إلى جانب ما حبا الله به الجنوب الشرقي من مؤهلات طبيعية خلابة، تتوفر هذه المنطقة على تراث عمراني وأركيولوجي زاخر خلفه الإنسان الذي استوطنها منذ آلاف السنين، فعلاوة على قصباتها السامقة وقصورها الخالدة وخطاراتها الممتدة لعشرات الكيلومترات.. توجد النقوش الصخرية والقبور الجماعية التي من أشهرها تلك المنتشرة بجماعة الطاوس.

الموقع الجغرافي لنقوش و”أهرام” الطاوس

تقع هذه النقوش الصخرية بجماعة الطاوس، التي تبعد عن مدينة الرشيدية، عاصمة جهة درعة تافيلالت، بحوالي 150 كم جنوب شرق، ولا يفصلها عن مركز تلك الجماعة الواقعة بتخوم المغرب والجزائر سوى أربعة كيلومترات غربا.

تم اكتشاف هذه النقوش، التي تقدر روايات الباحثين والمهتمين بعلم الآثار عمرها بما بين 4000 و7000 سنة قبل الميلاد، من طرف الفرنسيين جاك مونيي Jacques Meunier وشارل آلان Charles Alain سنة 1954.

بمحاذاة هذه النقوش تنتشر في المنطقة نفسها أكوام وبنايات صغيرة من الحجارة تقول الروايات المتداولة إنها كانت عبارة عن قبور عائلية تسمى محليا “إميرش”Imirch وجمعها “إميرشن” Imirchn، وهي التي تعرف عند علماء الآثار بالمقابر المدفنية أو Les Tumulus

روايات أخرى تقول إن هذه البنايات، التي يُجهل تاريخها الحقيقي، كانت تؤدي إلى جانب وظيفة الدفن دور خزينة العائلة، إذ كانت تستعمل لتخزين ممتلكات العائلات من مجوهرات ونقود وأشياء ثمينة، سواء وهي على قيد الحياة أو بعد وفاتها، وهذا ما يحيلنا مباشرة على الأهرام الفرعونية التي كانت لها الأدوار نفسها، وهو كذلك ما دفعنا إلى وصفها بـ”أهرامات” الطاوس.

هذه المقابر تعطينا فكرة مفادها أن العائلات التي استوطنت تلك المنطقة كانت تؤمن بوجود عالم أخروي، فعملت على مرافقة ممتلكاتها معها طلبا للنجاة ولحياة أفضل ولاعتقادها -ربما- بإمكانية التمتع بها واستعمالها في الحياة الأخرى التي لا موت بعدها، وهي تماما المعتقدات نفسها التي كانت سائدة في مصر القديمة.

وصف نقوش الطاوس

تنقسم نقوش الموقع الأركيولوجي للطاوس إلى ثلاثة أصناف:

– نقوش عبارة عن رسوم لحيوانات تتكون من بقريات وظباء وغزلان و أيائل يرافقها أشخاص.

– نقوش عبارة عن عربات خفيفة تعطي صورة واضحة عن التقدم الكبير الذي كانت تعيشه العائلات المستوطنة بهذه المنطقة من حيث وسائل النقل المستعملة.

– نقوش عبارة عن حروف الأبجدية الأمازيغية الليبية “تيفيناغ”.

وصف “أهرام” الطاوس

أما المقابر المدفنية التي أشرنا إليها سلفا والمعروفة بـLes tumulus فهي مبنية إما على شكل دائري أو تتخذ شكل صليب، مما يرجح أنها بُنيت بعد ظهور الديانة المسيحية، غير أن قيدوم الباحثين الأمازيغ محمد شفيق ينفي ذلك نفيا قاطعا في كتابه “حفريات في اللغة قد تفيد المؤرخ”، حيث يرجعها إلى ما قبل التاريخ، مفترضا أقدميتها حتى على الأهرام المصرية نفسها، وفي ذلك يقول في الصفحة 6: “إن هذه الأهرام أقدم من الأهرام المصرية، بما أن عهدها يرجع إلى ما قبل التاريخ، بينما عهد الأهرام المصرية محصور في الزمن المؤرخ له بما أن أقدم هرم حسب ما هو معروف إلى الآن، هو هرم الملك جوسر Djoser حوالي 2700 ق. م” المنتمي إلى الأسرة الثالثة. ومما يدل، حسب شفيق دائما، على أقدمية هذه المقابر، التي يسمى الواحد منها، حسبه، أدبني Adbeni وجمعه ئدبنان Idebnan، على الديانة المسيحية قوله في الصفحة 5: “والمحصل هو أن ئدبنان ضرائح أو قبور مبنية بالحجارة المتراكمة في غير نظام معين، لها علاقة بالديانات القديمة، بما أنها لا تزال تتمتع بنوع من القدسية، يرجع عهدها إلى ما قبل التاريخ”. ويورد شيخ الحركة الأمازيغية أن مقابر الطاوس هي الوحيدة من نوعها في المغرب، في حين تنتشر في مناطق كثيرة في ليبيا والجزائر، حيث ينقل عن غابرييل كامبس Gabriel Camps قوله: “أما في المغرب، فيوجد قبر أثري واحد من هذا النوع قرب واحة الطاووس في أقصى تافيلالت”. والحقيقة أنها ليست قبرا واحدا، بل قبور عائلية تعد بالعشرات تعرض الكثير منها للتلاشي مع عوادي الزمان والطبيعة.

