بعيدا عن العواطف والتعلق الوجداني بالقضية الفلسطينية، يعتقد الدكتور سمير بنيس أن قرار اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء “سيكون له تأثير غير مسبوق ليس فقط على الموقف المغربي، بل على العملية السياسية الأممية ككل”.

واعتبر بنيس في مقال له حول الآثار السياسية والقانونية لهذا الحدث أن قرار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب “يعتبر إنجازاً دبلوماسياً غير مسبوق”، مضيفا أنه “في حال حافظ الرئيس المنتخب جو بايدن على السياسة الجديدة التي سنها ترامب (وهو السيناريو القريب للواقع)، فسيكون لذلك تأثير كبير على العملية السياسية الأممية، وقد يدفع دولاً أخرى للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، ما سيعمق العزلة الدبلوماسية لكل من الجزائر والبوليساريو”.

ويواصل الكاتب في مقاله استعراض المزيد من هذه الآثار، ملحّا على ضرورة التعبئة الأكاديمية والإعلامية لمواكبة هذا الاعتراف.

وهذا نص المقال:

في مقال نشرته قبل فترة ذكرت بعض الأسباب الموضوعية التي قلت إنها ستدفع المغرب إلى عدم التفكير في تطبيع علاقاته مع إسرائيل. إلا أن تخميناتي هذه المرة جانبت الصواب، إذ أتثبت مجريات الأمور أن ما كان الكثيرون يعتبرونه فقاعة إعلامية أصبح واقعا. في آخر المطاف، فإن المحلل أو المراقب يبني تحليلاته على معطيات موضوعية وليست له دراية بما يجري في الكواليس وبالحسابات السياسية للسلطات العمومية.

حسب وسائل الإعلام الأمريكية فإن فكرة اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء نشأت في غضون عام 2018 مقابل إقدام المغرب على استعادة علاقاته مع إسرائيل والرقي بها إلى مستوى دبلوماسي. وكان من المفروض أن يعلن ترامب عن ذلك قبل أكثر من سنة ونصف، إلا أن معارضة مستشاره السابق في الأمن القومي جون بولتون، والسناتور الموالي للبوليساريو جيمس إنهوف، حالت دون وقوع ذلك. وحسب موقع أكسيوس المقرب من دوائر القرار في واشنطن فإن ما يفسر تأخر إعلان ترامب عن اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء في هذه الظروف هو الخلاف الشخصي الذي طرأ بينه وبين السناتور جيمس إنهوف حول إحدى بنود قانون تصريح الدفاع الوطني.

التداعيات السياسية والقانونية لهذا القرار

بالنظر إلى ارتباطي العاطفي والديني بالقضية الفلسطينية وبحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة، كنت أتمنى ألا يكون قرار اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء مقرونا بقرار المغرب تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.

غير أنه وبغض عن العواطف والتعلق الوجداني بالقضية الفلسطينية، أظن أنه سيكون لهذا القرار تأثير غير مسبوق ليس فقط على الموقف المغربي، فإذا كان موقف المغرب قد تعزز خلال السنوات الثلاث الماضية من خلال إدراج الجزائر في القرارات الخمسة الأخيرة لمجلس الأمن باعتبارها طرفا رئيسيا في النزاع، ومن خلال تأكيد هذه القرارات على الواقعية للتوصل إلى حل سياسي متوافق عليه، بالإضافة إلى اعتراف 17 دولة بسيادته على الصحراء من خلال فتح قنصليات لها هناك، فإن قرار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب يعتبر إنجازاً دبلوماسياً غير مسبوق. وفي حال حافظ الرئيس المنتخب جو بايدن على السياسة الجديدة التي سنها ترامب (وهو السيناريو القريب للواقع) فسيكون لذلك تأثير كبير على العملية السياسية الأممية، وقد يدفع دولاً أخرى إلى الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، ما سيعمق العزلة الدبلوماسية لكل من الجزائر والبوليساريو.

قد يقول البعض إنه لن يكون لهذه الخطوة أثر قانوني أو أثر على المستوى السياسي، طالما أنها جاءت على شكل إعلان (Proclamation) وليست قراراً تنفيذياً (executive order) صادرا عن الرئيس ترامب، كما أن الرئيس بايدن سيقوم بالتراجع عن هذا القرار؛ لكنني أظن أن هذه قراءة متسرعة للأمور لا تأخذ في عين الاعتبار العديد من العناصر المترابطة التي لا يمكن من دونها فهم أبعاد هذه الخطوة وتأثيرها على مستقبل الملف، كما لا تأخذ بعين الاعتبار البعد القانوني الضمني لهذا الإعلان وأثره على الموقف الأمريكي من هذا النزاع في المستقبل.

