دون أن يهدأ “البال الداخلي” لحزب العدالة والتنمية، تتواصل مساعي كتم السجال وسط التنظيم الإسلامي؛ فبعد تداعيات شفوية صاحبت استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية، انتقل “صقور الإيديولوجيا” إلى مرحلة تجميد العضوية بشكل معلن للجميع.

ويتجه الحزب عقب تواري أوجه عديدة، آخرها المقرئ الإدريسي أبو زيد، إلى فقدان الطابع الإيديولوجي الهوياتي، الذي طبع تفسيره لعديد من التحولات على المستوى الوطني والدولي، وهو ما ينذر باستمرار الخلافات القائمة.

ومنذ الولاية الثانية للتنظيم الإسلامي، اتقدت نار الصدام بشأن كثير من القرارات الحزبية، خصوصا أنها تعكس تحولا جذريا على مستوى المواقف المعلن عنها في البرامج الانتخابية، والحديث هنا عن القضايا الأخلاقية والعلاقات الدولية.

وحسب الباحث في الحركات الإسلامية أحمد عصيد، فإن ما يحدث داخل حزب العدالة والتنمية من انسحاب أو تجميد للعضوية أو صراع وارتباك، أمر طبيعي يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية؛ أولها الصراع الخفي الذي يجري في كواليس الدولة بين الحزب والسلطة.

وبدا واضحا، وفق المصرح لجريدة هسبريس، أن ذوي القرار لم يعودوا يحبذون استمرار الحزب الإخواني على رأس الحكومة في ولاية ثالثة، وقد ظهر هذا في التفكير في تغيير نمط الاقتراع، وكذا محاولة إلزام الحزب بعدم تغطية كل الدوائر.

ورصد عصيد تزايد الصراع والتصادم بين تيار الاستوزار وتيار الممانعة الذي يستقوي بشبيبة الحزب، والتيار الدعوي، وهو صراع إما أن يؤدي إلى تنازل التيار الثاني للحفاظ على وحدة الحزب في الانتخابات القادمة أو إلى تفككه وضعفه.

وأكد المتحدث أن توقيع رئيس الحكومة الذي يمثل قيادة الحزب على الاتفاق المغربي-الإسرائيلي لتطبيع العلاقات، أحدث زلزلة داخل الحزب وذراعه الدعوي، حيث جعل الحزب اليوم يطرح بجدية أكبر مدى ضرورة التمسك بالإيديولوجيا الإخوانية بحذافيرها، التي يسميها “المرجعية الإسلامية”.

وعاش الحزب منذ توليه إدارة الشأن العام سنة 2011 تصادمات بين مبادئه واختياراته الكبرى المتعلقة بهويته الإيديولوجية، الدينية تحديدا، وبين منطق التدبير المؤسساتي ومنطق السلطة وطبيعة النظام السياسي الملكي من جهة أخرى، يردف المتحدث.

والنتيجة هي أن الضربات التي تلقاها الحزب خلال هذا التصادم أدت إلى بوادر انشقاقات غير مأمونة العواقب، وفي هذا الإطار تدخل التشنجات الأخيرة بسبب اختلاف أعضاء الحزب بين البراغماتيين الذي يستطيعون امتصاص الصدمات وإيجاد مسوغات للاستمرار في العمل المؤسساتي.

وفي المقابل، هناك متشددون يتميزون بتصلب إيديولوجي ينتهي إلى جعلهم خارج الإطار الحزبي، وربما حتى خارج العمل السياسي، بسبب اكتشافهم للهوة الكبيرة التي تفصل مبادئهم الرومانسية عن العمل السياسي الواقعي. ومن المنتظر في حالة ما إذا لم يجد الحزب حلا لهذه الخلافات، أن يعرف مسلسلا تدريجيا للتفكك كما حدث للاتحاد الاشتراكي.

hespress.com