في مواجهة خطر الإجهاد المائي المتفاقم وأثر التغيرات المناخية، يعمل المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) على ترشيد استخدام المياه في جميع مراحل سلسلة الإنتاج واللجوء إلى موارد المياه غير التقليدية.
ومنذ إطلاقها البرنامج الصناعي سنة 2008، اتخذت المجموعة قراراً استباقياً يقضي بالتخلي عن موارد المياه الجوفية التي تعتبر موارد إستراتيجية بالنسبة للمملكة، وعملت على تطوير “برنامج المياه” الذي يعتبر برنامجاً متكاملاً ومستداماً يمكن من تحقيق أهداف التنمية الصناعية مع الحفاظ على الموارد المائية الوطنية.
ويرتكز هذا البرنامج على محورين رئيسيين، أولهما ترشيد استخدام المياه في جميع مراحل سلسلة الإنتاج، والثاني يتضمن اللجوء إلى موارد المياه غير التقليدية من خلال معالجة المياه الحضرية العادمة وتحلية مياه البحر.
وحول هذا الموضوع، نظم الائتلاف المغربي للماء ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ندوة رقمية الخميس حول موضوع “مكانة المياه غير التقليدية في إستراتيجية التنمية المستدامة للمجموعة”، بحضور عدد من الفاعلين في هذا المجال.
وأثنت حورية التازي صادق، رئيسة الائتلاف، خلال افتتاح الندوة، على ما تقدمه المجموعة للاقتصاد الوطني واتخاذها عددا من الإجراءات والالتزامات لفائدة حماية البيئة من حيث الكفاءة وترشيد الاستعمال.
وذكرت التازي أن الائتلاف المغربي للمياه جمعية غير ربحية تسعى إلى توحيد جميع الفاعلين في مجال الماء من القطاعين العام والخاص، ويبقى هدفها الأول هو الماء في إطار مقاربة للتنمية المستدامة تستحضر التغير المناخي وتثمن الخبرة المغربية وتبادل التجارب دولياً.
من جهتها، قالت حنان مرشد، مديرة الاستدامة والتنمية الصناعية الخضراء في مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، إن المجموعة وضعت ضمن أهدافها المساهمة في أجندة التنمية المستدامة من خلال تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف، واعتماد الكهرباء النظيفة وإعادة تدوير النفايات وتنفيذ الزراعة المستدامة وإعادة تأهيل المناجم.
وتحدث كريم سعود، المسؤول عن المياه والطاقة في المجموعة، إن الموقع الجغرافي للمغرب يجعله يواجه إجهاداً مائياً يتأثر بفترات الجفاف، وذكر أن المجموعة نجحت في تلبية 31 في المائة من احتياجاتها من المياه سنة 2020 انطلاقاً من موارد المياه غير التقليدية، وتسعى إلى الوصول إلى 100 في المائة سنة 2030 على أبعد تقدير.
وتطلب “برنامج المياه”، الذي اعتمده مكتب الفوسفاط، ويجمع بين التنمية الصناعية وحماية موارد المياه، منذ 2008 أكثر من 3.5 مليارات درهم، وهي قروض ممنوحة من طرف الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) والبنك الألماني للتنمية (KFW)، وهو ما يعكس ثقة المجتمع الدولي في هذا البرنامج.
تدبير متكامل ومثالي للمياه
يتم استخدام المياه في جميع مراحل سلسلة الإنتاج بالمجموعة بدءًا من الأنشطة المنجمية والنقل، وصولاً إلى التثمين؛ ولذلك عملت على إدماج ترشيد المياه والمحافظة عليها بشكل مستدام في جميع مراحل عملية الإنتاج.
وقامت المجموعة بعدد من الإجراءات في هذا الصدد، مثل أنبوب نقل لباب الفوسفاط الذي يربط خريبكة بالجرف الأصفر، ويُعتبر إنجازاً هندسياً فريداً.
