تعاكس مدريد طموحات الرباط؛ بدا هذا جليا بعدما وفرت السلطات الإسبانية الأرضية لزعيم الانفصاليين ابراهيم غالي للهروب إلى خارج البلاد، في خطوة “متهورة” كما يصفها المحللون قد تعصف بما تبقى من أشكال المفاهمة بين البلدين، لكن المؤكد أن هذه الأزمة غير المسبوقة بين المملكتين الجارتين قد تخلق وضعا جديدا ومنطلقات مختلفة لهذه العلاقات.
وغادر غالي التراب الإسباني بالطريقة نفسها التي دخل بها، إنما هذه المرة تم إخطار السلطات المغربية بالقرار المدريدي، لكن هذا لا يمنع من تناثر غبار “قطيعة” ديبلوماسية تلوح في الأفق القريب بين البلدين؛ ذلك أن الرباط كانت تنتظر محاكمة “غالي” والنظر في جرائمه، بينما اختارت مدريد عكس ذلك وقررت ترحيله إلى التراب الجزائري.
وذكرت مصادر إعلامية إسبانية أن الجزائر خططت لمغادرة زعيم البوليساريو بمجرد أن أدلى بشهادته أمام قاضي التحقيق، وهو ما يظهر من خلال وصول طائرة جزائرية تزامنا مع مثوله أمام المحكمة لكنها عادت أدراجها إلى الجزائر بعد منعها من الهبوط من قبل السلطات الإسبانية، لأنها لم يكن لديها إذن للتحليق فوق الأجواء الإسبانية.
وتلقي هذه الأزمة التي لم يسبق لها مثيل بظلالها على واقع الجالية المغربية المقيمة في إسبانيا التي كانت تستعد لقضاء عطلة الصيف في المغرب، لكن لا يبدو أن هذا الطموح سيكون ممكنا مع استمرار التصعيد بين البلدين الجارين، على الرغم من ظهور بعض “بوادر” التهدئة من الجانب المغربي.
ويرى إلياس موساوي، محلل متخصص في العلاقات الدولية، أن “استمرار تصاعد هذه الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، سيلقي بظلاله على كثير من الملفات الحيوية التي تجمع بين البلدين الجارين، ولعل أكبر ملف ستحرقه نار هذه الأزمة المشتعلة على المدى القريب، هو ملف عودة مغاربة المهجر المقيمين بالديار الأوروبية إلى الوطن خلال الصيف الحالي”.
وقال موساوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “أول تجليات هذه الأزمة المعقدة يتمثل في غياب أي معلومات عن (عملية مرحبا) بخصوص هذه السنة؛ ففي السنة الماضية وفي عز جائحة كورونا، اتفق الطرفان على إلغائها بعد جلوسهما إلى طاولة الحوار، في تأكيد على أن هذا الملف لا يمكن أن تفسخ خيوطه بسلاسة دون تكاتف بين الطرفين”.
وعلى عكس الموسم الماضي، يضيف المحلل السياسي ذاته، “فالكثير من أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج يجهلون إلى حد الآن مصير العودة إلى أرض الوطن، وهو ما يحمل الكثير من الآلام نظرا لكثرة المشاريع المؤجلة من السنة الفارطة، وأما التذرع بأزمة كورونا في استمرار غلق المعابر الحدودية، فما هو إلا قشة يتمسك بها الطرفان لتبرير تصاعد خلافهما الدبلوماسي”.
وشدد موساوي على أن “رد الرباط على مغادرة كبير الانفصاليين الأراضي الإسبانية، سيكون حاسما في استشراف طبيعة التأثيرات التي ستصيب باقي الملفات الحساسة التي تربط البلدين”.
وخلص المتحدث في ختام تصريحه لهسبريس إلى أن “العلاقات الاستراتيجية بين البلدين لن تعود إلى سابق عهدها على المدى القريب، ويبقى تغير الحكومة مستقبلا في الجارة الشمالية كفيلا بتحديد المعالم المحتملة التي من شأنها المساهمة في حلحلة هذه العلاقة المتشنجة”.