جدل مستمر يرافق صورة ملصق مجهول المصدر، تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، يستنكر اختيارات النساء في اللباس، ويُحمّل الآباء والأمهات مسؤوليتها.
وهاجم الملصق بأحد الشوارع الرئيسية بطنجة من أسماهم: “الآباء والأمهات عديمي الشرف والحياء والدين، إلا من رحم ربي، الذين جعلوا الشوارع تفوح بالإباحيات ومتعوا الكثير من الناس بمفاتن بناتهن” (هكذا)، متحدثا عن مختلف الفئات العمرية الأنثوية ابتداء من سن 13 عاما، اللائي يرتدين “البناطيل القصيرة، والضيقة”، واصفا إياهن بـ”السلع الرخيصة”، قبل أن يذكر في ختام النص المسمى “إهداء”: “لا عجب في عراء النساء وضيق ملابسهم (عوض ملابسهن) بل العجب أنهم خرجوا (عوض أنهن خرجن) من بيوت فيها رجاال!”.
وتعليقا على هذا “النداء”، دعا فاعلون مجتمعيون إلى تناول الموضوع “بشكل أمني صرف؛ لأن مثل هذه التصرفات غير قابلة للنقاش في دولة القانون، ومحسوم فيها داخل المجتمعات الحديثة، حيث لا يُسمَح أبدا بممارسة الوصاية على أي شخص”.
واعتبرت تعبيرات مجتمعية هذا المنشور تعبيرا عن رأي مادام لا يتضمن تحريضا على العنف، فيما احتفت به تعبيرات مجتمعية أخرى قائلة إن “هذه الكلمة التي كتبها مواطن مغربي غيور على دينه، هي كلمة حق تعبر عن وجدان كل شاب مغربي يخرج إلى الشارع في نهار رمضان فيرى المناظر المستفزة”.
تحريض على الكراهية
وأدانت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بطنجة-تطوان-الحسيمة المنشور، قائلة إنه تعبير عن “التطرف”، وتحريض على “الكراهية والتمييز والعنف ضد النساء والفتيات، وعلى الحد من حريتهن بالفضاء العام”. كما نوهت بـ”التفاعل السريع للنيابة العامة مع هذا الحدث، وفتحها تحقيقا فيه”، قبل أن تجمل قائلة إن “التصدي لمثل هذه الممارسات يتطلب إذكاء الوعي العام بضرورة مناهضة خطاب الكراهية، واتخاذ إجراءات ملموسة ضد مرتكبي مثل هذه الجرائم”.
وقال عبد الوهاب رفيقي، باحث في الإسلاميات، إن حديثه عن “ضرورة المقاربة الأمنية كمقاربة وحيدة في هذا الحدث”، مرده إلى أن “التساهل في مثل هذه الأمور في زمن سابق كانت نتائجه وخيمة في المغرب، تحت لافتات مثل التي ترفع اليوم، من حرية وحقّ الإنسان في قول ما يريد مادام لا يحرض على العنف”.
وأضاف رفيقي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تعليق منشورات على الجدران في الفضاء العام ليس حرية تعبير؛ لأن هذا فضاء عام يجب أن يؤطر من طرف الدولة، وله قوانينه التي يجب الحفاظ عليها”.
وبخصوص مضامين هذا المنشور، ووجود هذا الوعي لدى المجتمع، اعتبر المصرح لهسبريس أن “هناك مقاربات أخرى هي التي يجب أن تُستَخدم، وينبغي أن تراعى لمعالجة هذا المشكل من أصوله”.
ورأى رفيقي أن “المشكل في هذه القضية، هو أنه قد ظهر واضحا أن المجتمع مازال لَم يعِ بشكل أساسي طبيعة الدولة التي يعيش فيها، ولا حتى الشعارات التي ترفعها الدولة نفسها حين تتحدث عن مدنيتها وعن الدولة الحديثة”، مضيفا أن “مفاهيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكلها التقليدي لا تتوافق نهائيا مع مفهوم الدولة المدنية ومفهوم الدولة الحديثة، وحتى في التاريخ الإسلامي لم يكن هذا المفهوم ثابتا، بل أحيانا، حسب نظام الدولة وشكلها، سُمح للأفراد أن يفعلوا ذلك حين تكون سلطة الدولة ضعيفة، وأحيانا كانت الدولة هي التي تحتكر هذا الحق”.
