13 في المائة من الودائع البنكية .

مطلب التمثيلية البرلمانية للمغاربة المقيمين بالخارج مازال يواجه العديد من الصعوبات التي صنفها البعض بالسياسية والإدارية والتقنية، مع التعذر بكون العديد من دول الإقامة لا تستسيغ تنظيم انتخابات أجنبية فوق أراضيها، مع عدم وضوح الجهة الموكول لها مراقبة هذه الانتخابات، رغم أن الاستفتاء على الدستور يقام بالقنصليات والسفارات داخل هذه البلدان، وهو السؤل الذي سيبقى مطروحا بحثا عن جواب .

إلا أن المشاركة السياسية لمغاربة العالم مثل باقي مكونات المجتمع المغربي تبدأ بانخراطهم في المؤسسات السياسية بالمغرب، وتمتد إلى ضرورة حصولهم على تمثيليات ليس في البرلمان فقط أو في الهيئات المكلفة بمغاربة العالم، ولكن في المجالس الدستورية الأخرى كما جاء في الفصل 18 من الدستور: “تعمل السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة، التي يحدثها الدستور أو القانون”. فلكل المغاربة سواء داخل أو خارج المغرب الحق في الترشح أو التقدم لعضوية أحد هذه المجالس، مثل مجلس الجالية المغربية بالخارج والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التميز، ومجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وباقي هيئات الحكامة الجيدة والتقنين والهيئات المكلفة بالنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية.

وبصفتي مغربيا مقيما بكندا لأزيد من أربعين سنة، وكحامل للهم الوطني الذي صرفته دائما من خلال دفاعي عن حقوق مغاربة العالم في التمتع بكامل مواطنتهم، سواء في شق الواجبات أو الحقوق، عبر الاشتغال إلى جانب هيئات المجتمع المدني المشتغلة في مجال مغاربة العالم، أرى أن الدفاع عن حقوق مغاربة العالم يجب أن يكون من خارج المؤسسات الحزبية ومن داخلها كذلك، لما توفره هذه الإمكانية من الوقوف عن قرب على دواليب صناعة القرار الحزبي، وإبداء المشورة والرأي في العديد من المحطات المصيرية التي من شأنها التعريف بقضايا الجالية باللغة الصحيحة، والتوجه بالاقتراحات للجهة الصحيحة؛ ناهيك عن أن الاشتغال من داخل المؤسسة الحزبية يتيح الفرصة للاشتغال بشكل مؤسساتي ومضبوط يضمن التجاوب مع الاقتراحات والأفكار المطروحة.

وإذا كنا نعلم أن العديد من الأحزاب السياسية المغربية تدبج برامجها بتصورات واقتراحات لوضعية مغاربة العالم في الخارطة الاقتصادية والسياسية، إلا أننا لم نر إلا القلة القلية منها تفتحت أبوابها بشكل جدي لأبناء الجالية المغربية للانخراط في دواليبها وتمكينهم من ولوج مراكز صناعة القرار الحزبي بداخلها، من خلال إنشاء تنسيقيات وفروع دائمة وليست موسمية.

ويعتبر حزب التجمع الوطني للأحرار من الأحزاب التي خبرت مبكرا المكانة المهمة للمغاربة المقيمين بالخارج، ما دفعها إلى تخصيص حيز مهم لهم ولقضاياهم، ليس فقط في برامجها ومبادئها ومشاريعها المستقبلية، ولكن في دواليبها التنظيمية وأنشطتها اليومية من خلال فتح الباب على مصراعيه للمشاركة في كل الأنشطة التي يقومه بها الحزب على المستوى الوطني والدولي، ولتقديم اقتراحاتهم والمساهمة بالخبرات والتجارب التي اكتسبوها في بلدان إقامتهم، بحيث بادر “الأحرار” إلى إنشاء هيكلة تنسيقية محكمة لمنسقي الجهة رقم 13 بإشراف عضو المكتب السياسي أنيس بيرو، الذي يعتبر المهندس الحقيقي لهذه العملية؛ ووضعت برامج شهرية للقاء بين كل المنخرطين والمنسقين عبر العالم لتدارس أهم القضايا التي تهم المغرب، سواء بالخارج أو الداخل، بعيدا عن المنطق الموسمي الذي طبع التعاطي مع قضايا ومشاكل الجالية المغربية دائما .

hespress.com