أظهرت التطورات الأخيرة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وكذلك التحديات التي تواجه المغرب في علاقاته مع إسبانيا وألمانيا حقيقة القومجيين والإسلامويين، وكشفت عن نواياهم ومخططاتهم التي يحتفظون بها من خلال معاكستهم للتوجهات الاستراتيجية للمملكة المغربية أو من خلال التزامهم موقف المتفرج والتزام الصمت حيال كل المؤامرات التي تحاك ضد بلادنا. وبدا واضحا أن المستهدف في المشهد السياسي ككل هو المغرب، وليس إسرائيل، من تلك المواقف أو الضغوطات الجارية من خلال تحريك الشارع لحمل المغرب على التراجع وعزله بشكل تام عن حلفائه وأنصاره في علاقته مع الخارج.
1 ـ بات من الواضح أن القضية الفلسطينية أو علاقة المغرب مع إسرائيل ليست كما يدعي أولئك المغرضون أنها من صلب اهتماماتهم ولا هي شغلهم الشاغل. فلعبتهم القذرة أكبر بكثير من ذلك الهدف المعلن. يتخذونها مطية ولا تعدو أن تكون سوى أوراق يلعبونها بنية إقحام أنوفهم في الخيارات الكبرى للدولة المغربية والتشويش عليها.
وما يؤكد بالفعل أنهم مناورون ومناوئون هو أنه بالرغم من أن المغرب يبرهن دائما على أنه من أكبر وأقوى الدول المؤيدة للقضية الفلسطينية سياسة وممارسة وتنسيقا مع القيادة الفلسطينية، بما يؤكد على أنه ملتزم بثوابت القضية في توظيف علاقاته المتنوعة مع كل دول العالم، بما فيها دولة إسرائيل، وتسخيرها لخدمة القضية، بالرغم من ذلك كله يشددون على وجوب قطع المغرب علاقاته مع إسرائيل.
وإن هم بالفعل معنيون ومنشغلون بتلك القضية، كان عليهم أن يؤازروا كل التحركات التي يبادر إليها المغرب الذي لم يترك لهم مجالا للمزايدة عليه، بل يتخذ مواقف متقدمة ويقطع عنهم وعن غيرهم كل السبل. القيادة الفلسطينية تشهد للمغرب بذلك ولم تجرؤ يوما بإيعاز من الرئيس محمود عباس على توجيه انتقادات للمغرب حينما أقام علاقات رسمية مع دولة إسرائيل، فكيف بتلك الكراكيز التي تشتغل على أجندات خارجية أن تسمح لنفسها بمطالبة المغرب بأشياء لم يطالب بها أصحاب القضية؟
من هنا يبدو أن العدو الحقيقي موجود في عباءتنا، وأن نيته باتت مكشوفة وهي إغراق المغرب في مستنقع وعزله عن حلفائه ثم التفرج عليه وهو يعاني من متاعب ورياح عاتية شرقية وغربية. ودعوتهم إلى قطع المغرب علاقته بإسرائيل تعني فيما تعنيه، تراجعه عن المكاسب التي حققها في الاتفاق الثلاثي مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع دولة إسرائيل، حيث بموجب ذلك الاتفاق التاريخي تعزز موقف المغرب بعد أن حصل على اعتراف من أقوى دولة في العالم.
والظاهر أن هذا الإنجاز غير المسبوق لم يعجب فئة ضالة من أبناء جلدتنا. ونقول لهم نحن مع القضية الفلسطينية التي هي قضية إنسانية وعادلة، ولكننا قبل هذا وذاك يجب أن نكون مع الوطن ومع قضاياه التي هي أقدس من كل القضايا. ولذلك نهتدي بقولة الحسن الثاني في الوطنية “أحب وطني بعد الله إلى درجة الوثنية”. ومن لم يعجبه هذا الطرح الوطني “فالباب أوسع من كتفيه”، وأرض الله واسعة لعله يجد فيها موطنا آخر إذا سمحوا له بذلك.
2 ـ بالتزامن مع تطورات الشرق الأوسط التي كشفت عن نوايا المناوئين للمغرب، دخلت تطورات أخرى على الخط لتزيد من فضح مخططات أولئك الذين تحسبهم مغاربة ولكنهم ليسوا كذلك. ومن خلال ما أظهروه من موقف معارض للاتفاق الثلاثي، فقد اختاروا أن يتخندقوا مع الدول المناوئة للمغرب، منها دولة العسكر في الجزائر وإسبانيا التي أرادت مناكفة المغرب بعد ذلك الاتفاق التاريخي وتعمدت استفزازه، مما تسبب في خلق أزمة سياسية بين الرباط ومدريد على خلفية استقبال هذه الأخيرة للمدعو إبراهيم غالي أو محمد بن بطوش.
