نموذج تنموي بنكهة المعارضة
صورة: و.م.ع

سعيد ابن عائشةالخميس 27 ماي 2021 – 08:48

وأخيرا، تم الإفراج عن تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، على إثر الاستقبال الملكي الذي حظي به شكيب بنموسى، رئيس اللجنة سالفة الذكر، في مدينة فاس، وسط حضور له دلالة كبيرة، يبدأ بفؤاد عالي الهمة، كبير مستشاري العاهل المغربي، ويمر بسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وصولا إلى رؤساء الهيئات الدستورية والأمناء العامين ورؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، والأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، ووالي بنك المغرب..

الحاضرون ينتمون إلى “المغرب الرسمي”؛ لكن لغة التقرير، الذي صاغته لجنة ملكية، لم يجد أدنى حرج في التعبير عن المطالب الملحة، ولو باستعمال لسان المعارضة، فعلى الرغم من المجهودات الإصلاحية المعلن عنها منذ سنة 2011، فـ”إنه، نتيجة لتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي وتفاقم الفوارق، خيم على البلاد مناخ اتسم بأزمة ثقة ألقت بظلالها على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي”، حسب لغة التقرير الذي قدم بحضور الملك محمد السادس، أليست هذه لغة المعارضة؟..

طبعا، تحاشى أصحاب التقرير غضب الطبقة السياسية والحكومة بقولهم “إن هذا التقرير لا يشكل حلا سحريا للاختلالات التي تم الوقوف عليها، ولا تجميعا لسياسات قطاعية، ولا حتى دليلا مرجعيا لبرنامج حكومي أو حزبي”؛ ولكن ذلك لم يمنع من تشخيص الآفة المغربية التي تعوق التطور، وتحد من فعالية النموذج التنموي الحالي.

ويمكن اختصار العوائق في أربعة عناصر ذهب إليها التقرير؛ أولها غياب الانسجام بين الرؤية التنموية والسياسيات العمومية المعلن عنها وكذا ضعف الالتقائية بين هذه السياسات. ثانيا: بطء التحول الهيكلي للاقتصاد جراء التكلفة المرتفعة لعوامل الإنتاج التي تعيق تنافسية المقاولات وضعف الانفتاح على فاعلين جدد أكثر إبداعا وتنافسية، ويرتبط هذا العائق بقلة نجاعة منظومة الضبط؛ ما يضعف روح المجازفة، ويغذي منطق الريع داخل القطاعات التقليدية ويحمي المصالح الضيقة بدل المصلحة العامة. ثالثا: محدودية قدرات القطاع العام على صياغة وبلورة خدمات سهلة الولوج وذات جودة. رابعا: الشعور بضعف الحماية القضائية وعدم القدرة على التوقع الذي يحد من المبادرات بسبب الهوة ما بين بعض القوانين والواقع الاجتماعي، وقضاء يعاني من ضعف الثقة إضافة إلى ثقل البيروقراطية وتعثر سبل الانتصاف..

ويخلص التقرير المقدم أمام حضور وازن إلى ضرورة حصول تكامل بين دولة قوية ومجتمع قوي. ومن ثم، لا يمكن إغفال أهم اقتراحين وصل إليهما تقرير لجنة شكيب بنموسى، حيث تقترح اللجنة آليتين لمواكبة تنزيل النموذج التنموي الجديد: تتمثل الآلية الأولى في ميثاق وطني للتنمية يهدف إلى تكريس التزام كافة القوى الحية للبلاد اتجاه أفق تنموي جديد ومرجعية مشتركة، ويرتكز هذا الميثاق على الخيارات الأساسية للتنمية باعتبارها قاعدة مشتركة بين مكونات الأمة؛ وذلك من أجل فسح المجال للخيارات المتعددة للفاعلين السياسيين فيما يخص تفعيل السياسات العمومية، حسب لغة التقرير. كما تقترح اللجنة أيضا إحداث آلية، تحت إشراف الملك، لتتبع وتحفيز الأوراش الإستراتيجية وقيادة التغيير؛ من خلال العمل على الانسجام الشمولي والمواءمة الإستراتيجية في اتجاه الأفق المنشود عبر تحفيز ودعم الإصلاحات التحولية، حيث ستمكن هذه الآلية من تكريس مسؤولية الجهات المعنية وتعزيز الأداء العام.

يمكن القول إن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي قد نجحت في التشخيص واقتراح الخطوط العامة للأحلام التنموية المنشودة، من خلال استعمال خطاب ينهل من قاموس المعارضة؛ لكن التخوف يبقى قائما حول مستقبل المقترحات، في ظل وجود تجارب سابقة كان لها الزخم نفسه لكنها انتهت في سلة الإهمال.

الملك محمد السادس النموذج التنموي شكيب بنموسى لجنة ملكية

hespress.com