أولاً نقطة ينبغي أخذها في عين الاعتبار هي أن هذا الإعلان، وإن كان من الناحية الشكلية قد لا يرقى إلى مستوى القوانين الصادرة عن الكونغرس أو إلى مستوى القرارات التنفيذية الصادرة عن الرئيس، إلا أن له بعدا قانونيا. فحسب لجنة العمليات الحكومية بمجلس النواب (House Government Operations Committee) فإن “الأوامر التنفيذية والإعلانات هي توجيهات أو إجراءات تصدر عن الرئيس، وحينما يعتمدها الرئيس بناءً على سلطته المستمدة من الدستور أو النظام الأساسي قد تكون لها قوة وتأثير القانون”.

إضافة إلى ذلك، فحينما يتم استعمال هذه الإعلانات أو الأوامر التنفيذية تماشيا مع سلطات الرئيس، ويتم نشرها، تصبح لها قوة وتأثير القانون. وحسب الممارسة المتعارف عليها في توزيع السلط بين السلطة التنفيذية والكونغرس، يمكن لهذا الأخير إلغاء هذه الإعلانات الرئاسية في حال تم اعتمادها في إطار خارج عن السلطة المخولة للرئيس بموجب الدستور. وهناك العديد من الحالات التي قام فيها الكونغرس بإلغاء إعلانات الرئيس وقراراته التنفيذية؛ إلا أن هذه الحالات اقتصرت فقط على القرارات التي تهم السياسية الداخلية للبلاد وليس قضايا السياسة الخارجية.

وحسب الممارسة السياسية الأمريكية، وفي حال تم اللجوء إلى المحاكم لتحديد قانونية إعلان رئاسي أو قرار تنفيذي من عدمه، فقد جرت العادة أن تتعامل المحكمة باحترام مع الرئيس كلما كان موضوع ذلك له علاقة بتدبير السياسة الخارجية الأمريكية.

بالإضافة إلى ذلك، فحينما يكون هناك غموض حول تقاطع الصلاحيات الرئاسية وصلاحية الكونغرس، ويقوم الرئيس باعتماد إعلان رئاسي ولا يلقى معارضة من الكونغرس، فإن صمت هذا الأخير عن ذلك الإعلان يعتبر إذعانا ضمنيا لصلاحية الرئيس في اتخاذ تلك الخطوة.

وحتى نقطع الشك باليقين ونستخلص أن قرار الرئيس ترامب يدخل ضمن اختصاصاته، وأن الكونغرس لن يقوم بإلغائه، نستحضر القرار المفاجئ للرئيس السابق ريتشارد نيكسون عام 1971 حينما فاجأ السياسيين والرأي العام الأمريكي وعبر عن نيته تطبيع علاقاته مع الصين. فرغم أهمية ذلك القرار ووقعه على مستقبل البلاد وتنافيه مع السياسة الخارجية الأمريكية آنذاك، إلا أن الرئيس نيكسون اتخذ هذا القرار تماشياً مع السلطة التي يخولها لها الدستور لتدبير شؤون السياسة الخارجية لبلده؛ كما أنه قام بذلك بدون استشارة الكونغرس، الذي لم يحاول بعد ذلك إعادة النظر في هذا القرار أو إلغاءه. وحينما اتخذ الرئيس نيكسون ذلك القرار، غير توجه السياسة الخارجية ضد الصين.

التأويل القانوني لإعلان الرئيس

ومن جهة أخرى، فحينما نقرأ إعلان الرئيس ترامب بتمعن، نرى أنه يتضمن كذلك قراره فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة. وحتى ولو افترضنا جدلاً أنه ليس لهذا الإعلان أثر قانوني على السياسة الأمريكية تجاه هذا الملف أو تجاه علاقاتها مع المغرب، فيمكن القول بناء على مبدأ “التأويل القانوني” (Legal interpretation) إن قرار الرئيس فتح قنصلية في الداخلة يعطي لهذا الإعلان قوة القانون، إذ لا يمكن للرئيس أن يقوم بهذه الخطوة إلا إذا كانت له السلطة القانونية التي تخوله القيام بذلك. إن تأويل اللغة التي يحتويها نص الإعلان هو الذي يعطيها معنى قانونياً ويعطيها قوة القانون.