ورغم أن الأزمة ما زالت تداعياتها الخطيرة آخذة في الاستفحال، تعمد الإسلاميون والقومجيون سياسة الصمت والوقوف على الحياد وكأن الأزمة لا تعنيهم ولا هي تتعلق ببلد يتفيؤون في ظلاله ويشربون ماءه ويأكلون من غلته. والمفارقة الغريبة، تراهم جند مجندون لقضية لها أهلها من جهة، ومن جهة أخرى تراهم وقد ضربت على رؤوسهم الطير غير عابئين تماما بالمؤامرات التي تحاك ضد وطن أسقطوه من حساباتهم، وطن لم يجد له مكانا في أجندتهم.
ونذكرهم إذا نسوا أو تناسوا أن إسبانيا تحتل عدة جزر مغربية بالإضافة إلى سبتة ومليلية، ومن دون وجل تجدهم يخرجون ليطالبوا بتحرير فلسطين ولا يطالبون بتحرير ما تبقى من الأراضي المغربية، ولا حتى بتحرير أنفسهم بعد أن استوطن فيهم الفكر القومجي.
نفس الموقف وعيونهم تتغامز فيما بينهم ليشمتوا في وطن يكابد همه في أزمة أخرى مع ألمانيا. ولم نر من هؤلاء القوم أية إشارة أو ما يفيد مناهضتهم للمؤامرات التي يحيكها هذا البلد الأوروبي ضد الوحدة الترابية للمملكة، وكأن هذه التطورات الخطيرة تستهدف بلدا يقع في كوكب خارج الكرة الأرضية. كيف يمكن قراءة هذا السلوك إن لم يكن رسالة تواطؤ قد تفهمها ألمانيا بأن الأزمة مع المغرب هي أزمة مع مؤسسات وليس مع المغاربة؟ هذا هو الانطباع الذي تتركه رسالتهم التي لها تداعيات من قبيل عزل المغرب وإظهاره كذلك غير مسنود من الداخل في تلك الأزمات مع محيطه الإقليمي.
نفس المواقف السلبية تتبناها هذه الجماعة الضالة والمتآمرة في مختلف أوجه الصراع والمعارك مع النظام الجزائري. هذا النظام لا يتوانى لا في صغيرة ولا كبيرة إلا وقام بتوظيفها ضد المغرب والمغاربة. وتعددت أساليبه وأوجه استفزازاته من حملة إعلامية وحملة دبلوماسية وحشود عسكرية على الحدود والتهديد بالحرب. كل ذلك يحدث وجماعة السفياني ومعها الملتحون جميعهم عن ذلك غافلون. عرف المغرب مؤخرا محطات للمساومة والابتزاز على وحدته واستقراره واكتفت عناصر تلك الجماعة بمعاينة المشهد عن بعد تفرجا وشماتة وكأن الأمر لا يعنيها.
نسائلهم اليوم عن أسباب غيابهم عن أزمة الكركرات التي هزت وحركت وطنية كل الأحزاب السياسية التي ذهب قادتها إلى عين المكان تعبيرا عن حماية وطنهم وحماية أنفسهم، إلا هم. نسائلهم كذلك عن موقفهم المخزي من أزمة مزارع العرجات وما أعقبها من حشود عسكرية جزائرية على الحدود المغربية. نسائلهم أيضا عن الصفعة التي تلقوها من السفير الفلسطيني لدى الجزائر الذي رفع خرقة الانفصاليين ليرد على خرجاتهم التضامنية بالرباط مع الشعب الفلسطيني. وقائمة الاستفزازات طويلة ولا حياة لمن تنادي.
هذه المواقف المريبة تعيدنا إلى زمن المكائد والمؤامرات التي كانت تحاك ضد المغرب في ستينيات القرن الماضي حيث كانت الناصرية تريد غزو العالم العربي وكان المغرب هدفا من أهدافها عبر زرع عملاء لها في هذا الوطن، بعضهم منا يعيشون اليوم على بقايا تلك العقيدة التي ما زالت تأسرهم وتستوطنهم.
يا من يأكلون الغلة ويلعنون الملة، هذا وطن المغاربة الأحرار يسكن في وجدانهم ويرابطون في تخوم الصحراء دفاعا عنه ويفدونه بالأرواح لكي ننعم بالطمأنينة والسكينة. هل جزاء هؤلاء الأحرار أن تخذلوهم بمواقف الطعن من الخلف؟ ففي تلك اللحظة التي تخرجون فيها دفاعا عن قضية ما، لا تكلفون أنفسكم عناء لحظة مماثلة أو أقلها لكي تقولوا لهذا الوطن ها نحن هنا، كما يلبي الأحرار نداء الوطن. وطن مخلد برجاله المتجددين، وسيبقى كذلك بتاريخه العريق ولا غرو في ذلك فجبل ايغود يشهد عنه، فهو مهد البشرية قبل 300 ألف عام. ولن ينال منه غدركم ولا مكركم ويصدق فيكم قوله سبحانه وتعالى: “ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله”.