لا يمكن الحديث عن العمل النقابي في المغرب منذ الاستعمار الفرنسي إلى اليوم دون استحضار رواده ومؤسسيه، الذين ساهموا بنضالاتهم داخل المعامل والمؤسسات في إرساء قواعده وأسسه.

عبد الرزاق أفيلال، الملقب بـ”الطنجاوي”، واحد من رموز العمل النقابي المغربي، وأحد مؤسسي الحركة النقابية، الذي وصفه الكاتب الفرنسي جيرارد فونتونو بـ”رجل يحمل وراءه مسارا نضاليا يقارب خمسين سنة”.

عبر حلقات تنشرها جريدة هسبريس الإلكترونية، سنحاول تسليط الضوء على مسارات رجل تعليم ظل يتربع على عرش نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب أكثر من أربعة عقود، من خلال شهادة خاصة يقدمها نجله الكاتب رشيد أفيلال.

الحلقة 2:

في عام 1948 تخرج عبد الرزاق أفيلال ضمن فوج يضم تسعة أساتذة مكونين من معهد الدراسات العليا بالرباط، الذي تابع دراسته فيه بفضل الدعم الذي كان الملك الراحل محمد الخامس يقدمه لأسرته عن طريق زهراء بنت المكي جدته التي كانت تشتغل بالقصر الملكي.

خلال هذه الفترة سينخرط عبد الرزاق أفيلال، وفق رواية نجله رشيد أفيلال، في النقابة الفرنسية الكونفدرالية العامة للشغل، التي كانت أقوى إطار نقابي حينذاك، وكانت تعامل رجال التعليم المغاربة مثلما تعامل نظراءهم الفرنسيين.

وفي سنة 1949 سيستغل المقيم العام الفرنسي بالمغرب، الجنرال جوان، منع الملك محمد الخامس للباشا الكلاوي من ولوج القصر إثر نعته لرجال المقاومة وأعضاء حزب الاستقلال بـ”الأولاد”، قصد تأليبه على السلطان والوطنيين.

في هذه الفترة، ستشهد البلاد حملة اعتقالات وعمليات نفي للمغاربة، ضمنهم عبد الرزاق أفيلال، الذي تم إبعاده إلى منطقة كرامة بنواحي مدينة قصر السوق المعروفة حاليا بمدينة الرشيدية.

بعد ذلك سيقوم المستعمر الفرنسي مرة أخرى بنفي عبد الرزاق أفيلال إلى قرية المغاسين بضواحي مولاي إدريس، قبل أن يتم تنقيله مجددا، بعد اتهامه بتوزيع مناشير تحث على الاحتفال بذكرى عيد العرش، إلى منطقة البرج بمدينة خنيفرة، ومنها إلى منطقة أولاد شاكر، بناء على تقارير لضباط عسكريين كانوا يكتبون عبارة “غير مرغوب فيه”.

وخلال فترة النفي كان أفيلال يقوم، رفقة آخرين من رجال التعليم، بتدريس المغاربة في هذه المناطق، تنفيذا للتعليمات الصادرة عن الحماية الفرنسية، التي كانت ترصد ميزانية مهمة لإصلاح التعليم.

وكان أفيلال يتوجه فجر كل يوم، رفقة أولئك الأساتذة، إلى المركز العسكري قصد التوقيع على محاضر الحضور.

وشكل فاتح أكتوبر من سنة 1954 نهاية المنفى بالنسبة إلى أفيلال، إذ تم نقله صوب منطقة الزواقين بضواحي وزان، حيث سيلتقي بمجموعة من الوطنيين الذين توطدت علاقته بهم.

ورغم بعده عن أعضاء وقيادات حزب الاستقلال، فقد ظل أفيلال على اتصال وثيق بهم، وعلى رأسهم المهدي بنبركة بالرباط، حيث كان أفيلال قد زكى إدريس الطرفاوي، وهو رجل أمن مغربي يلقب بـ”كازا”، قبيل لقائه ببنبركة، وكان الطرفاوي يسلم كل ليلة مسدسه إلى الوطنيين قصد تنفيذ هجماتهم، وإرجاعه إليه قبل طلوع الفجر.

[embedded content]

hespress.com