والحالة هذه فإن فتح البعثات الدبلوماسية والاعتراف بالحكومات الأجنبية يدخل ضمن السلطات الرئاسية التي حددها الدستور الأمريكي، وإن كان هناك بعض التداخل بين اختصاصات الرئيس واختصاصات الكونغرس بخصوص بعض القضايا المرتبطة بصياغة وتنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة. كما أنه بمجرد أن يتم فتح قنصلية أمريكية في الداخلة فسيعني ذلك اعترافاً رسميا للولايات المتحدة بسيادة المغرب، وستكون له تبعات قانونية طبقاً للامتيازات والالتزامات التي تضمنها اتفاقية فيينا المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية بين الدول.

ولمعرفة أهمية “التأويل القانوني” في إعطاء معنى قانوني للنصوص غير الواضحة، أود الإشارة إلى أن الدستور الأمريكي لا يتضمن أي إشارة تضمن حق الشعب الأمريكي في التعليم، بينما يضمن حقه في امتلاك السلاح والتصويت من بين حقوق أخرى. ومع ذلك، وبفضل اجتهاد فقهاء القانون وتأويلهم لنص الدستور، فقد استنتجوا أن حق الشعب الأمريكي في التصويت يكفل لهم كذلك الحق في التعليم. ووصل فقهاء القانون الأمريكيون إلى هذا الاستنتاج بعدما أولوا نص الدستور وخلصوا إلى أنه لا يمكن لأي أحد أن يمارس حقه في التصويت إذا لم يحصل على مستوى تعليمي يؤهله للتواصل مع الفاعلين السياسيين المحليين والفدراليين ويمكنه من فهم خطابهم بشكل يؤهله لممارسة حقه في التصويت بناءً على اقتناع ودراية بالبرنامج الانتخابي لكل مرشح على حدة. بناءً على ذلك، يمكن القول إن مبدأ “التأويل القانوني” المعمول به في القانون الأمريكي يعطي لإعلان الرئيس ترامب قوة القانون.

إن هذه القراءة لا تعني بشكل قطعي أن الرئيس بايدن سوف يقوم بفتح قنصلية في الداخلة طالما أن قرار سلفه اكتسب قوة القانون. فقد لا يقوم بذلك ولن يكون عليه حرج. في هذا الصدد، علينا أن نستحضر أن الكونغرس سن عام 1995 قراراً- بدعم من بايدن الذي كان آنذاك سناتور- يدعو البيت الأبيض إلى تحويل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس. إلا أن هذا القرار لم يدخل حيز التنفيذ إلى بعد 23 سنة بعد وصول الرئيس ترامب للحكم.

زخم سياسي غير مسبوق للموقف المغربي

بغض النظر عما إذا كانت لهذا الإعلان قوة قانونية أم لا، فإن قيمته تمكن في الزخم السياسي والدبلوماسي الذي يعطيه للموقف المغربي وفي تأثيره من الناحية العملية على موقف الإدارة الأمريكية من ملف الصحراء. من الناحية السياسية والدبلوماسية، فإن هذا القرار سيمثل من الآن فصاعداً الموقف الرسمي للولايات المتحدة تجاه المغرب وقضية الصحراء، وسيشكل الإطار الدبلوماسي الذي سيحكم موقفها من هذا النزاع. هناك من يقول إن حالة الانقسام التي يعيشها المشهد السياسي الأمريكي وتوقيت القرار الذي جاء قبل أقل من ستة أسابيع على انتهاء ولاية الرئيس ترامب سيدفع خلفه الرئيس جو بايدن إلى إبطال مفعوله والرجوع إلى الموقف التقليدي لواشنطن. صحيح أن جو بايدن أعلن أنه سيقوم إلغاء العديد من القرارات التي اتخذها الرئيس ترامب، وعلى رأسها قرار الانسحاب من اتفاق باريس للتغير المناخي وقرار الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وكذا الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.