يصعب تحديد علو هذه المقابر ذات المدخل الواحد بسبب تهدم العشرات منها بفعل عوامل طبيعية (تساقطات، رياح، زحف الرمال…) وأخرى بشرية (التخريب بحثا عن كنوز…)، وما تبقى منها عبارة عن أكوام صخرية أو بناية صغيرة لا تعبر بحق عن شكلها الأولي البدائي، ولعل ذلك ما دفع شفيق إلى تقدير علوها بـ”بضعة أمتار”، دون أن يحدده بالضبط، أما طولها فيقدره المؤرخ ذاته بين بضعة أمتار وثلاثمائة متر تتخلها حجرات وممرات، وفيما يتعلق بقبور الطاوس، فإن الصامد منها لا تتعدى مساحته 12 مترا مربعا.

اكتشاف جديد

تم مؤخرا اكتشاف موقعين أثريين آخرين على بعد أربعين كيلومترا إلى الجنوب الغربي للطاوس من طرف مهتمين بالآثار وفوتوغرافيين من أبناء المنطقة.

يتكون هذا الموقع الأثري من رسومات ملونة لحروف “تيفيناغ” وأشكال غير مفهومة يستحيل على غير الخبير تفسيرها. هذه الرسومات تعتبر نادرة في المغرب في الوقت الذي تنتشر بكثرة في ليبيا والجزائر. وحسب بعض الباحثين، يفترض أن تؤرخ هذه الرسومات لمرحلة متقدمة من حياة الإنسان القديم مقارنة بالرسوم المنقوشة على الصخور، مرجحين أن يكون اختراع الصباغة والألوان قد جاء متأخرا عن النقش على الصخر الذي لم يكن يتطلب مجهودا فكريا كبيرا.

أهمية كبيرة ومشاكل كبرى

لا تخفى على أحد أهمية النقوش الصخرية في دراسة الماضي البشري وما مر به الإنسان القديم من تطورات شملت مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية. إنها والحال هذه بمثابة “تدوينات” تنقل إلينا ما كان عليه أجدادنا الأولون، ونقرأ من خلالها حياتهم ومعتقداتهم وأنشطتهم ونمط عيشهم.

وإلى جانب أهميتها العلمية؛ لهذه الكنوز الثمينة أهمية سياحية كبرى، فقد أضحت قبلة للكثير من الباحثين والمهتمين بالآثار، وأصبحت تبرمج ضمن الرحلات المنظمة لفائدة العديد من السياح في إطار ما يمكن تسميته بالسياحة الأركيولوجية.

ورغم زيارة وزير الثقافة الأسبق محمد الأشعري لأهرام ونقوش “الطاوس”، ورغم العديد من الوعود التي قدمت والمراسلات التي بُعث بها إلى عدة جهات، فإن هذا الموقع الغني ما زال يعاني الكثير من المشاكل، يجملها سعيد كراوي، رئيس “جمعية الطاوس للآثار”، في الإهمال واللامبالاة، سواء من طرف المسؤولين المحليين أو الوطنيين. ومن مظاهر ذلك، حسب كراوي، غياب العلامات الطرقية الدالة على هذه النقوش على عكس مثيلاتها في مناطق أخرى، وغياب طريق معبدة إليها. ولهذا يطالب الناشط ذاته ومعه العديد من المهتمين بإعادة الاعتبار لهذه الكنوز عن طريق تسييجها وتوفير حارس لها لحمايتها من أيادي المخربين واللصوص، إذ سبق أن تعرضت لمحاولة سرقتها، وكذا نصب لوحات إشهارية تشير إلى موقعها، ولم لا الترافع لتنصيبها تراثا وطنيا وعالميا؟

[embedded content]

hespress.com