من حيز ضيق مشمول بالسرية وواجب التحفظ، يخرج القرار الدبلوماسي المغربي إلى آفاق رحبة، يخاطب العالم ويبتغي تسجيل الأهداف على الخصوم وضمان التوازن الذي يفرضه البروتوكول الدبلوماسي الصارم. وفي خضم كل هذه العملية، تنبثق ردود الفعل وما تفرضه من رد سريع وحاسم لسد كل “المناطق الرمادية”.

مفتوحة على كل الجبهات الأفريقية والأوروبية والأسيوية، تحاول الخارجية المغربية أن تتواجد في كل الملفات التي تمس مصالح البلاد الحيوية، فلم يعد العقل الدبلوماسي للمملكة يقبل سياسة “الكرسي الفارغ” وترك الأحداث المشتعلة، فهو الآن يوجد في قلب العواصف، يناور في بعض الملفات ويفاوض في الأخرى، ولا يخشى التصعيد والتأزيم.

من الصحراء إلى ضمان التوازنات الحيوية في أوروبا وإفريقيا، يبصم الأداء الدبلوماسي على واحدة من أشد الفترات حساسية؛ فالوضع مع ألمانيا مازال يشوبه ضباب، كما أن مدريد لا تريد سلك مسار الوضوح مع الرباط في قضية “غالي”، فيما تنتظر الرباط تحركات أمريكية على أعلى مستوى لإنهاء ملف الصحراء.

وقال المحلل السياسي محمد شقير إن “السياسة الخارجية مجال محفوظ للملك محمد السادس، مشمول بالسرية وواجب التحفظ، بينما معروف أن هناك فريقا من الأطر عالية الكفاءة تشتغل وفق ما يتم تحديده من أجندات”.

وأضاف شقير، في تصريح لهسبريس، أن “على رأس هذا الفريق يوجد الطيب الفاسي الفهري، مستشار الملك المكلف بالشؤون الخارجية والدبلوماسية، وهو وزير خارجية سابق، بالإضافة إلى مكلفين بمهمة”.

وأوضح المحلل السياسي متحدثا عن كيفية اشتغال الآلة الدبلوماسية المغربية أن “هذا المستشار الملكي ينسق مع مجموعة من الشخصيات، أبرزهم ناصر بوريطة، وزير الخارجية، الذي يعتبر تلميذا نجيبا للفاسي الفهري، حيث اشتغلا سويا لما كان الأخير وزيرا للخارجية، وقد كان ناصر بوريطة من بين الذين كان يعوَّل عليهم حتى ارتقى في سلم المسؤوليات، من رئيس قسم إلى كاتب عام ثم وزير للخارجية”.

وشدد المتحدث على أن “هذا التدرج في المناصب جعل بوريطة ملما بجميع الملفات الأوروبية والإفريقية والأمريكية، بما فيها مشكل الصحراء المغربية والاتفاقيات الدولية ومشاكل الحدود والهجرة”.

وأورد أن “هناك تنسيقا عالي المستوى بين القصر ووزير الخارجية، حيث يتم رسم حدود وآفاق الاشتغال وفقا لما تمليه الأجندات والمصالح الوطنية العليا. بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه الإدارة العامة للدراسات والمستندات (لادجيد) التي تعتبر من أهم القنوات التي توفر المعلومة الحصرية التي من خلالها يتم رسم القرار الدبلوماسي وحدود التحرك المطلوب”.

وفي هذا الصدد، أبرز شقير أن “هذا الجهاز يتوفر على ملحقين تتمثل مهامهم في الحصول على المعلومات السرية، سواء في المجال الاقتصادي أو العسكري أو الاستخباراتي. وهي معلومات تعطى بشكل حصري ومباشر لمستشاري الملك وعلى أساسها يتم تحديد طبيعة القرار الدبلوماسي”.

وتابع بأن “جمع المعلومات وتوفيرها من مهام الملحقين التابعين للادجيد”، مشيرا إلى أن “ضبط تحرك غالي في إسبانيا كان من بين مهام لادجيد”، مبرزا أن هذه المعلومة بنى عليها المغرب موقفه بشأن إسبانيا وهي التي حددت سقف مطالبه.

وعند رصده لطبيعية رجالات الدبلوماسية، قال شقير إن “الأمر يتعلق بشخصيات شابة تنتمي للعهد الجديد تم اختيارها لتوافق سنها مع سن الملك وتوافق الأفكار، حيث إن ياسين المنصوري مدير “لادجيد” كان زميل الملك في المدرسة المولوية، فيما بوريطة يمثل رجل الدبلوماسية بامتياز، فهو يتقن ثلاث لغات ومتحدث جيد أمام العالم”.

ومن بين المعايير المعتمدة للاشتغال داخل فريق الدبلوماسيين، رصد شقير القرب أولا من الملك، والتكوين الدبلوماسي الجيد والكفاءة العالية، بالإضافة إلى التمرن على العمل الدبلوماسي والانفتاح على مجريات ومتغيرات العالم، وهذا يعطي هالة مهيبة للشخصيات المختارة بعناية.

hespress.com