إلا أن الفرق بين قضية الصحراء والقضايا الثلاث المذكورة أن هذه الأخيرة تعتبر قضايا خلافية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خاصة حينما وصل الرئيس ترامب إلى الرئاسة. على سبيل المثال، فهناك خلاف جوهري بين الحزبين حول طريقة التعامل مع الملف النووي الإيراني. على النقيض من ذلك، فإن قضية الصحراء والعلاقات الأمريكية ليست قضية خلافية بين الحزبين على الإطلاق، بل إن المغرب نجح على مر السنين في الحصول على دعم الحزبين بخصوص موقفه من الصحراء المغربية. وهنا علينا أن نستحضر القرارات التي اعتمدها الكونغرس خلال السنوات الماضية، والتي صوت فيها أعضاء الحزبين على إدراج الصحراء في المساعدات السنوية التي تمنحها واشنطن للرباط؛ كما أنها ليست قضية ذات أهمية قصوى بالنسبة للرئيس، ولن تكون ضمن أولوياته.

بالإضافة إلى الدعم الذي يحظى به المغرب من كل الحزبين داخل الكونغرس، فإن ما يبعد فرضية إلغاء بايدن لقرار ترامب هو معرفته الدقيقة بحيثيات الموقف المغربي وانتظارات المغرب بخصوص الولايات المتحدة الأمريكية؛ كما أنه على دراية بأن المغرب قد قدم مقترح الحكم الذاتي لمجلس الأمن بناءً على اقتراح من الرئيس السابق بيل كلينتون. وبالتالي فإن اعتراف ترامب بمغربية الصحراء ما هو إلا تحصيل حاصل وترجمة صريحة للموقف الأمريكي من هذه القضية. كما أن بايدن على وعي بنوعية العلاقات التي تجمع البلدين ولن يقوم بأي خطوة من شأنها أن تتسبب في توتر غير مسبوق بينهما.

الأهم من ذلك أن قرار المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل سيجعله في موقف أكثر قوة في واشنطن مما كان عليه الأمر في السابق. فإذا كان المغرب استفاد لسنوات عديدة من دعم اللوبي اليهودي ومن جاليته المقيمة في الولايات المتحدة للتأثير على موقف هذه الأخيرة بخصوص الصحراء، فإن إعلانه تطبيع علاقاته مع إسرائيل ومساهمته في إنهاء عزلتها الإقليمية سيقوي جبهة اللوبي اليهودي الموالي المغرب. ويعتبر نفوذ وتأثير اللوبي اليهودي على أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين من بين المسلمات ومن بين أهم ما يميز الحياة السياسية الأمريكية، وإن كان هذا النفوذ قد بدأ يعرف بعض التقهقر في الآونة الأخيرة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التاريخ السياسي للرئيس بايدن منذ الأيام الأولى من انتخابه سيناتوراً عن ولاية ديلاوير عام 1973 مروراً بترؤسه للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وانتهاءً بشغله منصب نائب الرئيس خلال فترة الرئيس أوباما، يؤشر على أن بايدن لن يكون لديه أي حافز شخصي أو سياسي لإلغاء قرار الرئيس ترامب حول مغربية الصحراء. فمعروف عن الرئيس بايدن أنه، وإن كان يؤمن بحل الدولتين وسيعمل على استعادة الموقف التقليدي للولايات المتحدة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فإنه من بين المدافعين الشرسين عن إسرائيل وعن واجب كل إدارة أمريكية توفير الحماية الأمنية الضرورية لها.

كما أن الرئيس بايدن ينظر إلى قرارات أربع دول عربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بعين الرضا. وقد سارع بايدن من اليوم الأول من إعلان أبو ظبي عن تطبيع علاقاتها مع تل أبيب إلى الإشادة بالاتفاق وبـ”جرأة وريادة” الإمارات العربية المتحدة. ولا شك أنه من خلال إقناع المغرب باستئناف علاقاته مع إسرائيل والرقي بها إلى مستوى الاعتراف الدبلوماسي، فإن الرئيس ترامب قدم هدية للرئيس بايدن الذي يري العديد من الخبراء في واشنطن أنه سيعمل كذلك على دفع عدد أكبر من الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. فحتى لو اختلف الرئيس بايدن مع الرئيس ترامب من ناحية الشكل والأسلوب بخصوص العلاقات المتميزة بين واشنطن وتل أبيب، إلا أن جوهر سياسة أي رئيس أمريكي هو تمكين إسرائيل من تعزيز قبضتها على الأراضي الفلسطينية وتوفير الدعم السياسي لها في المحافل الدولية وضمان تفوقها العسكري على جيرانها.

