لا يمكن الحديث عن العمل النقابي في المغرب منذ الاستعمار الفرنسي إلى اليوم دون استحضار رواده ومؤسسيه، الذين ساهموا بنضالاتهم داخل المعامل والمؤسسات في إرساء قواعده وأسسه.

عبد الرزاق أفيلال، الملقب بـ”الطنجاوي”، واحد من رموز العمل النقابي المغربي ومؤسسي الحركة النقابية، الذي وصفه الكاتب الفرنسي جيرارد فونتونو بـ”رجل يحمل وراءه مسارا نضاليا يقارب خمسين سنة”.

عبر حلقات تنشرها جريدة هـسبريس الإلكترونية، نحاول تسليط الضوء على مسارات رجل تعليم ظل يتربع على عرش نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب لأكثر من أربعة عقود، من خلال شهادة خاصة يقدمها نجله الكاتب رشيد أفيلال.

الحلقة 3:

اختار المناضلون المغاربة الذين كانوا يمارسون العمل النقابي بدون إطار أن يتحدوا القانون الذي كان يمنع تأسيس نقابة عمالية، واستطاعوا أن يخرجوا إلى العلن في 20 مارس 1955 إطارا مغربيا خاصا بهم، هو الاتحاد المغربي للشغل، برئاسة المحجوب بن الصديق.

خلال هذه الفترة، لم يكن عبد الرزاق أفيلال حاضرا لتأسيس هذا الإطار النقابي بحكم تواجده بمنطقة الزواقين التي نفي إليها، لكن بعد عودته سنة 1958 سيشرع في العمل النقابي رفقة معلمين، ليساهم بجانبهم في تأطير العمال وتوعيتهم بالعمل النقابي.

ويروي الكاتب رشيد أفيلال أن والده عبد الرزاق كان بمدرسة المعلمين يُدرس نوبير الأموي، النقابي الذي قاد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والذي كان يعاكس الوطنيين في لباسهم التقليدي، وكان أفيلال يرفق تنقيط الأموي بملاحظة “لا يصلح للتعليم”.

في تلك الحقبة، ستظهر بوادر أزمة داخل الاتحاد المغربي للشغل، حيث بدأ “النقابيون الأحرار”، كما أطلق عليهم، وعلى رأسهم عبد العزيز الكوهن ومحمد بوطالب إلى جانب أفيلال، في الاحتجاج على القيادة، وذلك بالنظر لعدم إتاحة النقابة الفرصة لمناضليها في اتخاذ القرارات.

وفي 25 يناير 1959، سيتخذ المهدي بنبركة قرارا يقضي بإحداث هياكل وتنظيمات جديدة داخل حزب الاستقلال، ما دفع زعيم الحزب علال الفاسي آنذاك إلى طرده رفقة المحجوب بن الصديق وآخرين.

ويروي الكاتب في شهادته أن العلاقة داخل الاتحاد المغربي للشغل توترت مع “النقابيين الأحرار”، ووصلت إلى مواجهات دامية واعتقالات، خصوصا خلال أشغال المؤتمر الثاني الذي عقد بالدار البيضاء.

وتطورت المواجهات، ما دفع “النقابيين الأحرار” إلى خوض وقفة أمام القصر الملكي، ملتمسين ملاقاة الملك الراحل محمد الخامس، بيد أن السلطات حاصرتهم وطوقت الأجهزة الأمنية جامع السنة بالبيضاء لمنع خروج الطبقة العمالية، قبل أن يتدخل وزير الداخلية ويقترح عليهم انتداب من يمثلهم لطرح ملفهم.

وبينما كان ممثلو العمال ينتظرون لقاء الوزير، سيتفاجؤون بحضور ضباط أمنيين اقتادوهم إلى السجن بالرباط قبل إحالتهم على المحاكمة.

عقب هذه الأحداث، توالت الانشقاقات داخل نقابة الاتحاد المغربي للشغل، خصوصا من لدن المنخرطين في حزب الاستقلال، لتشهد الحركة النقابية يوم 20 مارس 1960، على هامش الندوة التي دعا إليها الحزب، تحول جدول الأعمال إلى الإعلان عن تأسيس نقابة جديدة وانتخاب مكتبها المسير.

خلال هذا اللقاء، اعتلى القيادي محمد الديوري المنصة ليعلن عن ميلاد نقابة تحمل اسم “الاتحاد العام للشغالين بالمغرب”، وتم اختيار محمد هاشم أمين كاتبا عاما لها.

hespress.com