يضيء الصندوق الكويتي للتنمية شمعته الـ 59 عاماً منذ تأسيسه مطلع العام الجديد، متوجاً بمسيرة حافلة بالعطاء والريادة، وسيرة تنموية إنمائية متميِّزة؛ وتأتي هذه المناسبة لتؤكد وتجدد عزمه على مواصلة عطائه في دعم قضايا التنمية.

ومنذ تأسيسه، يواصل الصندوق تأدية رسالته، والمضي قُدماً نحو تحقيق تطلعات دولة الكويت وقيادتها السياسية في مساعدة الدول العربية والدول النامية الأخرى في جهودها الإنمائية، ولخدمة السياسة الخارجية وقضايا دولة الكويت وتعزيز مكانتها في العالم.

التأسيس والانطلاق

في أعقاب استقلال دولة الكويت عام 1961، سعت البلاد بقيادتها المدفوعة ببعد النظر وحكمة القرار إلى تأسيس مؤسسات عدة لبناء الكويت الجديدة، ومن أولى المؤسسات التي رأت النور كان الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، الذي أنشئ في ديسمبر من العام نفسه، برأسمال بلغ 50 مليون دينار، ووصل حالياً إلى ملياري دينار.

عملياً، يعزّز قانون إنشاء الصندوق هدفه الرئيسي الرامي إلى مساعدة الدول النامية في ما تبذله من جهود لتنمية اقتصادياتها، ليأتي موازياً لما دأبت البلاد وقيادتها الحكيمة من انتهاجه خلال العقود التي مضت، والتي لحقت إنشاء الصندوق.

ومع أن الكويت ذاتها مصنفة ضمن الدول النامية، إلا أن ذلك لم يجعلها تنشغل فقط بتنمية اقتصادها دون الاهتمام بالتنمية على صعيد العالم، بل إنها كدولة نامية كانت أقرب إلى تفهم واقع شعوب الدول النامية الأخرى، ولم تتردد في استقطاع نسبة ملموسة من دخلها القومي لتوجيهها لمشروعات التنمية الاقتصادية في تلك الدول.

ومع تطور النظرة الشاملة للعون الإنمائي، تقرر عام 1974 أن يمد الصندوق نشاطه، ليشمل الدول النامية الأخرى، إضافة إلى الدول العربية.

النشاط الإنمائي

ركَّز الصندوق نشاطه منذ تأسيسه على القطاعات الاقتصادية الأساسية، كالزراعة والصناعة والنقل والمواصلات والاتصالات والكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي.

وتماشياً مع الأهداف الإنمائية ومواكبة للتطورات والتحديات الاجتماعية، أصبحت إستراتيجية عمل الصندوق تتضمَّن كذلك تمويل المشاريع التي تسهم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، ومشروعات التنمية البشرية، كالصحة، والتعليم، والمشروعات التي تساهم في تخفيض نسبة الفقر، إضافة إلى إعطاء مزيد من الأولويات لقطاعات، كالزراعة، للإسهام في الأمن الغذائي، وتمويل برامج مشاريع بنوك التنمية المحلية، والصناديق الاجتماعية، لدورها في دعم المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم، وتوفير فرص عمل جديدة، إضافة إلى تقديم العون والمساعدة للدول المنكوبة بالأوبئة والكوارث الطبيعية وغيرها، الناشئة عن الحروب والصراعات المختلفة، وكل هذا يوضح بجلاء الدور الذي يقوم به الصندوق والرسالة السامية التي يضطلع بها.

كما قام الصندوق إلى جانب ذلك بالمساهمة، نيابة عن دولة الكويت، في موارد عدد من مؤسسات التنمية الإقليمية والدولية، وعُهد إليه بمسؤولية إدارة المنح المقدمة من الكويت مباشرة إلى الدول العربية، والدول النامية الأخرى.

وبالإضافة إلى القروض، قدَّم الصندوق معونات فنية لتمويل خدمات متنوعة، لمساعدة الدول المستفيدة في تمويل أنشطة تساعدها على تسهيل تنفيذ عملياتها الإنمائية، ومن بينها تمويل إعداد دراسات الجدوى وخدمات الخبراء للمساعدة في تخطيط وتنفيذ برامج ومشروعات التنمية، بما في ذلك التدريب لتحسين المهارات الفنية للأجهزة المنوط بها إدارة وتشغيل المشروعات حسب ما تقتضيه الظروف.

