امرأة ليست ككل النساء؛ بل هي منافسة للرجال، وحتى في مهن احتكروها. إنها نهاد أزلماض، المنحدرة من أيت عياش بإقليم ميدلت، التي تحدت الظروف القاسية للمنطقة لتمتهن أعمالا لطالما عرفت أنها للرجال وفقط، حيث كرست كل وقتها من أجل فلاحة الأرض لاستخراج خيراتها والاستثمار بزراعتها.
نهاد أزلماض مثال يحتذى به بعد أن طوعت يداها الحديد وتحدت الرجال في القطاع الفلاحي رافعة رأس المرأة المغربية عاليا، وتعتبر من النساء الحرائر التي استطاعت أن تجمع بين الحكمة والإرادة لتمارس مهنة خدمة الأرض والاستثمار في ما تنبته من المنتجات.
من إدارة تسيير مؤسسات الاستثمار بالإمارات العربية المتحدة وأمريكا ولندن، عادت نهاد أزلماض إلى مسقط رأسها بمنطقة أيت عياش، من أجل خدمة الأرض، حيث حولت مساحة كبيرة من الأرض تقدر بأكثر من 50 هكتارا إلى مساحة مغروسة بأشجار التفاح، وتربية المواشي.
تقول نهاد، في حديثها لهسبريس، إن هدف تخليها عن وظيفتها السابقة “مديرة مؤسسات الاستثمار” وولوجها المجال الفلاحي بأرض أجدادها هو إعادة إحياء أراض فلاحية كانت عائلتها تستغلها في سنوات خلت، والمساهمة في إنعاش الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل للساكنة المحلية التي ترزح تحت نير الفقر، بتعبيرها.
وأضافت أزلماض أن منطقة أيت عياش، التي قررت الاستثمار فيها خاصة في المجال الفلاحي، تتوفر على أراض فلاحية شاسعة ويد عاملة ذات كفاءة، مشيرة إلى أن الدولة ومن خلال القطاعات المعنية مدعوة إلى تقديم تسهيلات في الوثائق والدعم لفائدة الفلاحين من أجل تشجيعهم على الاستثمار والمساهمة في توفير فرص عمل قارة لفائدة الساكنة المحلية.
إرادة وعزيمة
بعد حصولها على شهادة الماستر في تسيير الأعمال بالولايات المتحدة الأمريكية، اشتغلت نهاد أزلماض مديرة مؤسسات الاستثمار بدول عديدة في أمريكا والشرق الأوسط وأوروبا، لتقرر بعد ذلك تأسيس شركة خاصة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وأكدت المنحدرة من أيت عياش بإقليم ميدلت أن وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي كلفتها في وقت سابق لتسيير المكتب المغربي للاستثمار بالإمارات العربية المتحدة، لتقرر أيضا الاستقالة من المهام المكلفة بها، والعودة رسميا إلى المغرب وبالضبط إلى أيت عياش، حيث تستثمر كل وقتها وجهدها من أجل خدمة الأرض التي تركها الأجداد.
وفي هذا الإطار، تقول نهاد أزلماض: “قررت العودة إلى بلدي للمساهمة في الحركة التنموية من خلال إعادة إحياء الأراضي الفلاحية القاحلة وزرع بذور الأمل في قلوب الساكنة المحلية وتشجيعها على الاستثمار في ما يتعلق بالمجال الفلاحي”، مضيفة: “الحمد لله حلمي بدأ يتحقق، خاصة في ما يتعلق بتوفير فرص العمل، بالرغم من ضعف الدعم المقدم من طرف القطاع الحكومي الوصي”.
وأضافت أزلماض أن الإرادة في التغيير والعزيمة لتحقيق الحلم يمكنان الإنسان من بلوغ الهدف المنشود، موضحة أن القطاع الفلاحي بإقليم ميدلت يمكن أن يعطي الكثير ويوفر ملايين من أيام العمل سنويا، فقط على الجهات المسؤولة تسهيل المساطر الإدارية المتعلقة بشواهد الاستغلال أو الدعم الذي تقدمه وزارة الفلاحة من خلال مخطط المغرب الأخضر.
في انتظار بلوغ 200 هكتار
في حديثها مع جريدة هسبريس الإلكترونية، قالت أزلماض إنها تتوفر على مساحة مهمة من الأراضي الفلاحية صالحة لغرس التفاح والمنتوجات الفلاحية الأخرى، وقامت بغرس ما مجموعه 50 هكتارا وتربية المواشي داخل الضيعة الفلاحية التي تسيرها بنفسها بمساعدة العمال والعاملات.
