لم تثر أية امرأة عربية في القرن العشرين ما أثارته نوال السعداوي، التي غيبها الموت، من جدال، بسبب المعارك التي خاضتها ضد المجتمع الذكوري بما يختزله هذا التعبير من تخلف وجهل وتسلط، وبما ينطوي عليه من جحود في حق المرأة الأم والزوجة والابنة. فقد بذلت هذه المرأة حياتها في سبيل تحقيق مجتمع حديث، لا يمكن أن يبنى إلا بالرجل والمرأة معا. وفي مجتمع كالمجتمع المصري الذي ما يزال مفكروه وأدباؤه وإعلاميوه يعيشون تحت تهديد قانون الحسبة، ظلت مهمتها محفوفة بالمخاطر. وهو ما يفسر المحن الكثيرة التي مرت بها طيلة مسارها الفكري الذي أفرز رغم كل الصعوبات أكثر من أربعين كتابا ترجم بعضها إلى أكثر من ثلاثين لغة.

بدأت محنة نوال السعداوي التي استمرت ما يقرب من خمسين سنة، بفقدانها لوظيفتها كطبيبة. حدث هذا سنة 1972 بسبب كتابها “المرأة والجنس” الذي أثارت فيه قضايا المرأة العربية، ومنها قضية ختان الفتيات. وكان قد مر عن صدورالكتاب أكثر من عشر سنوات تم تداوله خلالها على نطاق واسع في مختلف الأقطار العربية.

وفي سنة 1973 حظرت السلطات المصرية مجلة “الصحة” التي أسستها قبل ثلاث سنوات من ذلك التاريخ، وكانت ترأس تحريرها. وفي شتنبر 1981 زج بها في السجن بأمر من أنور السادات شخصيا، محاباة للتيار الإسلامي. ومن حسن حظها أن السادات قتل بعد شهرين فكانت من الذين أطلق سراحهم. ودونت هذه التجربة المريرة في كتابها “مذكراتي في سجن النساء”.

وفي يونيو 1991 أصدرت الحكومة المصرية مرسوما يقضي بحظر الإطار الجمعوي الذي كانت تمارس أنشطتها الحقوقية فيه: جمعية تضامن المرأة العربية، التي كانت على رأسها، ولم تكتف السلطات بحل الجمعية بل سلمت أموالها إلى جمعية تسمى المرأة في الإسلام، نكاية في نوال السعداوي التي كانت أصابع التطرف تشير إليها منذ ذلك الوقت.

وخلال صيف 2001 ، منعت الرقابة ثلاثة كتب من كتبها من معرض القاهرة الدولي للكتاب.

وكانت سنة 2002 نقطة تحول في صراعها متعدد الجبهات، ذلك أن محامين أصوليين رفعوا دعوى قضائية ضدها، يطالبون بتطليقها بالقوة من زوجها الدكتور شريف حتاتة لأنها في نظرهم مرتدة، ولا يصح شرعا أن تبقى على ذمة رجل مسلم، وبعد مخاض عسير أنصف القضاء المصري نوال السعداوي.

وفي يناير 2007 ، اتهمت نوال السعداوي وابنتها منى حلمي وهي بالمناسبة شاعرة وكاتبة، بالردة وتم استجوابهما من قبل المدعي العام في القاهرة بسبب دعوتهما إلى السماح بأن يحمل الطفل أسم أمه. وفي فبراير من نفس السنة رفع علماء الأزهر دعوى يتهمونها بالردة والزندقة بناء على قراءة مغرضة لنصها المسرحي “الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة” الذي سبق منع تداوله في مصر، وأجبر ناشره المصري (مطبعة مدبولي) على إعدام جميع نسخه قبل توزيعه تحت التهديد.

عندما نتحدث عن نوال السعداوي فإننا نتحدث عن أوجه متعددة من محاكمة الرأي اتخذت صيغ كثيرة وصلت في بعض الأحيان إلى درجة إباحة دمها والتحريض على قتلها.

ومن القضايا التي رفعت ضدها قضية رفعها أحد المحامين واسمه سمير صبري يطالب فيها بتجريد نوال السعداوي من جنسيتها المصرية، بسبب ما اعتقد أن كتابها “الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة” الذي سبق حظره بطلب من هيأة علماء الأزهر، يتضمن إساءة للإسلام.

جاء في صك الاتهام “أنه فى غضون عام 2007 نشرت المدعى عليها (نوال السعداوي) مسرحية باسم ” الإله يقدم استقالته فى اجتماع القمة ” وتضمنت هذه المسرحية إساءة للذات الإلهية والأديان السماوية والقرآن الكريم. وقد ناقش أعضاء مجمع البحوث الإسلامية المسرحية حيث قرروا سحبها من السوق ومنع تداولها” وطالب المحامي بوضع اسم الكاتبة على قوائم ترقب الوصول وإسقاط الجنسية المصرية عنها لإشاعتها الفساد والفتنة فى البلاد.

وبعد عام تقريبا من المرافعات صدر حكم المحكمة يوم 18 مارس 2008 برفض الدعوى، مستندا إلى “حق المواطن فى التنقل والترحال والعودة الى وطنه”، وفق ما تضمن له الأحكام الدستورية والمواثيق الدولية بشأن حرية الرأي والفكر. ولفت الحكم الانتباه إلى أن القانون حدد حالات اسقاط الجنسية بشكل قاطع، وليس من بينها ما ينطبق على السعداوي، لمجرد ابدائها لرأي أو اعتناقها لفكر، انطلاقاً من أن التعبير عن الآراء يمثل موقفاً ذاتياً شخصياً لمصدره، وهو ما يستوجب حمايته قانوناً.

ولكن المحكمة أشادت في نفس الوقت بموقف الأزهر الذي حظر تداول الكتاب، مما يعني أنها أدانت الكتاب بشكل غير مباشر.

hespress.com