منتزه مولاي الحسن الأول بالجماعة الترابية سيدي رحال بإقليم السراغنة، هو معلمة تاريخية بناها السلطان العلوي المولى الحسن الأول في القرن الـ 19 بمنطقة تتميز بمناخ رطب صيفا ومعتدل شتاء، ليتخذ منه مخيما صيفيا.

فبقربه من وادي أغداث وقمم كدية لالة لعفو وسهول زمران الشرقية، التي كانت تنتشر بحقولها الورود والأزهار، شكل هذا الفضاء وجهة مفضلة للسلطان مولاي الحسن، الذي كان عرشه على صهوة فرسه، لقضاء فترة استجمام بين أغصان أشجار الزيتون، قرب ضريح الولي الصالح بويا رحال البودالي، وأصوات طلبة المدارس القرآنية بالمنطقة.

لهذه المعلمة أبواب كثيرة، لكن الباب الرئيسي تميزه هندسة بنائه، وموقعه بالنسبة لباقي المداخل التي يصعب رؤيتها من الداخل بسبب أبعادها الصغيرة وبفعل الأشجار الباسقة، وفق ورقة توصلت بها هسبريس من المحافظة الجهوية للتراث الثقافي بجهة مراكش أسفي.

وعن مكونات البناء، جاء في الورقة أن المنتزه بني “بقطع مستطيلة من آجور الطين، بقياس متوسط حسابي هو X12X324 سنتم، وقطع من الأحجار لتقوية الجدران، لحظة العمليات القديمة للمحافظة عليها. أما الخشب فاستعمل لتوزيع مواد البناء على مناطق متعددة، كأساسات المداخل”.

ولمنتزه السلطان مولاي الحسن الأول أجنحة عدة، من قبيل الجناح الجنوبي والشرقي والغربي، والباب الشمالي، إلى جانب منصة للحفلات والعروض الموسيقية، وبناية على الطراز الاستعماري.

ومن أجل تشييده، جلب السلطان مولاي الحسن الأول البنائين من مختلف أنحاء المغرب. وتتكون هذه المعلمة من قباب لا مثيل لهندستها وإبداعها، وصروح ضخمة. كما تم تشجير المتنزه بمختلف أنواع الأغراس والأزهار، وجلب إليه الماء من واد أغداث بطريقة هندسية قل نظيرها.

عبد الإله النمروشي، مندوب وزارة الثقافة بإقليم قلعة السراغنة، أوضح أن مولاي الحسن الأول، الذي ينعت بالسلطان الذي كان عرشه على جواده، كان يرتاح بهذا المنتزه خلال تنقلاته، إلى جانب كونه شكل نقطة استراتيجية تجمع بين القبائل.

وأضاف في تصريح لهسبريس أن “هذه المعلمة شكلت مقرا للمقيم العام بسيدي رحال. ويشبه هذا المنتزه في هندسته قصر الباهية، لأنهما بنيا في الفترة التاريخية نفسها، التي حكم فيها مولاي الحسن الأول، وفي زمن حاجبه أبا أحماد، لكن المستعمر الفرنسي أدخل تعديلات على هندسته”.

وأوضح عبد الله أبو زيد، مهتم بالمعالم التاريخية بإقليم السراغنة، أن “هذا المنتزه تم تصنيفه وموقع واد أغداث، من ضمن المباني التاريخية والمواقع المرتبة في عداد الآثار بإقليم قلعة السراغنة، تحت ظهير بتاريخ 06 يوليوز 1940”.

وأضاف أبو زيد، في تصريح لهسبريس، أنه “منذ ذلك التاريخ، لم يتم تصنيف أي معلمة بهذا الإقليم الذي يعج بمجموعة من الآثار المادية المتنوعة، سواء بعاصمة الإقليم أو ببعض الجماعات، ومنها ما يعود إلى الزمن المريني، ضمن لائحة المعالم المصنفة من طرف وزارة الثقافة والاتصال”، وفق تعبيره.

وخصصت المديرية الجهوية للثقافة والاتصال-قطاع الثقافة، والمحافظة الجهوية للتراث الثقافي بمراكش آسفي، غلافا ماليا يصل إلى 7 ملايين درهم من أجل توظيف هذه المعلمة كمركز للتشخيص والأبحاث حول التعايش بين الديانات السماوية الثلاث بالمنطقة على امتداد قرون.

ومن معالم هذا التعايش الديني بإقليم السراغنة، وجود ضريح “أسخيناز بأنماي”، الذي يمثل الثقافة الدينية اليهودية، وضريح الولي سيدي رحال وخديمه سيدي داوود كنموذجين للعمارة الإسلامية والفكر الصوفي، والدير الكنسي بتزارت كرمز للثقافة والديانة المسيحية، لتتشكل لوحة تآلف حضاري تميزت به منطقة السراغنة.

وينتظر من العناية بهذه المآثر التاريخية، وترميمها كمعالم حضارية وطنية، والحفاظ على طابعها المعماري العريق، أن تجعل من جماعة سيدي رحال وجهة للسياحة الثقافية والروحية، ما سيساهم في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، باعتبارها نقطة التقاء قبائل عربية كالسراغنة والرحامنة وزمران، وقبائل أمازيغية كغجدامة وجلاوة ومسفيوة.

يذكر أن إقليم قلعة السراغنة وإقليم تادلة كانا يشكلان موقعا استراتيجيا، يسيطر عليه كل من يريد أن يحكم المغرب.

hespress.com