احتفاء بمشروعه الشعري الممتد لأربعة عقود، أفردت أكاديمية المملكة المغربية تكريما للشاعر المغربية محمد بنيس، ضمن كتاب موسوم بعنوان “محمد بنيس مقامُ الشعر”؛ وهو عمل يستعرض حياة وأعمال الشاعر المحتفى به، ويتضمن شهادات شعراء ونقاد مغاربة وعرب وأجانب في حقه، وصورا بالأبيض والأسود مع أصدقائه وأخرى توثق لمشاركاته المكثفة في محافل شعرية وثقافية مختلفة.

كتاب “محمد بنيس مقامُ الشعر” يمكن أن يُقرأ أيضا بوصفه “رواية تحكي سيرة شاعر اختار أن يظل وفيا لكتابة قصيدة متجددة، تجول في آفاق الثقافة الإنسانية، شاعر اختار منذ البدء ألا يفعل شيئا آخر غير الكتابة والوفاء للشعر، يتأمل الأشواق، والأهواء، والحسرات، والصداقات… وهموم الوطن”، كما جاء في تقديم عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية.

ويصف أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية الشاعرَ محمدا بنيس بكونه “شاعرا داخل القصيدة وخارجها”، مشيرا إلى أنه “لحكْمة ما، تزامن صدور ديوانه الأول “ما قبل الكلام” عام 1968 مع ثورة الطلاب الفرنسية (ماي 1968)، ثم صدور ديوانه الثاني “شيء عن الاضطهاد والفرح” (1972) عن مطبوعات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب”.

ويضيف الحجمري: “لقد كان اختيار الكتابة في تلك الأجواء إبداعا شعريا رهينا بخصوصية اجتماعية وثقافية وسياسية، وهذا ما سيتضح في “بيان الكتابة”، الصادر أول مرة في العدد التاسع عشر من “مجلة الثقافة الجديدة”، سنة 1989، حيث جاء الإقرار بأن “الإبداع عامة لا يمكن أن يتحول ويتجذر إلا من خلال أسئلته التي هي في عمقها، على مستوى ما يركّب وينسج الإبداع نفسه، اجتماعية-تاريخية”.

ويخلص أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية إلى أن عناصر التاريخ والذات واللغة والمجتمع كانت لها أهمية في تشكيل الوعي بسؤال الكتابة الشعرية لدى الشاعر محمد بنيس، كما تصورها في “بيان الكتابة”، من حيث كونها مشروعا جماعيا “تعيد النظر في الجمالي، الاجتماعي، التاريخي، السياسي، ثورة محتملة ضمن الثورة الاجتماعية المحتملة أيضا”.

وبذلك، يردف الحجمري، “تكتسب الكتابة قيمتها الرمزية وميْلها نحو التحرر من القوانين المعيارية التي تفرضها بلاغات لم تعد قادرة على مواكبة التحول والتجدد”، مبرزا أن هذا المعطى انتبه إليه أدباء نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات، وجسدوه في ممارساتهم الإبداعية أكانت شعرية أم روائية وقصصية وفنية”، ليختم بوصف الشاعر محمد بنيس بـ”الشاعر النابغة”.

وضمن كتاب “محمد بنيس مقام الشعر”، جرد بمسارات من حياته وأعماله، منذ ولادته في مدينة فاس عام 1948، والتحاقه بالمدرسة العمومية عام 1958 وهو ابن عشر سنوات، واهتمامه بالأدب، وخاصة الشعر، ابتداء من سنواته الأولى في الثانوية، حيث نشر أولى قصائده في عام 1968 في جريدة العلم، وهو ابن العشرين عاما. وابتداء من 1969، نشر قصائد ومقالات في مجلات وصحف عربية ودولية، ثم غادر مدينة فاس في العام 1972 إلى مدينة المحمدية ليعمل أستاذا للغة العربية، وعمل من 1980 حتى نهاية غشت 2016 أستاذا للشعر العربي الحديث بجامعة محمد الخامس بالرباط، قبل أن يتفرغ للكتابة مع بداية تقاعده عن العمل في الجامعة.

وبدأت تبرز بصمات محمد بنيس في المشهد الثقافي المغربي منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، حيث أسس سنة 1974 مع عبد القادر الشاوي ومصطفى المسناوي مجلة “الثقافة الجديدة”، التي لعبت دورا حيويا في الحياة الثقافية المغربية، ولم تكد تصدر عددها الثلاثين حتى منعتها وزارة الداخلية في سنة 1984، على إثر أحداث الدار البيضاء.

يقول أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، في تقديمه لكتاب “محمد بنيس مقام الشعر”، إن التجربة الثرية التي راكمها صاحب “ما قبل الكلام”، في كتابة الشعر والنثر والنصوص الأدبية، من أكثر من نصف قرن ونيّف، “جعلت منه صاحب مشروع شعري برؤية فكرية متنوّرة”.

hespress.com