دون الأخذ بعين الاعتبار مقاربة المغرب لأزمة إقليم كاتالونيا، اللحظة المفصلية من تاريخ “إسبانيا الحديثة”، تواصل الجارة الشمالية مشوار ترجيح كفة جبهة البوليساريو على حساب مصالح المغرب في تدبيرها لملف الصحراء.

وعمق استقبال إسبانيا للأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي، باسم مواطن جزائري، من حدة ارتباك العلاقات بين البلدين، خصوصا وأن المغرب ظل محتفظا بمواقف متوازنة من قضايا عديدة تضر الطرف الإسباني.

ويتذكر المغاربة رفض بلادهم لاستقلال إقليم كاتالونيا (شمال غرب إسبانيا) وتشبتها بالوحدة الوطنية والترابية للإسبان، وذلك عبر بيان رسمي لوزارة الخارجية المغربية.

ورغم الموقف المغربي بشأن انفصال كاتالونيا، إلا أن الإسبان لا يبدون أي نزوع لسلك الطريق نفسه في ملف الصحراء، خصوصا مع استمرار اعتراف إسبانيا بجبهة البوليساريو رمزيا (قنصليات)، واستقبال ترابها للعديد من “القيادات الانفصالية”.

ومعروف أن العلاقات المغربية الإسبانية ليست في أفضل حال، عقب تجميد الحوار البيني لمرات عدة واندلاع أزمات عديدة، يتقدمها إغلاق معبري سبتة ومليلية المحتلتين، ثم تدفق موجات الهجرة السرية صوب جزر الكناري.

نوفل البوعمري، خبير في قضية الصحراء، قال إن “إسبانيا يحكمها تردد تاريخي تجاه المغرب؛ فهي وإن كانت لا تعترف بالبوليساريو وتعتبر المكاتب الموجودة على ترابها لا تحمل أي صفة دبلوماسية، إلا أنها في لحظات ما يتداخل لديها الجانب التاريخي تجاه النزاع”.

ووفق البوعمري، يبدو أن إسبانيا لم تتخلص من هذا التوجه تجاه القضية الوطنية ومنطقة الصحراء، فـ”هذا الإرث التاريخي هناك من يريد مِن داخل الدولة الإسبانية جرنا إليه وجعل العلاقة بين البلدين محكومة به وبإخفاقاته السياسية في المنطقة”.

وأضاف المتحدث أن “مثل هذا التردد أو التخوف من المغرب يتجدد في لحظات ما، خاصة عندما يحقق المغرب انتصارا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا. ويمكن الإشارة إلى افتتاح قنصلية أمريكية في الداخلة والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وافتتاح قنصليات بلدان عربية وأفريقية شقيقة وصديقة، وغيرها من الخطوات، أهمها ترسيم حدود المياه الإقليمية جهة المحيط الأطلسي بالأقاليم الصحراوية باعتبارها مياها تابعة للحدود البحرية المغربية”، مشيرا إلى أن هذه الخطوات المُستحقة للمغرب أحيانا تُحيي بعض النزعات القديمة في علاقتها بالمغرب.

واعتبر البوعمري أن المغرب في جل الأزمات التي عاشتها إسبانيا، خاصة في مواجهة الانفصال، “كان له موقف واضح تجاه دعمه لوحدة إسبانيا، وتعاطى تعاطيا أخلاقيا مع الموضوع، ولم يقم باستغلال ضعف إسبانيا آنذاك تجاه الكاطلان لابتزازها”.

هذا الموقف المغربي القوي لم يقابله حسن الموقف من إسبانيا تجاه المغرب، حيث لم تحسم موقفها النهائي من نزاع الصحراء، ولم تفتح قنصلية لها بالداخلة، كما أنها ارتكبت خطأ دبلوماسيا وسياسيا خطيرا في حق المغرب والمغاربة عند استقبالها لزعيم مليشيات البوليساريو باسم مستعار وهوية مزورة.

وأكمل البوعمري تصريحه قائلا إن “الأزمة الحالية ينطبق عليها القول: رب ضارة نافعة؛ لأنها كشفت بعض ألاعيب إسبانيا تجاه المغرب، وعرَّت عن طبيعة مواقفها، وهي مطالبة اليوم بالإجابة على الأسئلة التي طرحها المغرب على الحكومة الإسبانية في بيان الخارجية المغربية”.

hespress.com