بحلول منتصف شهر رمضان من سنة 1908، أي قبل 113 سنة، نشرت جريدة “لسان المغرب”، الصادرة بمدينة طنجة، وثيقة مشروع أول دستور مغربي قدمه علماء وأعيان الحاضرة الفاسية إلى السلطان عبد الحفيظ خلال البيعة المشروطة له، في ظل المعارضة الداخلية التي جسّدها “تيار العلماء” على ضوء الضغوط التي مارستها فرنسا على “المخزن”.
مشروع الدستور الشهير، الذي جرى نشره في أربعة أعداد متتالية من جريدة “لسان المغرب” (56-57-58-59) تحت مسمى “الدولة والدين والسلطة”، تعتبره بعض الفعاليات البحثية المحاولة الأولى لإقامة نظام دستوري ديمقراطي في المملكة المغربية، حيث نص على تفويض السلطة التقريرية إلى مجلس منتخب (منتدى الشورى)، فيما يتكلف السلطان بالمصادقة الكتابية على القرارات المتخذة.
نشر وثيقة الدستور في صحيفة “لسان المغرب”، التي كان يدير تحريرها الأخوان اللبنانيان فرج الله وأرتور نمور، تسبب في زيادة “المضايقات” عليها من لدن أجهزة “المخزن”، خاصة أن خطها التحريري كان يعبّر عن توجه العلماء بفاس الذي كان يطالب بتقييد سلطات السلطان آنذاك، قبل أن تتوقف عن الصدور بعد مدة قليلة بسبب العجز المالي الذي عانت منه.
وتضمن مشروع الدستور العديد من الأفكار الإصلاحية “الثورية” في تلك الفترة، على اعتبار أن بنوده استلهمت من الدستور البريطاني، وكذلك من نظيره الإسباني، وهو ما جعله يوصف بأنه مهد الفكرة الدستورية في المغرب، لكن تم إقباره بعد تنازل السلطان عبد الحفيظ بن الحسن عن الحكم لأخيه يوسف بن الحسن.
وجاءت الوثيقة الدستورية بمجموعة من البنود المتقدمة في وقتها؛ بينها المادة الثانية عشرة التي تحدثت عن إطلاق لقب مغربي على كل واحد من أبناء “الدولة الشريفة”، سواء كان مسلما أو غير مسلم، إلى جانب المادة الثالثة عشرة التي نصت على أنه يحق لكل مغربي أن يتمتع بحريته الشخصية بشرط أن لا يضر غيره ولا يمس حرية غيره، وكذا المادة الرابعة عشرة التي حفظت مبدأ الحرية الشخصية لكل فرد مع مراعاة الآداب العمومية.
ويتألف “منتدى الشورى”، بحسب مشروع الدستور، من هيئتين؛ تسمى الأولى “مجلس الأمة” والأخرى “مجلس الشرفاء”. واشترطت الوثيقة أن يكون نواب مجلس الأمة عارفين باللغة العربية وكتابتها حق المعرفة، واشترطت كذلك الحضور الدائم لأشغال المجلس، وأي غياب غير مبرر يستدعي إعفاء النائب المعني من مهامه.
وحرصت الوثيقة على توفير الحصانة القانونية لأعضاء منتدى الشورى، الذين يتوفرون على كل الضمانات للتعبير عن آرائهم دون أي تدخل من طرف “المخزن”، ولا يساء بهم الظن، ولا يتهمون بتهمة لكونهم قالوا ما شاؤوا ولو أنهم انتقدوا الوزير الأكبر أو الوزراء.
وألزمت المادة الثالثة والثمانون الدولة، من خلال “وزارة المعارف”، بإنشاء مدارس في بلدان السلطنة جميعها وبين قبائلها، وذلك بمساعدة الحكومة ومنتدى الشورى، وتكون هذه المدارس الوطنية تحت مراقبتها مباشرة.
وتتشكل تلك المدارس الوطنية من ثلاث رتب؛ هي المدارس الابتدائية والثانوية والكليات، مع إلزامية مجانية التعليم وإسناد وظيفة التدريس إلى المعلمين المغاربة والأجانب الأكفاء.