الجانب الإنساني

إن العمل الإنساني في الكويت ومنذ نشأتها ركيزة أساسية لمبادئها وسياستها، تحرص عليه عبر مختلف مؤسساتها الحكومية والأهلية للقيام بمشاريع تنموية وإنسانية وإغاثية في مختلف دول العالم.

وشهدت الأعوام الماضية نشاطاً مكثفاً للصندوق الكويتي في الجانب الإنساني، تنوع بين دعم مؤسسات دولية معنية بالعمل الإنساني، ومد يد المساعدة للاجئين والنازحين بالمنطقة، إلى جانب مساندة جهود التنمية.

وشملت المساعدات التي قدمها الصندوق الجوانب الغذائية، والتعليمية، والصحية، وتركزت بصورة أساسية في البلدان العربية والدول النامية، ومنها: سورية، واليمن، والعراق، والأردن، وكذلك السودان وموريتانيا.

ولا شك أن هذا التوجه للصندوق إنما هو انعكاس لتوجهات دولة الكويت في مساعدة الدول المحتاجة والفقيرة، والتي كانت دوماً محط اهتمام، حتى إنه خلال اجتماع قمة الأرض الشهير عام 1992 قدمت الكويت نموذجاً يُحتذى به في العمل الإنساني بإعلانها إسقاط الفوائد على ديون الدول الفقيرة، وكانت هذه إحدى أهم المبادرات الإنسانية التي تواصلت في ما بعد، خاصة في عهد المغفور له الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي قدَّم على مدى سنوات حكمه العديد من المبادرات الإنسانية، التي وضعت سموه ودولة الكويت في مكانة مرموقة عالمياً، باختيار سموه “قائداً للعمل الإنساني”، والكويت “مركزاً إنسانياً عالميا”.

ومنذ بداية الأزمة السورية، وقفت دولة الكويت في مقدِّمة المشهد الإنساني، وساندت الشعب السوري في كل ما يوفر له الحماية والاستقرار، وقامت بمسؤولياتها، من خلال تقديم العون والإغاثة للاجئين السوريين في دول الجوار، ودعم المبادرات العربية والدولية كافة بهذا الشأن؛ وتجلى ذلك في تلبيتها الدعوة الأممية لتنظيم 4 مؤتمرات للمانحين لسوريا، إضافة إلى رئاستها المؤتمر الرابع، الذي أقُيم في العاصمة البريطانية لندن، ومشاركتها في المؤتمرات الدولية لدعم مستقبل سوريا والإقليم، تفاعلاً مع الأزمة الإنسانية والمحنة القاسية التي يعيشها النازحون واللاجئون السوريون بعيداً عن وطنهم.

وأوفت الكويت بتعهداتها التي تعهدت بها في المؤتمرات الأربعة التي أقامتها للمانحين، إذ بدأت تنفيذ مشاريع إنسانية وتنموية، وبقيمة إجمالية تصل إلى مليار و600 مليون دولار أمريكي، بواقع 300 مليون دولار عن المؤتمر الأول، و500 مليون دولار عن المؤتمر الثاني، و500 مليون دولار عن المؤتمر الثالث، و300 مليون دولار عن المؤتمر الرابع.

وبلغ إجمالي ما قدمته دولة الكويت عبر موارد الصندوق الكويتي من مساعدات للاجئين منذ العام 2014 حوالي 327.5 مليون دولار أمريكي، خُصصت لمساعدة المجتمعات المستضيفة للنازحين من سوريا، ودعمها لتقديم الخدمات التي يحتاجونها في قطاعات أساسية، تتعلق بالتعليم، والصحة، والخدمات اللوجستية اللازمة للمعيشة والحياة اليومية، وهذه الدول تشمل: تركيا، ولبنان، والأردن، والعراق، ومصر.