بالإضافة إلى ذلك، سيعمل بايدن على استعادة ثقة شركاء وحلفاء الولايات المتحدة في حرصها على احترام تعهداتها والاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف التي وقعت عليها، خاصةً بعد الضرر الذي ألحقه الرئيس ترامب بالسمعة الدولية للولايات المتحدة بعد انسحابه من العديد من الاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف. أمام هذا الوضع، وفي حال قرر بايدن إلغاء قرار الرئيس ترامب بخصوص الصحراء فإن هذه الخطوة ستضعف مصداقية الولايات المتحدة، وهو ما لا يتماشى مع مخططات بايدن الذي يسعى إلى استعادة هيبة وحظوة بلاده على الصعيد الدولي.

كل هذه العوامل مجتمعة ستدفع الرئيس بايدن، ولو على مضض، إلى الحفاظ على السياسة التي وضعها الرئيس ترامب تجاه المغرب بخصوص الصحراء والبناء عليها للتوصل إلى حل سياسي متوافق عليه يتماشى مع الواقعية وروح التوافق التي دعت إليها قرارات مجلس الأمن. هذا لا يعني أن إمكانية قيام بايدن بإلغاء قرار ترامب غير واردة البتة. قد تخالف إدارة بايدن التوقعات وتعيد النظر في هذا القرار. غير أن هذا القرار قد يؤثر بشكل غير مسبوق على العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة، وهو ما ليس في مصلحة البلدين. كما أنه قد يلاقي معارضة شديدة من أعضاء الكونغرس.

الحاجة إلى تعبئة دبلوماسية وأكاديمية وإعلامية شاملة

بالإضافة إلى ذلك، وكما سبقت أن أشرت إلى ذلك في مقالات سابقة، لا ينبغي أن نبالغ في الاحتفال والركون إلى الخلف والظن أن ملف الصحراء قد أصبح في الطريق الصحيح نحو الحل النهائي. إن إقرار أمريكا سيادة المغرب على الصحراء لن يؤدي في المستقبل المنظور إلى إنهاء هذا الملف، خاصةً أن الجزائر تحظى بدعم روسيا، التي دأبت خلال السنوات الأربع الماضية على الامتناع عن قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالملف. وعلى ضوء التجاذب والخصومة السياسية بين واشنطن وموسكو، فإن هذه الأخيرة لن تدخر جهداً للحيلولة دون اعتماد مجلس الأمن لأي قرار يزكي الموقف الأمريكي ويجعل مقترح الحكم الذاتي المغربي أساس التوصل إلى حل سياسي. كما ستضاعف الجزائر من جهودها الدبلوماسية والإعلامية من أجل إقناع الرئيس بايدن والمستشارين المقربين منه بإعادة النظر في قرار الاعتراف بمغربية الصحراء.

صحيح أن المغرب ربح معركة دبلوماسية مهمة جداً، إلا أن الحرب الدبلوماسية والسياسية والإعلامية بينه وبين الجزائر ستعمر لوقت طويل وستزيد احتداما، وستلجأ الجزائر والبوليساريو إلى شتى الطرق الملتوية للحيلولة دون احتفاظ المغرب بالمكتسبات التي حققها إلى حد الآن. ومن ثم، ينبغي أن تكون هناك تعبئة شاملة من الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين والأكاديميين والصحافيين لإيصال صوت المغرب إلى العالم ولإطلاعه على الوجه الحقيقي للنزاع وتشعباته. إن المغرب والمغاربة الآن أمام اختبار مواجهة آلة إعلامية لا تنصف حقوق المغرب التاريخية والقانونية وسردية منحازة مازالت تعتبر الحكم الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 1975 هو المرجع الرئيس لحل هذا النزاع، دون الاكتراث ببعض الثغرات والتناقضات التي تضمنها ولا بالآراء المعارضة لبعض القضاة الذين شاركوا في النطق بذلك الرأي ولا بالتطورات السياسية والدبلوماسية التي عرفها الملف خلال العقدين الأخيرين. ومن ثم ضرورة تكثيف الجهد الإعلامي والأكاديمي وجعله الرافد الذي يغذي ويقوي الجهود التي تقوم بها الدبلوماسية المغربية من أجل الحفاظ على مكتسبات المغرب والدفاع عن حقوقه ومصالحه.

hespress.com