تظل السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل ثابتة إلى حد ما، على الرغم من تغيير الإدارات الأمريكية، حسب ما يراه بيتر شفايتزر، رئيس معهد المساءلة الحكومية الأمريكي، وهو أحد كبار الزملاء في معهد جيتستون الأمريكي للأبحاث والدراسات.
وقال شفايتزر، في تقرير نشره معهد جيتستون، إنه حتى بعد “جولة الاعتذار” التي قام بها باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الأسبق، إلى العالم العربي في وقت مبكر من فترة رئاسته الأولى، والمحاولة التي قام بها في اللحظات الأخيرة من أجل إقامة دولة فلسطينية من خلال قرار مجلس الأمن الأممي رقم 2334، لم تتغير السياسة الأمريكية الرسمية تجاه إسرائيل بشكل ملحوظ.
ويصدق ذلك على الرغم من جهود أوباما والكراهية الشخصية الملموسة بينه وبين الزعيم الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد حددت السياسة الأمريكية تجاه “جيران” إسرائيل طبيعة علاقة كل إدارة بالدولة اليهودية، حسب ما كتبه شفايتزر في تقريره.
وقال شفايتزر إن إدارة أوباما كانت حريصة على تحسين مكانة أمريكا بين الدول الإسلامية في الشرق الأوسط. كما تفاوضت إدارته على إبرام اتفاق نووي مع الزعماء الإيرانيين؛ ولكنه “كان سيئا بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لأنها رأت أنه يضفي الشرعية فقط على النظام الذي وصفته وزارة الخارجية الأمريكية بأنه “أسوأ دولة راعية للإرهاب في العالم”، وسيئا أيضا بالنسبة إلى إسرائيل “لأنه سوف يسمح لإيران بأن تصبح قوة نووية شاملة بعد بضعة أعوام”.
وقد كان ذلك الاتفاق واحدا من الأسباب الكثيرة وراء نجاح حملة الانتخابات الخاصة بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في عام 2016.
إذن، ماذا تعني الإدارة الجديدة في ظل حكم الرئيس جو بايدن- الذي شغل من قبل منصب نائب الرئيس الأسبق أوباما – بالنسبة إلى مستقبل إسرائيل؟ يقول الكاتب الأمريكي، شفايتزر، في البداية، تعني هذه الإدارة “حياة ثانية لذلك الاتفاق الإيراني غير النافع”. وقد وعدت إدارة بايدن بالفعل بإعادة الولايات المتحدة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة”، شريطة أن توافق إيران من جديد على الالتزام بشروطها.
ويتركز الموقف الحالي للإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي على أنه يجب على الإيرانيين، الذين انتهكوا منذ فترة طويلة القواعد الخاصة بحدود تخصيب اليورانيوم التي فرضها الاتفاق، أن يعودوا إلى الامتثال للشروط التي وافق عليها أوباما قبل أن تسمح الولايات المتحدة بأي تخفيف للعقوبات التي فرضها ترامب.
ومن جانبها، تصر طهران على رفع العقوبات أولا، وتحاول تجميع بعض أوراق الضغط أو النفوذ لإجبار بايدن على ذلك. وقامت بتكثيف تخصيب اليورانيوم، وبدأت في إنتاج معدن اليورانيوم الذي يستخدم في صنع القنابل الذرية.
ويقول شفايتزر إن “الإيرانيين لن يحترموا على الأرجح تلك الشروط، وذلك استنادا إلى سجلهم الحافل”، مضيفا أنه “من المؤكد أن ذلك سوف يخلق حالة من الاحتكاك، ليس فقط مع إسرائيل – التي لديها كل ما تخشاه، من عدو لدود مسلح نوويا ويوجد قريبا جدا من حدودها – ولكن أيضا مع العديد من جيران إيران من الدول السنية، التي تشعر بالقلق من إمكانية وجود هيمنة شيعية طموحة ذات سلاح نووي في المنطقة”.
وتتناول الصحف الإسرائيلية حاليا تجهيزات الجيش الإسرائيلي لخطط من أجل خيار عسكري محتمل، “لتقويض الجهود الإيرانية النووية، أو إذا لزم الأمر، لمواجهة العدوان الإيراني، والتي سيتم عرضها على الحكومة قريبا”.
لقد حملت السلطات الإيرانية صراحة إسرائيل مسؤولية اغتيال محسن فخري زاده، العالم النووي الإيراني البارز، في ضواحي طهران، بما وصفه الإيرانيون بأنه مدفع آلي يتم التحكم فيه بواسطة الأقمار الصناعية، بعد ثلاثة أسابيع فقط من انتخاب بايدن.
ومن جانبها، ترى إسرائيل بوضوح أنها تتعرض للتهديد بسبب سعي إيران إلى تخصيب اليورانيوم بمستويات تجاوزت بكثير المستويات المحددة في الاتفاق النووي من أجل الاستخدامات المدنية.
وسوف تحدد كيفية تعامل بايدن وفريقه الدبلوماسي المقبل مع هذا الاختبار المبكر الكثير بشأن أولوياتهم والقضايا التي سوف تستحوذ على تركيزهم.
ومن الواضح أن بايدن ووزير خارجيته، أنتوني بلينكن، لن يرغبا في أن يتم تحويل انتباههما عن باقي القضايا في أجندتهما، بسبب الحرب بين إسرائيل وإيران، أو بسبب أي شخص آخر.
ويوضح شفايتزر أنه “إلى جانب الخطر الإيراني، تواجه إسرائيل كعادتها مشكلتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية”، مضيفا أن العديد من المراقبين يتوقعون أن تبدو سياسة بايدن الرسمية تجاه الفلسطينيين أشبه إلى حد كبير بسياسة أوباما أو الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.
ولم ينجح أي من كلينتون أو أوباما في اتباع أي طريقة مستدامة؛ ولكن بالنسبة إلى الديمقراطيين، الذين سئموا من أي شيء مرتبط بترامب، قد يبدو عدم إحراز أي تقدم طويل الأمد أفضل من الاستمرار في بناء تحالف ناجح في المنطقة.
ويواجه الرئيس بايدن قوى مؤيدة للفلسطينيين ومعادية لإسرائيل، داخل حزبه، بصورة أكبر مما واجهه أسلافه من الديمقراطيين.
وما زالت هناك الكثير من المشاكل المحلية التي تنتظر أن يوليها بايدن الاهتمام، وذلك بداية من التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس “كورونا”، ووصولا إلى التوترات العرقية من جانب المتطرفين من تياري اليسار واليمين.