إذا كان عيد الأضحى هذه السنة قد مرّ في أجواء فاقدة للشعور العام بالفرح مقارنة مع أعياد السنوات الفارطة، رغم نحْر الناس للأضاحي وإنْ لم يجتمعوا في المصلّيات لأداء صلاة العيد وتبادل التهاني، فإن أجواء عيد هذه السنة كانتْ أشدَّ قسوة على المغربيات والمغاربة العالقين في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتيْن.

بضعة أمتار فقط تفصل المكان الذي آوتْ إليه عشرات المغربيات العالقات في مدينة سبتة عن بوابة معبر “طارخال”، الفاصلة بين تراب المدينة المحتلة وبين التراب المغربي، لكنهنّ حُرمْن من قضاء عيد الأضحى بين ذويهنّ، لاستمرار إغلاق المغرب حدوده البرية مع جارته الشمالية، وعدم استفادة العالقات والعالقين بالمدينتين السليبتيْن من رحلات المغادرة الاستثنائية.

“الله بوحدو اللي عالم كيفاش دوزنا العيد. دوزناه في العذاب الأليم”، تقول سيدة مغربية عالقة في مدينة سبتة في اتصال مع هسبريس، قبل أن تسردَ، بصوت مخنوق بالدموع، تفاصيل عيشهن وراء الحاجز الحدودي، قائلة: “حْنا بنا مية واربعين د العيالات، ستّين بِنا عايشين في متجر ديال الخزين كانوا كيبيعو فيه الشراب حشاك”.

تشرف الدولة الإسبانية ومنظمة الهلال الأحمر الدولية على توفير الرعاية الاجتماعية والطبية للمغربيات العالقات في مدينة سبتة المحتلة، لكنّ غصّة كبيرة تجثم وسط حلوقهن، بسبب عدم إقدام السلطات المغربية على إرجاعهن إلى بلدهن، وجاء عيد الأضحى ليزيد من ألمهنّ بعد أن قضينه بعيدا عن أهلهن وذويهنّ.

ورغم أنّ بعض الأسر المغربية المقيمة في سبتة حاولت التخفيف عن المغربيات العالقات هناك، وأقامت لهنّ وليمة بمناسبة عيد الأضحى، فإن دواخلهنّ تتمزق ألما، وهنّ يوشكن على إكمال نصف سنة مغتربات رغما عنهن. وعبّرت السيدة التي تحدث إلى هسبريس عن هذا الإحساس بالقول: “البارح واحد السيدة دارت لينا وليمة وتهلات فينا، ولكن قلبنا محجّْر. عيينا ما نبكيو ومزال كنبكيو، ما حنا بخدمتنا، ما حنا قادرين نرجعو لبلادنا”.

تقول سعيدة، إحدى المغربيات العالقات في مدينة سبتة منذ إغلاق المغرب حدوده البرية مع إسبانيا منتصف شهر مارس الماضي: “گاع الدول رجّعات المواطنين ديالها وحْنا الحكومة ديالنا كتقول علينا خدامات فإسبانيا وحنا غير حاصلات هنايا”، مضيفة، في اتصال مع هسبريس: “كنباتو فالخْزين (مخازن البضائع) تخت الزّنك، والعيالات ملي كيحرقهم الصهد كيخرجو لبرا ومكيشوفوشي النعاس. تقهرنا”.

سعيدة كانت تعمل ممرضة في مصحة خاصة بمدينة تطوان، ومنذ أربعة أشهر ونصف وهي بعيدة عن أهلها، وتوقفت عن عملها رغما عنها، بعد أن كانت في زيارة إلى مدينة سبتة المحتلة وصادف ذلك إغلاق الحدود بين المغرب وإسبانيا بسبب جائحة كورونا، ولا تعرف هل ستجد منصب عملها في انتظارها بعد عودتها إلى المغرب أم ستفقده، بسبب رفض السلطات المغربية إرجاعَها هي ورفيقاتُها العالقات هناك.

“البوليس ديال اسبانيول كيقولو لينا الدولة ديالكم هي اللي ما بغاتشي ترجعكم”، تقول سعيدة، قبل أن تعرّج على عملية إعادة عشرات المغاربة العالقين في سبتة على متن حافلات، معتبرة أن هذه العملية بالنسبة إليها ورفيقاتها الأخريات “كانت غير إشاعة، حيت خرّْجو غير اللي بغاو، واللي ما بغاوهومش خلاوهوم مليوحين هنا”، وفق تعبيرها.

يوم أمس تنفست المغربيات العالقات في سبتة الصعداء عندما قررت دول الاتحاد الأوروبي إبقاء حدودها مع المغرب مفتوحة، ولكن سرعان ما عاد القلق من مصيرهن غير الواضح ليداهمهنّ بسبب غياب أي تحرك من الجانب المغربي لإعادتهن، أو على الأقل إحاطتهن علما بما إن كانت السلطات المغربية تفكر في إرجاعهن أم لا.

تقول سعيدة: “بغينا غير شي مومن من المسؤولين ديالنا يقول لينا واش غادي نرجعو لبلادنا ولا غادي نقْضيو عمرنا كامل هنا. بينّا والديوانة (تقصد المعبر الحدودي) غير خمسة د دقايق، والسبليون كيقولو لينا ماشي حنا اللي ما بغيناش نفتحو لكم، المغرب هو اللي ما بغاكومش”، مضيفة: “حنا كنتعذبو، عيالات ورجال، والناس بغات تنتاحر، هادي يوماين واحد الشاب لاحْ راسو من دوزيام إطاج”.

hespress.com