وتساهم وسيلة نقل الفوسفاط المغسول على شكل لباب في توفير حوالي 3 ملايين متر مكعب من المياه سنوياً عند الاشتغال بالطاقة القصوى، إذ يتم التخلي عن عملية التجفيف التي كانت ضرورية في عملية النقل عبر القطار، وتمكن من الحفاظ على الرطوبة الطبيعية للفوسفاط، وبالمقابل تتم إعادة استعمال جميع كميات المياه المستخدمة في عملية النقل على مستوى تجهيزات التثمين والمعالجة.
كما تقوم المجموعة كذلك بإعادة تدوير 80 في المائة من حجم المياه المستخدمة في عمليات تثمين الفوسفاط بتقنية الغسل والتعويم.
وتعمل المجموعة أيضاً على ترشيد المياه عبر سلسلة الإنتاج بأكملها، من خلال مشاريع مبتكرة، مثل استعادة المياه من وحل الغسيل، ومعالجة مسارات الشاحنات والبحث المستمر عن الأساليب الأقل استهلاكاً للمياه على مستوى التحويل والمعالجة الصناعية، بهدف التقليل من الاستهلاك النوعي للمياه في حدود 15 في المائة اعتبارا من سنة 2024.
الاستخدام المميز للموارد غير التقليدية
تمنح مجموعة OCP الأولوية لإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، ما يساهم في حماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية من المياه العذبة.
وتعتبر مغسلة مراح لحرش أول مغسلة في العالم تستخدم، من أجل غسل الفوسفاط، المياه المعالجة في محطة معالجة المياه العادمة (STEP) لمدينة خريبكة، التي تم إنجازها بين سنتي 2008 و2010 من طرف مجموعة OCP بطاقة تصل إلى 5 ملايين متر مكعب سنويا، وقد مكنت منذ تشغيلها من معالجة حوالي 45 مليون متر مكعب.
وتم بعد ذلك إنجاز محطتين لمعالجة المياه العادمة بكل من الموقع المنجمي لابن جرير وكذا اليوسفية، وهو ما رفع استخدام المياه المعالجة في المواقع الصناعية لمجموعة OCP إلى 10 ملايين متر مكعب سنويا. ويتم كذلك استخدام جزء من مياه محطة المعالجة لابن جرير في ري المساحات الخضراء للمدينة الخضراء محمد السادس.
وبفضل التثمين الطاقي للغاز الحيوي الصادر عن عمليات معالجة المياه العادمة، تتم تغطية الاحتياجات الكهربائية لمحطات المعالجة في حدود 30 في المائة، ويشجع نجاح هذه التجربة الرائدة، التي تعتبر استجابة بيئية للاحتياجات الصناعية للمجموعة، على استخدام المياه العادمة في مشاريع صناعية أخرى.
ويتم إعداد العديد من الدراسات مع الفاعلين الوطنيين المعنيين من أجل تدعيم قدرات إعادة الاستخدام الصناعي للمياه العادمة انطلاقاً من محطات المعالجة الموجودة والجديدة.
تحلية مياه البحر
تستثمر مجموعة OCP في تحلية مياه البحر لتغطية جميع الاحتياجات الإضافية التي تتطلبها التنمية الصناعية دون اللجوء إلى مصادر المياه التقليدية.
وحالياً يتم تزويد المنصة الصناعية للجرف الأصفر منذ سنة 2016 من قبل أكبر محطة لتحلية مياه البحر بالمغرب مع طاقة سنوية تصل إلى 25 مليون متر مكعب، وذلك باستخدام تقنية التناضح العكسي.
وسيمكن مشروع توسعة محطة الجرف الأصفر، التي من المقرر تشغيلها سنة 2022، من الوصول إلى طاقة إجمالية في حدود 40 مليون متر مكعب سنوياً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المحطة مصممة بطريقة تجعلها قادرة على الاستفادة من التجهيزات والبنيات التحتية الحالية للمنصة الصناعية، وكذا فائض الإنتاج الطاقي الذي تولده هذه الأخيرة.
ويتم كذلك إعداد دراسة لإنجاز محطات أخرى لتحلية المياه في مواقع الجرف الأصفر، آسفي والعيون، لتوسيع الاستفادة من هذه الطريقة للحفاظ على الموارد المائية الجوفية والمساهمة في التنمية المستدامة.
[embedded content]