ثم أجمل قائلا: “اليوم، في الدولة الحديثة، يُمنع منعا مطلقا التدخل في حياة الأفراد أو ممارسة الوصاية على الناس. ولذلك، برأيي أن هذه الوصاية اليوم ينبغي أن تكون فقط للقانون، وحتى مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اليوم للحد من الفوضى وترسيخ مفهوم الدولة الحديثة، ينبغي أن يكون عن طريق القانون ولا شيء غيره، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون حقا للأفراد في أن يمارسوا الوصاية على الناس، ويحددوا لهم اختياراتهم الخاصة”.
مجرد نصيحة
وفي تفاعل مع موضوع الملصق والنقاش المثار حوله، تساءل العربي بوعياد، رئيس ملتقى الحضارات: “هل نبحث عن الحرية أم الاستبداد والرأي الواحد والفكر الواحد؟”.
وقال الأكاديمي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن الأمر يتعلق بـ”أناس كتبوا نصيحة واضطروا لتعليق ذلك على حائط، بالمجهول، لأنه لم تعطى لهم فرصة ليعبّروا عن رأيهم بالمعلوم”.
وحث المصرح على “الانفتاح بتوازن على الآخرين، وتعلم لغاتهم ولو لم يتعلموا لغتنا؛ لأنها جسر للفهم وعبرها يكون الحوار الحضاري”، مؤكدا الحاجة إلى أن يكون هذا الانفتاح “انطلاقا من هويتنا لا ضدها، وإلا سيكون هذا ذوبانا”.
وحول وصف المنشور بـ”الدّاعشية”، نبّه العربي بوعياد إلى أن “الداعشيين هم من يدعون إلى الحرب والقوة، لا مَن يُعبّرون عن نصيحة”، قبل أن يضيف: “وإلا فمَن يُرهِب هو مَن يُهدّد بالأمن وبالسجن”.
منشورات غير مقبولة
أما بالنسبة لخالد البكاري، حقوقي وأستاذ جامعي، فمن الضروري التمييز بين مضمون ما كُتِب وطريقة تصريف الموقف؛ فـ”ما كُتِب مضمونه معاد للحريات وثقافة حقوق الإنسان، لكنه مشمول بحرية التعبير التي تسمح حتى بالمُتطرِّف من القول والشّاذ منه، إلا إذا دعا صراحة إلى العنف أو التمييز العنصري أو الكراهية”.
وذكر البكاري أن هذا المضمون “ليس غريبا على المجتمع المغربي، بل نجده في مواقف يقولوها المحافظون سرا أو علنا، وتصرف حتى في خطب الجمعة ودروس في المساجد، ونجد هذه التعبيرات حول أزياء النساء في الأوساط المحافظة في الديانات اليهودية والمسيحية”.
واعتبر المصرح أن الإشكال يتمثل في “طريقة صياغة هذه المنشورات وإلصاقها في أماكن عامة، لأن الفضاء العمومي فضاء للجميع ولا يمكن لأحد فرض توجهاته أو تصوراته فيه”، وبالتالي، من هذه الزاوية، فـ”هذه المنشورات غير مقبولة في ثقافة حقوق الإنسان، وفي القانون الذي ينظم الفضاء العام، حيث لا يجب أن يكون فيه استهداف لأي توجه أو جنس أو طبقة”.
وسجل خالد البكاري أن “فتح تحقيق لمعرفة الجهة التي ألصقت تلك المنشورات، من الناحية القانونية هو إجراء عادي جدا، باعتبار أن ذاك فضاء عام وكل ما يلصق فيه بشكل غير قانوني يجب معرفة من وراءَه، فقط يجب الانتباه إلى أن التحقيق في هذا الأمر يجب أن يكون نزيها، وألا يكون فيه إرضاء لجهة على حساب جهة أخرى”.
ودعا الناشط الحقوقي إلى “عدم رسم سيناريوهات مبالغ فيها حول ما حدث”، و”ترك الأمر بيد البحث القضائي”، موردا: “ما تضمنته تلك المنشورات لم يصدمني، لأنها أشياء أعرف أنها موجودة، ونسمعها في المقاهي والمساجد والحافلات وسيارات الأجرة، وغيرها، بل هناك أناس لن تشكل لهم مشكلا وستبدو لهم عادية”.
وأجمل المصرح لهسبريس قائلا: “يجب التفريق بين المضمون الذي صحيح أنه معاد للحريات وحقوق الإنسان ويحمل نظرة تشييئِية للمرأة ولا فرق بينه وبين المنشور الإشهاري الذي يخاطب المستهلك انطلاقا من جسد المرأة، لكن هو رأي، وهو موجود، رغم اختلافنا طبعا معه، وهذه الأمور وأمور أخرى لا يجب أن تكون في الفضاء العمومي الذي هو فضاء مشترك، لا يمكن فرض رأي فيه، وينظمه القانون”.