وفي اليمن، بادرت الكويت منذ بدء الكارثة الإنسانية بتقديم الدعم الإغاثي والإنساني الشامل في أهم القطاعات المرتبطة بحياة المواطن، وفي كل المحافظات اليمنية، وتعهدت بتقديم 250 مليون دولار عبر الصندوق الكويتي للتنمية والمنظمات الدولية المعنية خلال مؤتمر دعم اليمن الذي أقيم في 2018.

ومن المتوقع استفادة الآلاف من أبناء الشعب اليمني من مشاريع الصحة والغذاء والمياه التي نفذتها وستنفذها دولة الكويت في العديد من المحافظات اليمنية.

أرقام وإحصائيات

قدَّم الصندوق الكويتي منذ إنشائه، وحتى نهاية عام 2020، حوالي 989 قرضاً ميسَّراً، بقيمة إجمالية قدرها 6502 مليون دينار كويتي، بخلاف المنح والمساعدات التي قدَّمها على مدار العام المنصرم.

وبلغ عدد الدول المستفيدة من هذه القروض 107 دول نامية في مختلف أنحاء العالم، شملت دولاً عربية، وإفريقية، وآسيوية، وأوروبية، ودولا في أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، في حين بلغ إجمالي مساهمات الصندوق الكويتي في المؤسسات الإنمائية 491.739 مليون دينار كويتي.

مشروعات عديدة بالمملكة المغربية

ساهمت دولة الكويت في دعم جهود التنمية في المملكة المغربية منذ منتصف القرن الماضي، من خلال مشاريع اقتصادية تنوعت ما بين مشروعات زراعية وصناعية وتعليمية وطبية، ومشروعات طاقة وسدود وغيرها. ومضت سنوات طويلة من العمل المشترك والتعاون الدائم بين البلدين، قوامه اليوم عدد من أبرز المشروعات الداعمة للنهضة الاقتصادية التي يشهدها الأشقاء المغاربة.

وبالإضافة إلى ذلك فإن المملكة المغربية تحظى باهتمام ودعم الدول الخليجية لمسيرتها التنموية، وكانت إحدى أربع دول هي مملكة البحرين والمملكة الأردنية وسلطنة عمان-التي وجهت إليها منحة خليجية، لإقامة العديد من المشروعات التنموية. وهذه المنحة بلغت 1.250 مليار دولار، بينما أكدت مصادر مجلة الصندوق أنه تمت الاستفادة من جميع المبالغ المخصصة لها منذ إقرارها.

وفي الحقيقة فإن المملكة المغربية تعد نموذجا للدول التي يمكن متابعة الجهود والمشروعات التنموية فيها بوضوح شديد، فشبكة الطرق الحديثة لا تخطئها عين هناك، وكذلك السدود العديدة المنتشرة في مناطق عديدة بالمملكة، وغير ذلك من المشروعات.

ويعود التعاون القائم بين الصندوق الكويتي للتنمية والمملكة المغربية إلى العام 1966، الذي يعتبر الانطلاقة الحقيقية للتعاون بين الجانبين؛ ففي هذه السنة تمّ توقيع اتفاقية حصل المغرب بموجبها على قرض لتمويل مشروع تساوت الزراعي.

لاحقا، امتدّ التعاون بين الجانبين ليشملَ قطاعات اقتصادية مختلفة؛ فبالإضافة إلى القطاع الزراعي، الذي يأتي في مقدمة مجالات التعاون بـ13 قرضا، يأتي قطاع النقل في المرتبة الثانية بـ 12 قرضا، ثم قطاعات الصحة والمياه والصرف الصحّي، وقطاعا الصناعة وبنوك التنمية.

ويُعد ميناء آسفي أحد المشاريع التي استفادت من دعم الكويت. ويقع هذا المشروع على مساحة تبلغ 54 هكتاراً ويشرف عليه الصندوق الكويتي للتنمية، ويعتبر أحد أهم الموانئ في المغرب الذي سيصدر الفوسفاط والفحم الحجري إلى المحطة الحرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية التي سوق تغطي حوالي 25 في المائة من مجموع استهلاك البلاد للكهرباء.