“الهدف الذي وضعته أمامي وأكافح من أجل تحقيقه هو بلوغ 200 هكتار من منتوج التفاح بهذه الضيعة الفلاحية”، تقول المتحدثة ذاتها، مضيفة: “وضعت طلبا للاستفادة من دعم السقي بالتنقيط لدى مسؤولي وزارة الفلاحة بمدينة ميدلت والمكتب الجهوي للاستثمار بتافيلالت، ولم أتوصل بجواب بعد، على الرغم من مرور مدة زمنية طويلة على وضعي لهذا الطلب”، مؤكدة أن التعقيدات الإدارية هي السبب الرئيسي في هروب المستثمرين من الإقليم بتعبيرها.
وطالبت المستثمرة ذاتها عزيز أخنوش، وزير الفلاحية، بـ”التدخل لدى المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بالرشيدية من أجل الإسراع في الموافقة على طلب الاستفادة من برنامج السقي بالتنقيط وتوفير بعض الآليات الأخرى لتشجيعي على مواصلة الاستثمار في القطاع الفلاحي”.
وأوضحت نهاد أزلماض أن ما حققته كامرأة في المجال الفلاحي يجب تشجيعه ودعمه بكل الوسائل، مضيفة أن الضيعة الفلاحية التي تسيرها لوحدها توفر المئات من أيام العمل سنويا، مؤكدة أن أجور العمال خلال موسم جني التفاح تصل في المجموع إلى أكثر من مليون درهم، بتعبيرها.
إكراهات التبريد والتخزين
ومن المشاكل التي تواجهها نهاد أزلماض، حسب تصريحها لهسبريس، تلك المتعلقة بغياب وحدات التبريد والتخزين العمومية، مشيرة إلى أنها تلجأ إلى وحدات خاصة للتبريد والتخزين مقابل 25 درهما للصندوق الواحد؛ ما يسبب لها في مضاعفة المصاريف وبالتالي غياب هامش الربح، وفق تعبيرها.
وأوضحت المتحدثة ذاتها أن أغلب الوحدات الموجودة حاليا تابعة للقطاع الخاص، ويطالب أصحابها بمبالغ خيالية مقابل تخزين وتبريد المنتوجات، مؤكدة أن الإقليم معروف كونه أول إقليم ينتج نسبة أكبر من منتوج التفاح يجب أن يتوفر على وحدات كثيرة للتخزين والتبريد تابعة للوزارة وتكليف التعاونيات أو الجمعيات لتسييرها، لقطع الطريق أمام سماسرة القطاع الخاص، بتعبيرها.
وطالبت أزلماض وزير الفلاحة بضرورة القيام بزيارة إلى إقليم ميدلت وضيعتها الفلاحية والوقوف على المعاناة التي تواجهها مع تعقيد المساطر الإدارية المتعلقة في دعم السقي بالتنقيط، والمشاكل التي واجهتها هذه السنة بسبب غياب وحدات عمومية للتبريد والتخزين، مشيرة إلى أن هامش الربح لهذه السنة تم استنزافه من طرف وحدة للتبريد والتخزين تابعة للقطاع الخاص.
تشجيع المرأة
تشجيع المرأة المستثمرة كلام نسمعه في الإعلام ولا نجده في الواقع، كلام ظلت تردده أزلماض في حديثها مع جريدة هسبريس الإلكترونية، مشيرة إلى أنها قررت العودة إلى بلدها من أجل الاستثمار في الفلاحة؛ لكنها اصطدمت بواقع مؤسف لأسباب عديدة، أهمها غياب التواصل الإداري، بتعبيرها.
وأكدت نهاد أنها ولجت عالم الاستثمار من أجل المساهمة في تحريك العجلة الاقتصادية والتنموية المحلية؛ لكن أصبحت تفكر في التخلي عن الفكرة والعودة إلى عملها السابق في الخارج، لأن بعض المسؤولين ربما غير راضين على استثمار النساء خاصة في المجال الفلاحي.
وفي الأخير، قالت نهاد أزلماض: “ألتمس من الملك محمد السادس التدخل لرفع التهميش التي تعانيه المرأة على مستوى إقليم ميدلت، خاصة المرأة المستثمرة منها، وإعطاء أوامره السامية إلى المسؤولين من أجل تسهيل المساطر الإدارية أمامها لتحقيق طموحها وأهدافها لخدمة الوطن والمساهمة في التنمية الاقتصادية”، وفق تعبيرها.