ومن ضمن المشاريع التي يدعمها الصندوق نجد سد ولجة السلطان الذي يوجد بإقليم الخميسات. وقد جاء هذا المشروع لمواجهة شح الموارد المائية وأخطار الفيضانات والسيول من جهة، وضعف موارد الطاقة والكهرباء من جهة أخرى، وسينضاف إلى سدي سيدي عبد الله وسد تيوين لكي يساهم ذلك في حماية الوديان والمناطق المجاورة من مخاطر الفيضانات والسيول.

ومن المرتقب أن يبدأ السد بتخزين حوالي 510 ملايين متر مكعب من المياه بعد الانتهاء من أعمال التشييد، كما سيستخدم لتوليد الطاقة الكهرومائية التي ستغذي جميع المناطق. وسيمد السد كلا من مدن مكناس والخميسات وتيفلت والقرى المحيطة بالمياه الصالحة للشرب والسقي والزراعة.

ويمثل بناء هذا السد نقلة نوعية غير مسبوقة في مستقبل واقتصاد هذه المناطق، فضلاً عن توفيره ما يقرب 500 فرصة عمل لأبناء المنطقة.

ويشمل دعم الصندوق أيضاً البنية التحتية للطرق، ويتجلى ذلك في الطريق السريع الدار البيضاء–الجديدة، ويأتي لحل وعورة التضاريس الجغرافية وتقصير المسافات بين المدن في السفر والتنقل. وتكمن أهمية هذا المشروع في تسهيل حركة النقل التجاري والبضائع بين المدن وتنقلات المواطنين. ويمتد مشروع الطريق السريع هذا على طول 79 كيلومترا، ويساهم فيه الصندوق الكويتي للتنمية بقيمة تناهز 37 مليون دولار أمريكي.

كما شمل دعم الصندوق القطار فائق السرعة الذي جاء في إطار دفع جهود التنمية في قطاع النقل والمواصلات بهدف تقريب المسافات الجغرافية. ويعتبر هذا المشروع الذي أطلق رسمياً نهاية السنة الماضية الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث يربط مدينة طنجة بالدار البيضاء بسرعة فائقة.

وبلغت مساهمة الصندوق في تمويل هذا المشروع 136 مليون دولار أمريكي، من أصل 360 مليون دولار، وتساهم فيه عدد من الجهات التمويلية الأخرى.

وتتواصل جهود الصندوق من قطاع إلى قطاع لتصل إلى الاهتمام بكل ما يتعلق بالجوانب التعليمية والتربوية والعلمية الثقافية، ويتجلى ذلك من خلال إنشاء الحي الجامعي للطالبات في مكناس إيماناً بدور المرأة وأهميتها في المجتمع.

وساهم هذا المشروع في إنهاء المشاكل التي تواجه الطالبات في ما يخص الصعوبة في الانتظام الدراسي، كون المناطق السكنية تقع بعيداً عن الجامعات، وأصبحن بفضل هذا المشروع يعشن في ظروف جيدة على مساحة تصل إلى 20 ألف متر مربع.

وكلف هذا المشروع حوالي 21 مليون دولار. ويستوعب الحي الجامعي ما يقارب 2230 طالبة من مدينتي فاس ومكناس وبعض المناطق المجاورة.

أكثر من ذلك، فقد ساهمت دولة الكويت في دعم تطوير مؤسسات التربية والتعليم بالمملكة سنة 2012 بميزانية قدرها 480 مليون دولار، تم بفضلها بناء وتجديد 75 مؤسسة تعليمية على الصعيدين الطلابي والإداري، وقد وفر مشروع تطوير هذه المؤسسات حوالي 100 ألف فرصة تعليمية لطلاب المراحل التعليمية المختلفة.

كما قامت المملكة المغربية بالتعاون مع دولة الكويت بإنشاء مشروع قطب الجودة الغذائية بتكلفة قدرها حوالي 87 مليون دولار، يشمل إقامة العديد من المشاريع الزراعية في عدد من مدن المملكة.

ويهتم هذا المشروع بالرقابة على جودة المنتجات الزراعية في المغرب من خلال عرضها على مختبرات لقياس جودتها قبل طرحها في الأسواق للاستهلاك المحلي، وأيضاً تلك المصدرة إلى أوروبا.

hespress.com